الحوار نيوز – وكالات
دخل السودان مرحلة عاصفة من أزماته المتلاحقة بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي أعلن عجزه عن متابعة المسيرة في ظل التعقيدات التي تعيشها البلاد ،بين سلطة العسكر والاحتجاجات الشعبية والانقسامات السياسية.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عزل رئيس الوزراء وأعضاء حكومته واعتقلهم في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنه أعاده إلى منصبه من دون حكومته إثر ضغوط دولية ومحلية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ووقّع الرجلان لاحقا اتفاقا لإعادة الانتقال الديمقراطي إلى مساره وطمأنة المجتمع الدولي الذي خفّف من مساعداته بعد “الانقلاب”، ولم يكن الاتفاق مرضيا لجميع الأطراف في السودان، لذلك تواصلت الاحتجاجات في الشوارع.
وكان يفترض أن يشكل حمدوك حكومة جديدة لكنه لم يتمكن من ذلك.
وقبيل استقالة حمدوك نزل آلاف المتظاهرين إلى شوارع العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان أمس الأحد. وهتف المتظاهرون “القوة للشعب”، ودعوا الجيش إلى ترك السياسة وشأنها.وقال ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إن عام 2022 سيكون “عام استمرار المقاومة”.
وجرت مواجهات مع الأمن السوداني أسفرت عن مقتل اثنين على الأقل، وفقا للجنة أطباء السودان المركزية، ليرتفع عدد القتلى في الاحتجاجات منذ أكتوبر /تشرين الثاني إلى أكثر من 50 شخصا.
وعلى الأثر أعلن حمدوك استقالته من رئاسة الحكومة بعد أسابيع من إعادته إلى المنصب في إطار اتفاق سياسي مع الجيش، قال إنه يمكن أن ينقذ مسار الانتقال نحو الديمقراطية.
وقال حمدوك في كلمة عبر التلفزيون الرسمي، إن هناك حاجة إلى حوار حول مائدة مستديرة للتوصل إلى اتفاق جديد للانتقال السياسي إلى الديمقراطية في السودان.
وأضاف في خطابه: “لقد حاولت بقدر استطاعتي أن أجنب بلادنا خطر الانزلاق نحو الكارثة… ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق المنشود والضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء ولكن ذلك لم يحدث”.
وختم خطابه بالإعلان عن استقالته من منصبه بالقول: “قرّرت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء مفسحا المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا،والعبور به خلال ما تبقى من عمر الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية”.
ورأى محللون أن استقالة حمدوك تشكل ضربة كبيرة للقادة العسكريين الذين اعتقدوا أن اتفاقا معه من شأنه إرضاء المحتجين وإضفاء الشرعية على بقائهم في السلطة.
وتبين أن هذه الحسابات كانت خاطئة، لكن هذا يعني أن الجيش أصبح الآن في السلطة بقوة، ما نقض المكاسب التي تحققت من أجل الوصول إلى حكم مدني.وتهدد الأزمة السياسية الحالية الآن بإعادة السودان إلى السنوات الاستبدادية كما كان الحال في حقبة البشير.وبالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية في السودان، قد يكون لذلك تأثير أسوأ على حياة السودانيين.
ردود الفعل
وفي أول رد فعل خارجي عقب استقالة حمدوك، دعت الخارجية الأميركية القادة السودانيين إلى تنحية خلافاتهم جانبا والتوصل إلى توافق وضمان استمرار الحكم المدني.
وشددت الوزارة -في بيان- على ضرورة تعيين رئيس للوزراء وحكومة تماشيا مع الإعلان الدستوري لتحقيق أهداف الشعب في الحرية والسلام والعدالة.
وقالت الخارجية الأميركية إن واشنطن تواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني وتدعو لوقف العنف ضد المتظاهرين.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال في وقت سابق إن استيلاء الجيش على السلطة في السودان والعنف ضد المتظاهرين ألقيا بظلال من الشك على فرص نشوء سودان ديمقراطي.وعبر بلينكن عن استعداد بلاده للرد على من سماهم الساعين إلى عرقلة تطلع الشعب السوداني إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية.
وفي ردود الفعل الداخلية، قال محمد بدر الدين الأمين العام المكلف لحزب الموتمر الشعبي المعارض بالسودان للجزيرة إن استقالة عبد الله حمدوك كانت أمرا متوقعا وأنها ستزيد تأزيم الأوضاع.
وشدد بدر الدين على أن المخرج من الأزمة هو حوار شامل لا يقصى أحدا.
من جهته، اعتبر مني أركو مناوي ،وهو من أبرز قادة قوى الحرية والتغيير (مجموعة التوافق الوطني)استقالة حمدوك من تجليات أزمة سياسية واجتماعية لم تفهمها القوى السياسية.
وامتدح رئيس حزب الأمة القومي المكلف ما سماه جهد رئيس الوزراء المستقيل للخروج بالسودان إلى بر الامان.
أما صديق يوسف، القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، فاعتبر أن تنحي رئيس الوزراء تأخر كثيراِ، متوقعا أن تضيّق استقالة حمدوك الخناق على المكون العسكري داخليا وخارجيا.
مواجهات في الشارع
وقبل ساعات من إعلان رئيس الوزراء استقالته، شهدت العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى مواجهات بين متظاهرين وقوات الشرطة خلفت قتلى وإصابات مختلفة.
وأكدت لجنة أطباء السودان أن 3 متظاهرين لقوا مصرعهم في مدينة أم درمان وأصيب العشرات جراء استخدام القوات السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين كانوا في طريقهم إلى القصر الرئاسي بالخرطوم.
ووجه تجمع المهنيين السودانيين نداء للأطباء والجراحين والممرضين للتوجه لمستشفيات مدينة أم درمان ومستشفيات العاصمة، لإسعاف المصابين وتقديم الخدمات الطبية اللازمة.
وتظاهر الآلاف في الخرطوم ومدن أخرى في إطار ما سمي “مليونية الشهداء” للمطالبة بحكم مدني وإدانة قتل المتظاهرين خلال احتجاجات الأسبوع الماضي.
وفي بيان له السبت، دعا تجمع المهنيين السودانيين -الكيان المهني الذي لعب دورا محوريا في الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير في أبريل/نيسان 2019- إلى جعل 2022 “عاما للمقاومة المستمرة”.
وقال إنه يدعو “جماهير الشعب السوداني وجموع المهنيين السودانيين والعاملين بأجر في كل مدن وقرى السودان” إلى “الخروج والمشاركة الفعالة في المواكب المليونية في الثاني من يناير/كانون الثاني 2022، فلنجعل منه عاما للمقاومة المستمرة”.
ميثاق سياسي
وفي وقت سابق، قدم تجمع المهنيين السودانيين مقترحا أطلق عليه اسم “الميثاق السياسي لاستكمال ثورة ديسمبر”.
وينص المقترح على ضرورة إسقاط المجلس العسكري، وتشكيل سلطة انتقالية مدنية مدتها 4 سنوات.كما ينص على تشكيل مجلس سيادة مدني شرفي، ومجلس وزراء لا يتجاوز عدد أعضائه 20 شخصا من الكفاءات الثورية، ومجلس تشريعي مدني.
ودعا مقترح تجمع المهنيين أيضا إلى بناء وهيكلة القوات النظامية وتفكيك كل المليشيات، خصوصا قوات الدعم السريع، وأن يكون رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة.
زر الذهاب إلى الأعلى