بقلم د. محمد رقية* – الحوار نيوز
أنشر هذه الدراسة بسبب اللغط الكبير والمعلومات غير الدقيقة التى انتشرت بعد زلزال كهرمان مرعش في جنوب تركيا صباح ٦ شباط ٢٠٢٣
لقد جرت عدة دراسات للزلازل التاريخية في بلاد الشام خلال الألفي أو الثلاثة آلاف سنة الماضية وأظهرت هذه الدراسات تفاوتاً واضحاً في عدد الزلازل التي أصابت هذه المنطقة.
فقد ذكرت إحصاءات مرصد كسارة في لبنان إصابة البلاد /118/ زلزال منذ عام 590 قبل الميلاد وحتى عام 1900 م.
كما بين الدكتور مصطفى طاهر إصابة البلاد في /89/ زلزال ما بين عامي 528 و1760م
وقد بين الجيولوجي كرم حكيم والدكتور أنور إمام (1989 ) في دراسة موسعة حدوث /287/ زلزال ما بين عامي /1879/ قبل الميلاد و1900 ميلادي من بينها /19 زلزال/ قبل الميلاد كما تشمل أكثرمن عشرين زلزالاً ضخماً ، ومنها حوالي ثلاثين زلزالاً قريبة من منطقة دمشق أهمها زلازل عام 565م – 845 – 991 – 1202 – 1284 وعام 1759 وهو آخر زلزال كبير أصاب مدينة دمشق، وأحد عشر زلزالاً في حمص منها الزلازل التي حدثت في أعوام 532 – 1159 – 1202 – 1802 وتسعة زلازل في حماه منها : عام 1157 – 1407 – 1796م وحوالي ثلاثين زلزالاً في حلب منها زلازل أعوام 951 – 1139 – 1170 – 1404 -1822. وعشرة زلازل كبيرة في اللاذقية منها عام 1063 – 1237 – 1344 – 1796م. وفي أنطاكية أكثر من خمسين زلزالاً من بينها زلازل عام 37 – 242 – 342 – 528 – 859 – 1139 – 1872 وغيرها. بالإضافة إلى زلازل أخرى في طرطوس وجبلة وتدمر وبيروت والعقبة وغيرها. كما قام بعض الزملاء في هيئة الطاقة الذرية ببعض الدراسات التاريخية المشابهة. . يشير( عمرات 2008) إلى حدوث أكثر من 15 زلزال كبير مدمر ضرب القسم الجنوبي من الانهدام (العقبة- بحيرة طبريا) خلال الفترات ما بين 362 م و 1588م التي أصابت العديد من المدن الأردنية.
وفي كل الأحوال فإن الدراسات الزلزالية التاريخية التي تمت حتى الآن تعتبر غير كافية ولا تسمح بإعطاء نتائج دقيقة حول تاريخ هذه الزلازل وتكراريتها أو دوريتها وهو الشيء الذي تحدث فيه بعض الزملاء في أكثر من مناسبة. ويجب الحذر التام عند التعرض لهذه المسألة لأن الأمر يتعلق بعوامل عدة من بينها:
1- قرب مكان الحدث الزلزالي أو بعده عن مراكز المدن والأنشطة السكانية ويلعب ذلك دوراً مهماً في تدوين الحدث وتأريخه. فالزلزال الذي يحدث في منطقة نائية صحراوية أو جبلية مثلاً لن يأخذ حقه في التسجيل والوصف مثل ذلك الذي يحدث قريباً من المراكز السكانية حتى ولو كانت شدته أكبر.
2- أهمية ونوعية الحدث فالزلزال الكبير له نصيب أوفى في الدراسة والتسجيل من الهزات الصغيرة.
3- تاريخ الزلزال نفسه فكلما كان تاريخ الزلزال قديماً أو موغلاً في القدم نجد أن المعلومات المتوفرة حوله قليلة وقد تكون معدومة، في حين تصبح المعلومات وفيرة وأكثر دقة أو نظامية كلما اقتربنا من التاريخ الحديث.
