الذهب الصيني الجديد: ثورة في الصناعة أم تهديد للاستقرار المالي؟(عماد عكوش)

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

في تطور لافت يُعد نقلة نوعية في صناعة المعادن الثمينة ، أعلنت الصين عن ابتكار جديد أطلق عليه “الذهب النقي الصلب”  . هذا الابتكار الجديد والذي حصلت على براءة اختراعه في أيار 2024 ، وبدأت تطبيقه الفعلي في أيار 2025 ، يمثل إعادة تعريف لطبيعة الذهب الذي عرفته البشرية لآلاف السنين ، حيث يجمع للمرة الأولى بين نقاء الذهب الخالص وصلابة السبائك المعدنية في مادة واحدة متجانسة ومستقرة.

هو تركيبة فريدة عبارة عن ذهب عيار 24 قيراط بنقاوة 99.9% حيث تم تعديل بنيته الذرية بإضافة كميات ضئيلة تتراوح بين 0.1% و1% من معادن نادرة مثل الإنديوم والزنك ، وتصل صلابته إلى 60  درجة على مقياس فيكرز ، أي ما يعادل أربعة أضعاف صلابة الذهب التقليدي عيار 24 قيراطاً.

يحافظ على اللمعان الأصفر العميق والمميز للذهب الخالص ، مع مقاومة عالية للخدش والتشوه ، مما يجعله مثالياً لصناعة المجوهرات ذات التصاميم المعقدة والدقيقة.

بالنسبة للفروقات ما بين الذهب التقليدي والذهب الصناعي، فالذهب التقليدي يتميز ببنية ذرية منتظمة تجعله شديد الليونة وسهل الانحناء ، بينما الذهب الصيني الجديد يتمتع ببنية ذرية معدلة تمنحه متانة ميكانيكية فائقة ، ويمكن إنتاج مصوغات أخف وزناً بنسبة تصل إلى 60%، وأقل سعراً بنسبة  10-20%  مقارنة بالذهب التقليدي ، ونضيف هنا الى ان الذهب الصيني الجديد موجه بشكل اساسي لسوق المجوهرات والاستهلاك وليس للاستثمار أو الاحتياطي.

بالنسبة للأثر على الاسعار فتشير التحليلات الاقتصادية إلى أن الذهب الصيني الجديد لن يتسبب في هبوط أسعار الذهب التقليدي في المدى المنظور لعدة اسباب منها :

-     ان هذا الابتكار موجه أساساً لسوق المجوهرات وليس للاستثمار أو الاحتياطي ، فهو لا يشكل بديلاً عن الذهب التقليدي في البورصات العالمية أو في خزائن البنوك المركزية.

-     يشكل هذا النوع الجديد حالياً ما بين 20% إلى 25% من مبيعات المجوهرات الذهبية في الصين، وقد يؤدي انتشاره إلى جذب فئات جديدة من المستهلكين خاصة الشباب، ما يوسع السوق الإجمالي بدلاً من تقليص الطلب على الذهب التقليدي.

-     لا تزال القيمة الاستثمارية لهذا الذهب المبتكر موضع تساؤل ، حيث يحتاج المنتج إلى كسب مزيد من ثقة المستثمرين والمؤسسات العالمية والبورصات الرئيسية ليعامل كبديل مساوٍ للذهب التقليدي، وهذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً.

كما تؤكد التقارير بأن هذا الابتكار لن يؤثر على اتجاه البنوك المركزية حول العالم لحيازة الذهب ، وذلك لعدة اسباب منها :

-     ان البنوك المركزية تشتري الذهب كأصل آمن وتحوط ضد التضخم وتقلبات العملات ، وليس لصناعة المجوهرات . والمعيار الأساسي لديها هو النقاء والكثافة ، وليس الصلابة أو قابليّة التشكيل.

-     على الرغم من هذا الابتكار ، يستمر البنك المركزي الصيني نفسه في زيادة احتياطياته من الذهب التقليدي ، حيث أضاف كميات جديدة ووصلت احتياطياته إلى مستوى قياسي ، ما يؤكد أن الابتكار يستهدف قطاع الصناعة والتجارة ، بينما تبقى الاحتياطيات الاستراتيجية قائمة على الذهب التقليدي.

ان حجم الانتاج العالمي للذهب اليوم يبلغ حوالي 3200 طن ، والصين هي اكبر منتج بحجم انتاج سنوي يبلغ حوالي 385 طنا ، ويُعد قطاع المجوهرات والمشغولات المحرك الرئيسي للطلب، حيث يمثل أكثر من 45% من إجمالي الاستهلاك العالمي سنويًا ، و 10 % يُستخدم في تصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات ومكونات أخرى عالية الدقة وموثوقية .

سجَّل الطلب العالمي على الذهب خلال عام 2024 أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث وصل إلى 4,974  طنًا ، محققًا نموًا طفيفًا مقارنة بعام 2023 ، وبذلك يظهر ان هناك عجزا واضحا ما بين العرض والطلب، ويقدر هذا العجز بحوالي 1774 طنا لن يعوضه الذهب الصناعي ، وهذا الامر يدفع الذهب الى مزيد من الارتفاع .

بالنسبة للسوق اللبنانية وفي حال دخول “الذهب الصافي الصلب” إلى السوق ، ستكون آثاره محسوسة على مستوى تجارة التجزئة للمجوهرات ، وليس على الاحتياطيات الاستراتيجية للدولة، نظراً لأن الكثير من اللبنانيين يقبلون على ذهب عيار 18 قيراطاً لكونه أقل تكلفة، ويتيح تشكيلات أكثر جمالاً ، لذلك فإن الذهب الصيني الجديد قد يكون خياراً جذاباً لهم لأنه يوفر مظهرا عيار 24 بقوة عيار 18 وبأسعار قد تكون أكثر تنافسية.

في النهاية يتماشى هذا التطور مع الرؤية الاقتصادية الصينية الأوسع ، فبصفتها أكبر مستهلك ومنتج للمجوهرات الذهبية في العالم ، فإن سعي الصين لإعادة تعريف المعدن الأصفر يمثل طموحاً تكنولوجياً ورسالة جيوسياسية في آنٍ واحد ، وهو تعبير عن الابتكار والاكتفاء الذاتي والريادة في صناعة السلع الفاخرة ، لكن يبقى الذهب التقليدي الأصل الأكثر أماناً في عالم متقلب تسوده الأزمات النقدية والجيوسياسية، بينما يفتح الذهب الصيني الجديد آفاقاً جديدة في صناعة المجوهرات وتوسيع قاعدة المستهلكين، في نموذج للتعايش بين التقليدية والابتكار في سوق المعدن الأصفر.