الدولة المدنية بين الآليات والإرادات
طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري في الفترة الأخيرة مشروع الدولة المدنية كحل لمشاكل لبنان وأزماته المتعددة في مختلف المجالات.وقد ترك هذا الاقتراح كثيرا من الأسئلة الحائرة حول هذه الدولة التي نادت وتنادي بها شرائح سياسية واجتماعية عدة، للخروج من النظام السياسي الطائفي الذي يثقل كاهل لبنان منذ الاستقلال.فما هي هذه الدولة ،وكيف يمكن تحقيقها في بلد تحكمه وتتحكم به الحصص الطائفية؟
باختصار شديد يمكن القول إن الدولة المدنية في لبنان هي "عدم ممارسة الدولة ومؤسساتها أي تمييز بين المواطنين بسبب الاختلاف في الدين أو الجنس أو الخلفية الاجتماعية والجغرافية "،وهذا يعني في لبنان ممارسة السلطة خارج القيد الطائفي ،ويمكن تحقيق ذلك بتطبيق الدستور اللبناني مشفوعا ببعض التعديلات الطفيفة .فالدستور اللبناني في مضمونه الفعلي والمستمدة مواده من وثيقة الوفاق الوطني في الطائف ،هو دستور مدني ، وما يوحي بغير ذلك هو مجرد مواد مؤقتة تستدعي العمل على تطبيقها للخروج نهائيا من الدولة الطائفية الى الدولة المدنية .
كيف يمكن الوصول الى هذه الدولة وما هي الآليات؟
أولا: تطبيق المادة 95 من الدستور اللبناني التي تلزم "مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية… مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء …"
ثانيا: اعداد قانون انتخاب نسبي يعتمد لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي.
ثالثا: اعتماد قانون اختياري للأحوال الشخصية يتيح الزواج المدني لمن يرغب ،من دون الغاء الزواج الروحي لمن يرغب.
يتضح مما تقدم أن آليات الدولة المدنية متوفرة في مضمون الدستور اللبناني ،لكن ثمة صراع بين الآليات والإرادات،وهو ما يعرقل الوصول الى هذه الدولة ،بحجة أن الطوائف هي مصدر غنى في لبنان .وفي هذا المجال ثمة خلط بين الطوائف والطائفية ،اذ ليس المطلوب الغاء الطوائف بل الغاء الطائفية في السياسة للوصول الى دولة المواطنة والخروج من دولة الطوائف.
باختصار شديد،واذا سلمنا بأن الدولة المدنية هي الحل،فإنه لا يمكن تحقيقها بين عشية وضحاها ،لكن ثمة مكان وزمان يجب البدء منه،رحمة باولادنا وأحفادنا الذين يحلمون بوطن نظيف لا ينخره الفساد والتعصب والمحسوبية .