السلطة التنفيذية في لبنان برأس.. أم برأسين؟
نظرية إستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية والعودة القوية إلى الحكم وتثبيت مبدأ المناصفة في كل شيء وعلى كل المستويات، تحولت إلى إستراتجية عمل وفق خطة مبرمجة للتيار الوطني الحر.
في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، ينطلق التيار من البند رقم 3 من المادة 53 من الدستور(صلاحيات رئيس الجمهورية) والتي تنص على : " يصدر بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول إستقالة الوزراء أو إقالتهم" ،ليعتبر هذا النص الدستوري كافيا للقول بأن الرئيس شريك في السلطة التنفيذية.
لم ترفض صيغة توزيع الوزارات على القوى السياسية والتي قدّمها الرئيس المكلف سعد الحريري بالمطلق ( الصيغة لم تتضمن أسماء الوزراء)، فكلا الرئيسين أعتبرها مبدئية أي أنها قابلة للنقاش والتعديل.المهم أنها خطوة جريئة ومطلوبة من الرئيس المكلف وقد أقدم عليها رغم كل التناقضات الداخلية.
لكن اللافت هو البيان الصادر عن مكتب الإعلام لدى رئاسة الجمهورية الذي جاء فيه:
صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية البيان الاتي:
" تسلم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد ظهر اليوم(الاثنين 3 أيلول 2018) من دولة الرئيس المكلف سعد الحريري صيغة مبدئية للحكومة الجديدة. وقد ابدى فخامة الرئيس بعض الملاحظات حولها استنادا الى الاسس والمعايير التي كان حددها لشكل الحكومة والتي تقتضيها مصلحة لبنان. وسيبقى فخامة الرئيس على تشاور مع دولة الرئيس المكلف تمهيدا للاتفاق على الصيغة الجديدة للحكومة".
لقد فتح البيان الرئاسي على قضية أخرى وهي قضية الصلاحيات الدستورية.
لا يجوز تقييد الرئيس المكلف بأسس ومعايير خارج النص الدستوري. فرئيس الجمهورية، وفقا للمادة 49 من الدستور فهو:" رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على إحترام الدستور والمحافظة على إستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقا لأحكام الدستور…".
إذن المعايير يحددها الدستور ومن صلاحيات رئيس الجمهورية ممارسة صلاحياته من هذه الزاوية.فيما المادة 64 من الدستور (رئيس مجلس الوزراء) تعتبر أن : " رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم بإسمها ويعتبر مسؤولا عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء. وهو يمارس الصلاحيات التالية:
1- يرأس مجلس الوزراء…..
2- يجري الإستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد إستقالتها أو إعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق للأعمال".
3- يطرح سياسة الحكومة أمام مجلس النواب.
وفقا لما تقدم فإن رئيس مجلس الوزراء هو من يعمل على تشكيل الحكومة وفقا لتفاهم عام مع رئيس الجمهورية ورئاسة مجلس النواب والقوى النيابية الأخرى، دون أن يكون لهم شأن في الدخول في التفاصيل.
إذن لرئيس الجمهورية الحق في ممارسة صلاحياته المرتبطة بالأسس والمعايير التي نص عليها الدستور لجهة إحترام المناصفة مثلا، أو التأكد من التوازن الوطني ومقتضيات الوفاق الوطني داخل الحكومة ، ويترك للرئيس المكلف أن يقدم تصوره للحكومة التي سيرأسها وسيكون مسؤولا عن أعمالها أمام البرلمان وأما الشعب اللبناني.
لقد أعاد البيان الرئاسي إلى الأذهان سؤالا : هل السلطة التنفيذية في لبنان برأس أم برأسين؟
الجواب واضح :برأس واحد، هو رئيس الحكومة الذي يعبر عن سياسة وتوجهات مجلس الوزراء مجتمعا. إستنادا الى "مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها".
أما إذا أصر التيار على إستعادة صلاحيات الرئاسة كما كانت قبل إقرار وثيقة الوفاق الوطني " إتفاق الطائف"، فهذا المسار يقودنا إلى تعديل دستوري جوهري في لبنان، ويتمثل في العودة إلى نظام رئاسي، وعليه لا يصح إنتخاب رئيس الجمهورية إلا من الشعب مباشرة، فهل هم جاهزون لمثل هذا التعديل؟