د. م. محمد رقية- الحوار نيوز
إن من يتابع المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي يشيب رأسه من كثرة الأخبار الملفقة أوالمبالغ فيها والتضخيم الاعلامي والتهويل في الأحداث، ومن كثرة المتحدثين والمحللين والعارفين والدجالين وبينهم بعض المختصين مدعي المعرفة ، وآخر هذه الإرهاصات وجود نشاط زلزالي متصاعد غير معتاد في سورية يتوقع ذروته بين سبعة وثمانية من آذار الجاري ليطال وسط البلاد والساحل والعاصمة وصولا إلى لبنان وفلسطين .
والأدهى من ذلك العناوين المثيرة والمخيفة التي تضعها هذه المواقع على مانشات أخبارها وهي فارغة المضمون ، ووصل الأمر ببعض هذه المواقع الى دب الرعب والخوف من غيمة صغيرة فوق دمشق وهم لا يعلمون ما أنواع الغيوم وكيف تتشكل وما هي مظاهرها ، فبدلا” من طرح الأمر من باب الدراسة والاستفسار يطرحونه لإثارة الرعب وتخويف الناس ودب الذعر بينهم، لزيادة عدد المتابعين وجمع الاعجابات وبالتالي الأموال وهذا أمر يندى له الجبين.
فمنذ حدوث زلزال كهرمان مرعش الكبير في تركيا في ٦ شباط الماضي ظهرت كل أشكال الفوضى والتنجيم والدجل والتخويف من حدوث زلازل لا تبقي ولا تذر على طريقة فرانك الهولندي وتابعيه من الجهلة المتعلمين ومعهم الكثير من الأشخاص الواقعين بوهم المعرفة .
ووصل الأمر حتى بالبعض من الكتاب أن أخذوا يسطرون المقالات العظيمة عن الزلازل بتجميع من النت بغض النظر عن دقتها أو صحتها.
ومشكلة الكثير من هؤلاء عندما ينقلون هذه التجميعات لا يعلمون بأنهم يرتكبون أخطاء قاتلة في المصطلحات التي يتم نقلها ، لأنها توضع في مكان غير مكانها ، وتعطي معنى مختلف ، أضف الى ذلك ظاهرة السرقة والنسخ واللصق بدون ذكر المصدر وما مصداقية ما يتم نقله لدرجة يضيع الانسان العادي وحتى المختص في متاهات هذه المعلومات غير معروفة المصدر وغير الدقيقة التي تصل في معطياتها الى حد التناقض.
وأشير هنا الى مثال واحد فقط مما حصل
بعد حدوث الزلزال المدمر في تركيا، فقد نقلت أغلب وسائل الاعلام عن طريق النسخ واللصق بأن العالم الهولاندي فرانك تنبأ بالزلزال .
كيف تم نشر هكذا خبر ومن وراءه لا أحد يعلم .
ولم تكلف أي وسيلة اعلامية نفسها بالكشف عن حقيقة الخبر والعودة الى ما كتبه فرانك .
وكان كلامه بالمختصر انه سيحدث زلزال في هذه المنطقة آجلا” أم عاجلا”، أي يمكن أن يحدث بعد يوم أو شهر أو سنة، وهذا الأمر يتوقعه معظم المختصين الدارسين للمنطقة في تركيا وسورية وكل الذين درسوا تكتونية المنطقة ونشاطها الزلزالي . وصدف أن حصل الزلزال بعد هذه التغريدة بأربعة أيام . ورأينا كيف انتقل الخبر .
اذن هناك جهات تصنع الخبر وتنشره بسرعة البرق من خلال أصحاب وهم المعرفة.
يقول العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ :” اعظم عدو للمعرفة ليس الجهل، وانما وهم المعرفة “.
فوهم المعرفة هو اعتقاد الانسان أنه يعرف أكثر من معرفته الحقيقية ويختلط عليه الأمر بين الاطلاع والفهم .
ويعد وهم المعرفة أخطر من الجهل , لأن الجهل يضر بصاحبه فقط ، بينما وهم المعرفة يضر صاحبه ومن هم حوله ومن يستمع اليه
لقد ساهمت الفضائيات وعصر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في انتشار هذه الظاهرة، لاعتقاد الناس أنهم يعرفون الكثير من العلوم وبمستوى يؤهلهم في الحديث عنها من خلال بعض المعلومات التي اكتسبوها من هنا وهناك، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.
أن ما أثير من تكهنات بحصول زلازل عنيفة في المنطقة كلها هو في اطار التنجيم والخزعبلات ووهم المعرفة وتسابق المواقع على نشر العناوين المثيرة والجاذبة للقراء بدون مضمون معرفي يذكر.
