لم يسبق لي أن رسبت، والحمد لله، في واحد من الامتحانات المدرسية والجامعية. وقد وصل بي النجاح إلى حدّ الجمع بين امتحانين جامعيين عائدين لاختصاصين مختلفين يتزامنان دون أن يؤثر ذلك التزامن في المسار المتعلق بخوض الامتحانات والمباريات. بيد أن الامتحان الذي خضته البارحة كان من أصعب الامتحانات وأرهبها على الإطلاق.
كنت أتابع، قبل عودتي من السفر، ما يحدث في بلدي من تحلل وتفكك وانهيار والمؤسسات نتيجة ما أوصلنا إليه أرباب الفساد الممسكون بزمام الأمور ومفاصل الحياة في نظام سياسيّ يتهاوى في الوقت الذي لا يرف فيه جفن لهؤلاء الأرباب الذين لم يبقوا شيئاً من مقدرات هذا البلد إلا وأتوا على أخضره ويابسه دون شفقة أو رحمة.
أما الامتحان العسير الذي خضته فيتمثل في اندفاعي وانخراطي في طابور السامعين إلى تعبئة خزانات وقود سيارتهم. امتثلت للإرادة الجماعية خائفاً من العواقب متهيباً. كان ذلك واحداً من الطوابير التي درج اللبنانيون على مشاهدتها على شاشات التلفاز، والتي وصفت بطوابير الذل. لم يكن ما عشته خلال ساعات أربع إذلالاً وحسب، وإنما كان أقرب إلى السحق منه إلى الإذلالَ. خزان وقود شارف على النفاذ، فوضى عارمة، تجاوز من هنا وتدافع من هناك… كل هذا وأنا أتمسك بالهدوء واصطنع الصبر طمعاً بالفوز في نهاية المطاف. وبعد أخذ ورد، ودفع وصد، واحتمال يفوق الحد، وبعدما شارفت على الوصول إلى نعمة الفوز بالوقود المعهود إذا بي أرى عدواً لبعض الشبان وهم يحملون “غالونات” من البلاستك الشفاف ليفوزوا بما تيسر لهم من تلك المادة الساحرة. وما إن مضِت لحظات يسيرة حتى أُعلن خبر النفاذ الذي وقع عليّ وقوع الصاعقة. أما النتيجة النهائية التي حصلت عليها فتتمثل في حصولي على صفر في الامتحان الذي خضته، والذي شكل أوّل رسوب لي في امتحان أخوضه.