الدين العام الأمريكي والتضخم : 124% على الناتج المحلي (عماد عكوش)

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

وصل حجم الدين العام الأمريكي إلى 36.2 تريليون دولار ، وهي قيمة تقترب من أعلى مستوياتها التاريخية مقارنة بحجم الاقتصاد الأمريكي ، وبلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 124% في نهاية نهاية اب 2025 ، وهذا يعني أن دين الولايات المتحدة يتجاوز إجمالي قيمته الاقتصادية المنتجة في عام كامل.
رغم ان الكونغرس الاميركي رفع سقف الدين العام في اول تموز من العام الحالي الى 41.1 تريليون دولار ، وتم توقيع القانون من قبل الرئيس الأمريكي في 4 تموز من نفس العام الا ان مخاطر اقفال الحكومة ما زالت قائمة بسبب عدم اقرار الموازنات السنوية ومنها 12 قانون مطلوب لتشغيل الوكالات الفدرالية بعد 1 تشرين اول من هذا العام ، فالجمهوريون يطلبون خفض الانفاق في برامج الهجرة والرعاية ، بينما الديمقراطيون يريدون الحفاظ عليه لا بل زيادته .
لقد شهدت نسبة الدين العام الى الناتج القومي ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية ، حيث قفزت من حوالي 100% قبل الجائحة إلى فوق 120% خلال العام 2025 وتعود أسباب هذه القفزة إلى :
• الإنفاق الضخم أثناء الجائحة: قامت الحكومة الأمريكية بضخ تريليونات الدولارات لتحفيز الاقتصاد وتقديم إعانات البطالة والدعم الصحي .
• التخفيضات الضريبية المتتالية: ساهمت سياسات التخفيض الضريبي، خاصة في عهد الرئيس ترامب، في تقليل الإيرادات الحكومية وزيادة العجز .
• الاستمرار في تسجيل عجز الموازنة: يستمر الإنفاق الحكومي في تجاوز الإيرادات، حيث سجل عجز الموازنة لعام 2024 ما قيمته 1.83 تريليون دولار، أي ما يعادل 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي .
غالبا” ما تلجأ الدول المدينة بالدولار الاميريكي الى اجراءات كفيلة بخفض مفاعيل هذا الدين ، من هذه الاجراءات :
• تلجأ بعض الدول التي تعجز عن السداد إلى إعادة هيكلة ديونها، أي التفاوض مع الدائنين مثل حكومات أخرى أو صناديق دولية أو بنوك تجارية لتعديل شروط الدين ، وقد يشمل ذلك تمديد فترة السداد، أو خفض مبلغ الدين الأصلي، أو تخفيض أسعار الفائدة.
• بدأت بعض الدول المثقلة بالديون ، مثل كينيا وسريلانكا وبنما ، في التحول للاقتراض بعملات غير الدولار، مثل اليوان الصيني أو الفرنك السويسري . السبب المباشر هو أن أسعار الفائدة على هذه العملات أصبحت أرخص بكثير من أسعار الفائدة المرتفعة التي يحددها الاحتياطي الفيدرالي . وهذا يساعدها على خفض تكلفة خدمة الدين في المدى القصير.
• قد تتفق الدولة المدينة مع الدائن على مقايضة الدين ، حيث يتم استبدال الدين بملكية في أصول قومية ، مثل البنية التحتية أو الموارد الطبيعية. نادرًا ما يحدث تنازل كامل عن الديون إلا في إطار اتفاقيات سياسية خاصة.
• الحل الاقتصادي الأساسي هو العمل على زيادة الصادرات لكسب العملات الأجنبية، وخاصة الدولار، ما يوفر السيولة اللازمة لخدمة الدين. كما أن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يساعد في تدفق الدولار إلى الاقتصاد المحلي.
اما الولايات المتحدة الاميركية فأضافة الى بعض الاجراءات السابقة التي يمكن اعتمادها فإن الولايات المتحدة قد تلجأ الى ادوات اخرى منها :
• التضخم كأداة غير مباشرة حيث يؤدي ارتفاع التضخم إلى انخفاض القوة الشرائية للدولار . وبما أن الدين القومي مُقَوم بالدولار، فإن الحكومة الأمريكية تسدد ديونها المستقبلية بدولارات أقل قيمة حقيقية من تلك التي اقترضتها . هذا الأثر يظهر على المدى الطويل وبشكل غير مباشر.
• تمتلك الولايات المتحدة، من خلال نظام الاحتياطي الفيدرالي ، قدرة فريدة على خلق النقود الدولية بكميات كبيرة . في الأزمات ، مثل أزمة كورونا، قام الفيدرالي بضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد . إذا لم يقابل هذا الإنشاء النقدي نمو اقتصادي مماثل، فإنه يساهم في ارتفاع التضخم، مما يخفض القيمة الحقيقية للديون القائمة.
• بسبب الثقة العالمية بالاقتصاد الأمريكي ، ما تزال سندات الخزانة الأمريكية تعتبر ملاذًا آمنًا للمستثمرين حول العالم . هذا الطلب العالمي الهائل يمكن الولايات المتحدة من الاستمرار في الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة نسبيًا مقارنة بغيرها من الدول ، حتى مع ارتفاع مستوى الدين بشكل قياسي . وهذا يخفف من العبء الفوري لخدمة الدين،
ما دامت الفروقات السلبية موجودة ما بين النمو في الناتج القومي للولايات المتحدة والزيادة في الناتج القومي ، وقد بلغت في نهاية العام 2024 حوالي 3.6 % ، حيث بلغت نسبة النمو في الناتج حوالي 2.8 بالمئة بينما ارتفع العجز في الموازنة نسبة الى الناتج القومي الى 6.4 بالمئة ، ما دامت هذه الفروقات السلبية موجودة فأنه من المؤكد استمرار نسب التضخم في الاقتصاد الأمريكي في الارتفاع وهذا الامر يخفف الضغط على الدولار الأمريكي من جهة ، ويخفض القيمة الحقيقية للدين العام .
ان التضخم يؤدي الى ارتفاع واردات الخزينة الاميركية الاسمية نتيجة ارتفاع الاسعار وبالتالي هذا الامر يساهم في تعزيز امكانيات الولايات المتحدة من دفع ديونها والفوائد المترتبة على هذه الديون . لذلك يصبح الامر محتوم مع ارتفاع الدين العام سترتفع معلات التضخم كوسيلة اساسية لزيادة واردات الخزينة ، وكوسيلة في خفض القيمة الحقيقية للدين العام .
ان تأكيد ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة وبشكل دائم سينعكس حتما على عدة امور ، منها اسعار السلع والمعادن ولا سيما اسعار الذهب والفضة ، كذلك اسعار الاسهم وخاصة مؤشرات الاسهم الاساسية ومنها اس اند بي 500 ، نازداك 100 ، وبقية المؤشرات .