لأن ذلك بعيد كل البعد عن العلم وعن المعرفة الحقيقية بتكتونيك المنطقة وفوالقها النشطة ومنعكساتها الزلزالية ومعرفة مفاعيل ما بعد الزلازل وعن الرصد الحقيقي لما يحدث.
وأوجه في هذا الاطار بعض النصائح والتوصيات آمل الأخذ بها :
1- ضرورة اطلاع المهتمين على خريطة التكتونيك الحديث الرقمية لسورية وخرائطها المرفقة، التي وضعناها في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد عام 2005 ، ففيها الكثير من التوضيح عن الفوالق النشطة في سورية والبلدان المجاورة من تركيا شمالا” وحتى خليج العقبة جنوبا” وانعكاساتها الزلزالية .
والكثير من الذين كتبوا وتحدثوا خلال هذه الفترة لا يعلمون بوجود هذه الخريطة ومعطياتها الهامة جدا” ،وهذا يتضح من خلال أحاديثهم،وعدم التمييز مثلا” بين فالق اللاذقية وفالق الأمانوس في لواء اسكندرون وتفرعاته.
2- إن المنطقة زلزالية منذ آلاف السنين وهذا شيء معروف، ويجب الانتباه حاليا” الى الهزات الارتدادية ومراقبتها وتحديد مؤشراتها من حيث الشدة والمكان وتحذير الناس منها.وهذا أمر طبيعي قد يستمر أشهرا وحتى السنة حتى تستقر المنطقة بشكل كامل . ولا يعني انه اذا كانت شدة بعض هذه الهزات متوسطة او كبيرة أنه قد تم التنبؤ بها بل هي من الطبيعي أن تحدث.
ومن المفيد هنا الاشارة الى أنه بعد زلزال عام 1759 ، وهما زلزالان حدث الأول في 30 أكتوبر (تشرين أول) على فالق الانهدام شمال سهل الحولة وقدرت شدته 6،6 درجة، والثاني حصل بعد 25 يوم على فالق اليمونة في البقاع اللبناني وقدرت شدته 7.4 درجة الذي دمر بعلبك ومعظم المدن المحيطة من صفد في الجنوب الى طرابلس في الشمال ووصل تأثيره الى مدينة دمشق ،الذي دمر ثلثها ، وهنا استمرت هزاته الارتدادية سبعة أشهر ، كان معظم الناس خلالها يبقون في الشوارع خوفا” من هذه الهزات.
أي أن الأمر طبيعي أن تستمر هذه الهزات عدة أشهر وهي ستتركز بشكل رئيسي في وسط وجنوب وشرق تركيا ، ويمكن أن يصل تأثيرها الى المناطق الشمالية من سورية وفقا” لموقع الهزة وشدتها .
ويمكن ان يحصل بعض الهزات على فوالق الانهدام وفروعه التي تأثرت بزلزال تركيا والذي وصل تأثيره جنوبا” الى خليج العقبة وستكون ضعيفة الى متوسطة الشدة ولا خوف منها بإذن الله
3- يجب على وسائل الاعلام الرسمية أخذ المعلومات من مصادرها الأصلية والابتعاد عن المنجمين والدجالين وأصحاب وهم المعرفة.
4- ادعوا الناس الى عدم متابعة المواقع المأجورة او المدسوسة والصفحات الصفراء، التي لا تهتم بالمتابع بقدر اهتمامها بكيف تجذبه وترعبه.
5- تكثيف حملات التوعيه حول كيفية التصرف أثناء الحدث الزلزالي وما بعده.
6- دراسة وضع الأبنية في كل المدن السورية وخاصة أبنية السكن العشوائي وتقدير مدى تحملها لزلزال شدته سبع درجات وتدعيم أو ترميم ما يمكن ترميمه منها
7- أهمية الاستفادة من تجربة الزلزال الذي حصل وضرورة اشادة الأبنية المستقبلية بشكل مقاوم للزلازل وفق المعيار الزلزالي السوري، والتشديد في تطبيق ذلك. علما” أن التكلفة لا تزيد اكثر من 15 بالمئة من التكاليف الأساسية .
ويجب التعاون هنا بين المهندس المدني والمهندس الجيولوجي في دراسة ميكانيك الترب ومقاومتها ومدى قدرة تحمل هذه الترب للحمولات التي ستبنى عليها .
وهناك مقترحات آخرى عديدة لا مجال لذكرها الآن هذه العجالة
*باحث باحث أكاديمي وكاتب سياسي