4- المراجع التي يستخدمها الباحث في عملية البحث، فكلما كانت هذه المراجع كثيرة ومتنوعة ومأخوذة من مصادر موثوقة ومن مكتبات عدة في أكثر من دولة كان التوثيق أكثر شمولية وأقرب إلى الدقة.
وفي ضوء ذلك ومن خلال الإطلاع على الزلازل التاريخية المعروفة حتى الآن، حسبما يؤكد السيد حكيم ، نجد أن هناك وفرة في معلومات القرن الثاني عشر مثلاً بينما هناك نقص واضح في دراسة القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد وكذلك القرن الخامس والسابع والعاشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر.
هذا بالإضافة إلى أن المعلومات الزلزالية عن عصر ما قبل الميلاد قليلة جداً أو شبه معدومة. لذلك نرى ضرورة توسيع الدراسة التاريخية للزلازل من خلال الإطلاع على الوثائق التاريخية ليس في المكتبات السورية فقط وإنما في مكتبات القاهرة مثلاً أو الإسكندرية أو بيروت أو اسطنبول أو بغداد أو الرياض وغيرها من المكتبات العربية العامرة منذ القدم.
ولو قارنا المعلومات الزلزالية المتوفرة حتى الآن مع جيولوجيا المنطقة لوجدنا أن هناك توافقاً مع الحدود المعروفة للوحدات التكتونية الرئيسية المتحركة في سوريا وهي:
1- النطاق الإنهدامي الذي يبدأ من البحر الأحمر في الجنوب ويمر عبر خليج العقبة ثم يتجه شمالاً نحو البحر الميت وبحيرة طبريا والبقاع اللبناني ثم يتابع في الأراضي السورية عبر البقيعة والغاب ولواء إسكندورن حتى الأراضي التركية في الشمال وتصل حركته السنوية في سوريا إلى نصف سنتمتر ويتفرع عنه في منطقة بحيرة طبريا فوالق سرغايا وراشيا وحاصبيا وفالق دمشق وفوالق السلسلة التدمرية التي تصل إلى الفرات في بعض الأماكن.
2- نطاق الطي التدمري الذي يشكل فرعاً من النطاق الإنهدامي ويمثل فالق دمشق أحد فوالق هذا النطاق وهو نشط تكتونياً حتى الآن.
3- نطاق حدود الصفيحة العربية في الشمال مع الصفيحة الأوراسية أي حزام طوروس زاغروس الأوروجيني التصادمي والذي يقابل الحدود السورية الشمالية مع تركيا. وهو أخطر نطاق زلزالي .
وهذا شيء طبيعي لأن هذه النطاقات تعتبر من الأحزمة المتحركة وحركتها مستمرة حتى الآن ويمكن أن تؤدي إلى حدوث زلازل مستقبلية.
وضمن هذا الإطار فإننا نرى أنه لابد من اتخاذ عدد من الاجراءت الهامة والضرورية للتقليل من أخطار هذه الزلازل في حال وقوعها.
وأهمها الأبنية المقاومة للزلازل وفق الكود الزلزالي السوري لجميع المنشآت الحكومية والأبنية السكنية .
وهو الحل الوحيد لتخفيف الخسائر والدمار .
وقد طالبنا بهذا الأمر منذ عشرات السنين في كل الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت بهذا الخصوص
وطالبنا بعدم إعطاء اي ترخيص لأي بناء اذا لم يكن مدروس على الزلازل ولكن تطبيق ذلك كان قليلا”
والأبنية التي انهارت في حلب واللاذقية وجبلة كانت ضعيفة البنية في قدرة تحملها من جهة والوضع الجيولوجي ونوعية الطبقات الصخرية لمواقع انشائها من جهة أخرى ، التي يجب دراستها بعلمية وجدية مستقبلا”
*من كتابي الزلازل ومخاطرها في مناطق بلاد الشام مع الاضافات
*باحث أكاديمي وكاتب سياسي