رأي

الزيارة المكلفة: ماذا ربح لبنان؟ (زينب إسماعيل)

 

زينب اسماعيل – الحوارنيوز

 

خمسة عشر مليون دولار؟.. هذا الرقم ليس تفصيلاً. هو كلفة زيارة البابا إلى لبنان، ممولة من تبرعات اللبنانيين أنفسهم، في بلد يعيش انهيارًا اقتصاديًا تاريخيًا غير مسبوق، وفقرًا يتوسع يومًا بعد يوم، وانعدامًا شبه كامل للخدمات الأساسية. خمسة عشر مليونًا… مبلغ يكفي لإعالة آلاف العائلات التي لم تعد قادرة على شراء رغيف أو دواء، ويكفي لإنقاذ حياة كثيرين يموتون بصمت.

 

يُقال لنا إن الاعتراض «غير مناسب»، وإن الزيارة «حدث روحي»، وإن السؤال عن التكلفة «قلة إيمان». لكن ماذا عن الإيمان بالشعب؟ ماذا عن احترام جرح بلد ينزف منذ سنوات؟ وهل تُصبح القداسة ذريعة لدفن الحقائق وتجميل الواقع؟

 

هل كانت الزيارة ضرورة… أم استعراضًا سياسيًا؟

 

يصرّ البعض على أن زيارة البابا تُوحّد اللبنانيين، وأنها رسالة سلام. لكن لنسأل بصراحة: هل أُعيد بناء المنازل التي تهدّمت؟ هل تغيّر شيء في البنية التحتية المنهارة؟ هل أصبح للبنان دولة قادرة على حماية حدوده من العدو بدل التفرّج؟ هل تحسّن واقع الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر؟ هل وُضعت خطة واحدة للإنقاذ بدل الاستعراضات؟

 

الجواب واضح وصادم: لا شيء من ذلك حصل. المبلغ تبخّر في احتفالات وطقوس، بينما بقيت البلاد غارقة في الخراب نفسه.

 

بين الرمزية والواقع… ماذا تغيّر فعلاً؟

 

هل أوقفت الزيارة حربًا؟ هل غيّرت معادلات الصراع؟ هل ساهمت في تحسين العيش المشترك؟ هل صنعت فارقًا في يوميات الناس؟.. لا!!

 

وما هو أخطر من ذلك أنّ الزيارة فتحت بابًا جديدًا للنقاش:

هل تحوّلت إلى غطاء لبدء محاولات التفاوض غير المباشر – أو غير المُعلن – بين لبنان وإسرائيل عبر واجهات “مدنية”؟

في الكواليس، ظهرت أحاديث عن اتصالات بين شخصيات لبنانية وإسرائيلية تُقدَّم كـ“جسور حوار”، بينما هي في الواقع أدوات ناعمة لدفع لبنان نحو تطبيع تدريجي خارج المؤسسات، وبعيدًا عن أي نقاش وطني أو تفويض شعبي.

وهنا يصبح السؤال مشروعًا: هل استُخدم الحدث الروحي لفتح مسار سياسي لا يجرؤ أحد على طرحه علنًا؟ وهل كانت “رسالة السلام” مجرد ستار لتمرير تواصل لا يريده معظم اللبنانيين؟

 

المثير للسخرية أن كل شيء بدا ممكنًا في أسبوع واحد فقط: تزفيت الطرقات، تنظيم الحشود، والسيطرة على حركة السير… بينما بقيت الدولة عاجزة عن تقديم أبسط الخدمات لمواطنيها طوال سنوات. الزيارة كانت حدثًا رمزيًا، لا أكثر، لكن الاستعراض السياسي واللوجستي أظهر بوضوح قدرة الطبقة الحاكمة على التظاهر بالكفاءة حين يتعلق الأمر بالمظاهر، لا بحقوق الناس وحياتهم اليومية.

 

 

في اللقاء الأخير على الواجهة البحرية، كان المشهد فاضحًا: الكاميرات موجّهة إلى الرؤساء والزعماء الذين (…)، يبتسمون ويحيّون، بينما مئات الآلاف من الناس الواقفين منذ الفجر تحت الشمس يُستخدمون كديكور لإضفاء الشرعية على الطبقة نفسها التي دمّرتهم.

 

معظم الوقت، لم يكن البابا محور الصورة. كان السياسيون هم الصورة. وكأن الزيارة ليست زيارة البابا إلى لبنان… بل زيارة البابا إلى طبقة الحكم اللبنانية.

 

 

كيف يمكن لشعب ذاق مرارة الحرب الطائفية أن يعود في كل مناسبة دينية ليُهدي صوته وثقته لمنظومة تستخدم الدين درعًا للبقاء؟ كيف يُصفّق اللبنانيون لمن أفلسوهم، جاعوا على أيديهم، ويعودون الآن ليجلسوا أمامهم بغطاء «روحي»؟

 

لبنان لا يحتاج زيارة… يحتاج دولة

 

لبنان اليوم لا يحتاج إلى رموز. ولا يحتاج إلى خطابات أو صلوات جماعية. هو يحتاج إلى دولة: دولة تعيد الأموال المنهوبة، تفصل الدين عن السياسة، تحمي حدودها، وتقدّس الإنسان قبل الزعماء، والعدالة قبل الاحتفالات.

 

الزيارة انتهت… أما الأسئلة فلا

 

ماذا يبقى من زيارة البابا؟ صورة على التلفاز؟ منصة مليئة بالسياسسين(…)؟ وشعب متعب يُصفّق لأنه لا يجد بديلاً؟

 

ربما كانت الزيارة مهمة روحيًا. لكنها كانت، قبل كل شيء، مرآة قاسية كشفت وجه لبنان الحقيقي: شعب مُنهك… ونظام بارع في تحويل كل حدث إلى مسرحية.

 

ويبقى السؤال الأهم: هل سيبقى اللبنانيون ممثلين في هذه المسرحية، أم سيكتبون يومًا السيناريو الجديد لوطن يستحق الحياة؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى