الرد الإيراني آتٍ لا محالة
إنها العنجهية الأميركية مجدداً، تقصف بلداً عربياً وتوقع فيه العشرات من الشهداء والجرحى، لتتبنّى اليوم اغتيال كل من قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس وغيرهما على طريق بغداد. ولن يعوز إدارة ترامب الأسباب للقصف والاغتيال، فتاريخ الولايات المتحدة قديماً وحديثاً يبرز جبروت هذه الدولة التي يحق لها في كل الظروف شن الحروب وقتل الأبرياء وفرض العقوبات على أي بلد تشاء تحت مسميات الردع والعقوبات وتغيير نظام الحكم وما شاكل. لكنها اليوم اجتازت خطاً أحمر، باعتراف وعدم مباركة بعض القيادات الأميركية، طالما تجنبت اجتيازه في السنوات الأخيرة، ألا وهو ضربة نوعية لإيران في العاصمة العراقية وذلك باغتيال شخصية بحجم سليماني. ويمكن القول إن مثل هذا الحدث العظيم هو فعل يخالف في تكتيكه استراتيجية الرئيس الأميركي الساعي دائماً لحرب اقتصادية تجارية مالية دون التورّط في الحروب العسكرية كما فعل أسلافه من قبل، ولطالما انتقدهم عليها. وقد شهدنا صبر إدارته بعد تحطم هيبته مع إسقاط إيران للطائرة الأميركية التي تمثل تاج الصناعة الأميركية العسكرية، بالإضافة لتعرض حلفائه في الخليج العربي لأكثر من هجوم اتُّهمت فيها إيران وحلفاؤها بالوقوف وراءه.
كل ما حدث في الأيام الأخيرة، وخصوصاً صباح اليوم، يعني أن قواعد الاشتباك قد تبدّلت، فإن العنفوان الإيراني لن يسكت عن هذه التجاوزات التي طالتها وحلفاءها في المنطقة. ومن الباكر توقع طبيعة هذا الرد وزمانه ومكانه، فإما يكون إيرانياً خالصاً يتناسب مع الاغتيال، وإما يكون من خلال الحلفاء الذين يملكون القدرة على إيقاع الخسائر الباهظة في الجيش الأميركي المتواجد في المنطقة العربية. وقد يكون هذا الرد ضمن الأراضي العراقية، وقد كان للضربات الأميركية آثارها الإيجابية على التقاء الشعب العراقي واتحاده ضد العدو القديم الجديد. وقد كان لاقتحام السفارة الأميركية في بغداد دلالة واضحة وصريحة أن هذا الشعب العظيم لم يعد يقبل بالمجون الأميركي والسياسة الإمبريالية التي تسقط في بؤرتها كل المحارم.
لن يرضى كل من الشعبين العراقي والإيراني ومعهما شعوب المنطقة (وليست الحكومات بطبيعة الحال) التي ضاقت ذرعاً بالممارسات الأميركية الإجرامية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً و… والجدير بالذكر أن هذه الدولة العظمى لم تعد القوة الوحيدة المسيطرة على بقاع الأرض، مع بروز قوى أخرى كالصين وروسيا، ومع اشتداد محور لا يستهان به في عدة دول تقف سداً منيعاً في وجه أميركا وإسرائيل ومن يسير في ركابهما.
لا شك أن المنطقة تغلي، لأن ردة الفعل الإيرانية لن تتأخر كثيراً، خصوصاً وأن إدارة ترامب التي أقدمت على هذه الحماقة تعلم جيداً أن إيران ليست ضعيفة، كما أثبتت الشهور الأخيرة، وليست لوحدها، حيث إن لحلفائها قوة تجلت في أكثر من موقع في حروبهم ضد إسرائيل والإرهاب التكفيري.
الرد آت حتماً بانتظار ساعة الصفر، ونضوج الظروف المؤاتية كيلا يكون رداً انتقامياً لا أفق له، والمكان المناسب، حيث إن هناك ميادين عدة متاحة، والزمان المناسب، وهذا كما نرى لن يكون بعيداً.