السيادة بين مطرقة الانتهاكات وسندان الإذعان (أكرم بزي)

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز
في اللحظة التي يُنجز فيها الجيش اللبناني انتشاراً واسعاً في جنوب الليطاني متجاوزاً عتبة الـ 80%، تبرز مفارقة صارخة تهدد جوهر الكرامة الوطنية، فبينما تلتزم الدولة ببنود التهدئة، تواصل الآلة العسكرية الإسرائيلية استباحة الأرض والجو، ضاربةً عرض الحائط بكل المواثيق. أمام هذا الواقع، لم يعد الصمت الحكومي أو الاكتفاء ببيانات التنديد خياراً مقبولاً، بل بات لزاماً الانتقال إلى مرحلة المواجهة السيادية الشاملة.
خطر “الإذعان” كوجه آخر للاحتلال
إن الاستمرار في تقديم التنازلات والمضي قدماً في “المرحلة الثانية” شمال الليطاني، في وقتٍ لا تزال فيه السيادة منتهكة والأرض محتلة، يمثل انزلاقاً نحو “الإذعان الممنهج”. إن هذا النوع من التراجع السياسي لا يقل خطورة عن الاحتلال العسكري نفسه، فالاحتلال يصادر الأرض، بينما الإذعان يصادر الإرادة والقرار الوطني. فقد أثبتت التجربة الميدانية المريرة أنه بعد كل تنازل تقدمه الحكومة، كانت إسرائيل تزيد من توغلها وتصعد من دنائتها، مستهدفةً المدنيين العزل في قراهم، بل وواضعةً عناصر الجيش اللبناني في مرمى نيرانها الغادرة. فكيف يجوز السكوت على هذه الدناءة التي تستبيح دم الجندي والمواطن على حد سواء؟
عندما تعجز الدبلوماسية الرسمية عن حماية المواطن واستعادة الأسير وتحرير الشبر المحتل، يبرز حق الشعب والقوى الوطنية كصمام أمان أخير. إن السيادة ليست ملكاً للحكومة لتتنازل عنها، بل هي ملك للشعب الذي قدم التضحيات. ومن هنا، فإن أي استمرار في تقديم التنازلات بلا مقابل وطني ملموس يعطي الحق المشروع لكل القوى الحية في البلاد للتحرك ورفض هذا المسار، والتمسك بخيار المقاومة بكل أشكالها كأداة لردع التغول الإسرائيلي.
وحدة المصير: نحو جبهة وطنية شاملة
إن الرهان الحقيقي اليوم لا يكمن في الوعود الدولية، بل في إعادة الاعتبار لفعل المقاومة الوطنية الشاملة كنهج متكامل مع دور الجيش اللبناني. إن الضرورة الوطنية القصوى تحتم اليوم توحيد كل الجهود بين القوى السياسية، والفعاليات الشعبية، والمقاومة الميدانية، لتصطف جميعاً في خندق واحد.
إن هذا التلاحم العضوي هو الرد الوحيد القادر على تحويل الانتشار العسكري من مجرد ترتيبات حدودية إلى فعل تحرير حقيقي يكسر غطرسة الاحتلال. إن كرامة الوطن تقتضي أن تُدار المعركة بندية وطنية صلبة، تضع تحرير الأسرى واستعادة كل ذرة تراب محتل فوق كل اعتبار، مؤكدةً أن الأرض التي رُويت بالدماء لا تُحمى إلا بالوحدة والتمسك بخيار المواجهة حتى التحرير الكامل.
من هنا نجد أن على رئيس الجمهورية المؤتمن على صيانة الدستور:
- حماية الدستور ووقف “الالتزام الأحادي”
بصفته الساهر على احترام الدستور وحماية استقلال الوطن (المادة 49)، يجب على الرئيس رفض منطق التنازلات المستمرة. عليه أن يقرر بوضوح أن السيادة اللبنانية كلٌ لا يتجزأ، وأن الانتقال إلى مراحل أمنية جديدة (شمال الليطاني) لا يجوز أن يتم طالما أن العدو يواصل احتلال أراضٍ في الجنوب ويستبيح دماء اللبنانيين.
- ممارسة القيادة العليا للقوات المسلحة
بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للدفاع، يجب على الرئيس إصدار توجيهات عسكرية وسياسية واضحة للجيش اللبناني بالرد على مصادر النيران الإسرائيلية التي تستهدف العسكريين والمدنيين. لا يمكن للجيش أن ينتشر كـ “مراقب”، بل يجب أن يكون “مدافعاً” يمتلك الغطاء السياسي الكامل لردع أي توغل أو دناءة صهيونية.
- الدبلوماسية الندية والمشروطة
يجب على الرئيس تفعيل صلاحياته في إدارة المفاوضات الدولية (المادة 52) لانتزاع حقوق لبنان وليس لاستجداء التهدئة. عليه أن يضع المجتمع الدولي أمام حقيقة أن لبنان لن يقدم أي خطوة إضافية في تنفيذ الاتفاقات ما لم يقابل ذلك انسحاب إسرائيلي شامل من النقاط المحتلة، وإطلاق سراح كافة الأسرى، ووقف فوري للخروقات الجوية والبرية.
- الدعوة لـ “التحام وطني” شامل
المهمة الأبرز للرئيس هي مخاطبة الشعب والقوى الوطنية (المادة 53) لإعلان جبهة صمود موحدة. يجب عليه إعادة الاعتبار لـ “فعل المقاومة الوطنية الشاملة” كحق مشروع وقوة مساندة للجيش اللبناني، والتأكيد على أن قوة لبنان تكمن في تلاحم شعبه وجيشه ومقاومته، وليس في الركون لضمانات دولية أثبتت فشلها في حماية المدنيين.
- المصارحة وكشف الضغوط
يجب على الرئيس الخروج بمكاشفة صريحة للشعب اللبناني حول حقيقة ما يجري من ضغوط دولية وميدانية، واعتبار أن أي محاولة لفرض “إذعان” على لبنان هي بمثابة احتلال ثانٍ للإرادة الوطنية يجب التصدي له بكل الوسائل المتاحة، عسكرياً وسياسياً وشعبياً.


