الساكت عن الظلم.. ظالم !(وسام سليقا)

بقلم الشيخ وسام سليقا – الحوارنيوز
ليس الظلمُ دائمًا يدًا تمتدّ،
ولا سيفًا يُشهر،
ولا صوتًا يصرخ.
أحيانًا يكون الظلمُ صمتًا…
صمتًا أنيقًا،
هادئًا،
يتزيّن بالحكمة زورًا،
ويختبئ خلف الأعذار.
الساكت عن الظلم
لا يقف خارج المشهد،
بل يقف في قلبه،
يمنح الظالم مساحة،
ويمنع المظلوم من آخر ما يملك:
الأمل.
لقد أُخذت أموال الناس
لا بزلزالٍ ولا بحرب،
بل على مهل،
وببرودٍ لا يشبه إلا قسوة الحساب المجرد من الروح.
أُخذت دون أن يرفّ جفن للمنطق،
ودون أن يستأذن الضمير،
ودون أن يُراعى معنى الإنسان.
لم تُنهب فقط الأرقام،
بل نُهبت معها الأعمار،
وتكسّرت أحلامٌ كانت تعيش على وعد الغد،
وسُحقت كراماتٌ كانت تكتفي بالقليل
لكنها لم تقبل يومًا بالذل.
العقل لا يقبل هذا،
لأن ما جرى لا يُبنى على سببٍ عادل،
ولا على منطقٍ سليم،
ولا على ميزانٍ يُطمئن.
والضمير يرفضه،
لأن المال الذي يُنتزع من تعب الناس
ليس مالًا،
بل أعصاب، ووقت، ووجع مؤجّل.
أما الإنسانية،
فتقف مذهولة،
تسأل:
كيف يُترك الإنسان وحيدًا
في مواجهة الجوع والخوف والخذلان
باسم أنظمة لا ترى،
وقوانين لا تشعر؟
الساكت عن هذا الظلم
قد يظنّ أنه نجا،
وأنه اختار السلامة،
لكن السلامة التي تُبنى على إنكار الألم وحقوق الناس
ليست سلامة،
بل مشاركة صامتة.
فالسكوت هنا
ليس حيادًا،
بل اصطفافٌ غير مُعلن.
وليس حكمة،
بل تأجيل للعدالة،
حتى تستفحل الجراح
ويصير الصراخ بلا صوت.
ما أُخذ من الناس
أُخذ لأن كثيرين صمتوا،
ولأن الخوف أقنعهم
أن الصمت أهون من المواجهة،
وأن الوقت كفيل بإصلاح ما أفسده الظلم.
لكن الظلم لا يُصلحه الوقت،
بل يُربّيه.
إن أخطر ما في هذا المشهد
ليس حجم ما سُلب،
بل اعتياد القلوب عليه،
وتحوّل الألم إلى خبر،
والوجع إلى رقم،
والإنسان إلى ملف.
العدل لا يولد من الصمت،
ولا ينمو في الظل،
ولا يحيا بلا صوتٍ يشبهه.
ومن يسكت اليوم
قد يُطال غدًا،
وحينها لن يجد من يتكلم.
الساكت عن الظلم ظالم،
لا لأنه سرق،
بل لأنه سمح للسرقة أن تصبح عادية،
ولا لأنه ظلم،
بل لأنه خذل العدالة
حين كانت بحاجة إلى كلمة حق
فالكلمة الصادقة
قد لا تُعيد المال،
لكنها تُعيد المعنى،
وتحفظ ما تبقّى من إنسانيةٍ
توشك أن تُنهب هي الأخرى.


