الحوارنيوز – الأخبار
تحت هذا العنوان كتبت مي علي في الأخبار تقول:
كما كان متوقّعاً، لم تكد تدخل الهدنة المعلَنة في السودان حيّز التنفيذ، حتى انهارت بتجدّد الاشتباكات المسلّحة بين الجيش و«الدعم السريع». تجدّدٌ أنبأ بأن إمكانيّة وقف إطلاق النار لا تزال بعيدة، وبأنّ الطرفَين يدخلان مرحلة مواجهة جديدة، ربّما تكون أخطر وأشدّ قسوة، وخصوصاً إذا ما استُدرجت أطراف خارجية إلى الانغماس فيها بشكل عملياتي ومباشر. وفيما تعكف مصر خصوصاً على دراسة خياراتها التي تبدو محدودة، واضعةً في حسبانها إمكانية رجحان الكفّة لغير مصلحة حليفها، يَظهر النسيج السياسي السوداني مائلاً إلى حساب الأخير، على رغم الخشية من أن انتصاره سيجرّئه أكثر على القوى السياسية المدنية
لم تصمد هدنة الساعات الـ 24 بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، طويلاً، في ظلّ استمرار المناوشات والمعارك بين الطرَفين على أكثر من جبهة، واتّهام كلّ منهما الآخر بالمسؤولية عن سقوط الهدنة. ولليوم الخامس على التوالي، تواصلت الاشتباكات المسلّحة، والتي تدور رحاها داخل الخرطوم خصوصاً، حيث شهدت الساعات الأولى من فجر يوم أمس، تبادلاً مكثّفاً لإطلاق النار، فيما عاش سكّان العاصمة خوفاً شديداً نتيجة سماع أصوات انفجارات قويّة مصحوبة بكتل دخان كثيف، مصدرها شرق الخرطوم، تبيّن لاحقاً أنها ناتجة من انفجار مستودع وقود في المطار. كذلك، شهد محيط القيادة العامة والمطار اشتباكات عنيفة استمرّت على مدى ساعات، فيما أَظهرت مقاطع مصوّرة بثّتها قوات الجيش، سيطرة هذه الأخيرة على جميع الشوارع المؤدّية إلى مداخل المكانَين المذكورَين. كما دار تبادل لإطلاق النار في محيط القصر الجمهوري وحيّ حلة حمد في مدينة الخرطوم بحري، أي في المناطق التي تنتشر فيها تجمّعات لقوات «الدعم السريع». وكان الجيش قد سيطر على مطار مروي شمال السودان، بعدما اضطرّ «الدعم السريع»، التي كانت متمركزة فيه، إلى الانسحاب منه بصحبةَ الجنود المصريين الذين أُسِروا منذ اليوم الأول للاشتباكات. وأفاد بيان صادر عن «الدعم»، أمس، بأن الجنود المصريين نُقلوا إلى العاصمة الخرطوم، مطمئناً الحكومة وأُسرهم إلى أن جميعهم بخير، وهم يتلقّون الرعاية اللازمة، ومعلناً أنّهم سيُسلَّمون متى تسنح الفرصة المناسبة والأوضاع الأمنية التي تمرّ بها البلاد.
في هذا الوقت، وصلت إلى الخرطوم، أمس، أرتال من سيارات الدفع الرباعي محمّلة بالسلاح والذخائر وجنود المشاة، قادمة من ولاية النيل الأزرق جنوب شرقي البلاد، ما أنبأ بأن المرحلة الثانية من المعركة دخلت حيّز التنفيذ، حيث ينوي الجيش بدء عمليّات مطاردة لقوات «الدعم السريع» المنتشرة داخل المدن والأحياء، وسط رهان من قِبَله على نفاد الوقود والذخيرة لدى تشكيلات منها، وانقطاع خطوط الإمداد من القيادة الخاصة بها، فضلاً عن فقدانها الغذاء والماء. وبحسب بيان صادر عن الجيش، فإنّ معلومات وردت إليه عن أن بعض عناصر «الدعم السريع» يعمدون إلى التخلّص من أسلحتهم عن طريق بيعها للمواطنين، في حين اتّهمت الأخيرة، القيادة العامة، بمواصلة هجومها بالأسلحة الثقيلة على مواقع تمركز قواتها، وقيامها بإطلاق القنابل بصورة عشوائية، ما تسبّب بمقتل وإصابة العشرات من المواطنين وتدمير المستشفيات والأسواق. كذلك، أعلنت قيادة «الدعم» موافقتها على هدنة جديدة تبدأ من السادسة مساء أمس الأربعاء وتستمرّ على مدى 24 ساعة، فيما لم يصدر أيّ تعليق من جانب القوات المسلّحة في هذا الإطار. ورأى مراقبون أن الإعلان عن الهدن المتكرّرة من جانب الطرفَين المتقاتلَين، هو من قبيل المزايدة وإظهار الخصم في صورة من يعمل على خرق التهدئة، إذ لم يلتزم أيّ منهما بوقف إطلاق النار منذ بداية الاشتباكات.
ابن زايد لـ«حميدتي»: أنتم الجيش المستقبلي
في هذا الوقت، بدا لافتاً اختفاء قادة الحركات المسلّحة الموقّعين على «اتفاق جوبا»، والذين كانوا حلفاء العسكر، عن المشهد العام، بعد اندلاع المواجهات المسلّحة، والتي سبقتها جهود وساطة لتلك المجموعات مع طرفَي المكوّن العسكري، أعقبها استعداد الطرفَين للجلوس وحلّ الأزمة الطارئة بينهما، وقرْب انفراج الأزمة بين رئيس «مجلس السيادة» عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو ما لم يحدث. ودعت القوى السياسية الموقّعة على «الاتفاق الإطاري»، من جهتها، إلى وقْف فوري للحرب. وقال عضو المجلس المركزي لـ«قوى الحرية والتغيير»، خالد عمر، في منشور، إن «الدولة السودانية في أضعف حالاتها ولن تصمد أمام العنف المتصاعد»، داعياً طرفَي الصراع إلى الاستجابة لنداءات وقف الحرب، والجنوح إلى الحلّ السلمي المتفاوَض عليه. كما دعا عمر، القوى المدنية الديموقراطية، إلى وضْع انقساماتها خلْف ظهرها، والتوحّد لإنقاذ البلاد. ولعلّ أكثر ما تخشاه القوى الموقّعة على «الإطاري»، هو أن يؤدّي حسْم المعركة لمصلحة الجيش، إلى استقواء البرهان وانسلاخه عن العملية السياسية. وترى تلك المجموعة أن حميدتي هو «حامي التحوّل الديموقراطي»، فيما يصف متابعون التعويل على دقلو بـ«السذاجة السياسية»، إذ من المستبعد أن يسلّم الرجل الطامح إلى حكم السودان منفرداً، السلطة إلى المدنيين في حال استطاع كسْر شوكة الجيش.
وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار» من مصادر موثوقة، فإن قائد «الدعم السريع» تلقّى، خلال زيارته الأخيرة للإمارات، وعوداً من رئيسها، محمد بن زايد، بأن تحلّ قواته محلّ الجيش، وأن عليه فقط أن يشتري موافقة مجموعة «الحرية والتغيير» في الداخل، في مقابل أن يضمن له ابن زايد تأييد المجتمع الدولي.