رأي

“الخيار السيادي” في الذات المعطوبة(أكرم بزي)

 

كتب أكرم بزي – الحوار نيوز

 

لم أك أريد في هذا الوقت بالذات أن أكتب عما يجري في الداخل اللبناني، وعن الشعور بالمرارة لدى معظم الوطنيين اللبنانيين، الذين يناصرون ويدعمون خيارات المقاومة ضد العدو الصهيوني الذي يرتكب حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني محاولاً تصفيته القضية الفلسطينية وما سينتج عنها فيما لو استتب الأمر للعدو الصهيوني.

ولا بد لي من الإشارة إلى أن الإنقسام اللبناني أمام الخيارات القومية والعربية والهوية اللبنانية ليس بجديد، بل عمره عمر تأسيس “دولة لبنان الكبير”، وما تبعه من “خلافات طائفية” سرعان ما ظهرت بعدما تبين أن “القسمة” كانت مرسومة بطريقة تجعل كل “امتيازات السيطرة والتحكم تذهب لفئة دون أخرى”، وفي هذا الصدد أعيد ما كتبه الكاتب عبد الرؤوف سنو*: “تمسّك المسلمون بعروبتهم، ورأوا أنفسهم في مشروع وحدويّ عربيّ، لا في الانعزال عن محيطهم. وفي المقابل، انشدّ مسيحيّون، غالبيتهم موارنة، إلى دولة مستقلّة لها خصوصيّتها عن محيطها، وتقوم على تعدّديّة ثقافيّة لطوائف البلاد. وبالدستور والصيغة اللذين لحظا تقاسم السلطة والمناصب على أساس النسبيّة الطائفيّة، تضافرت الهويّة والنظام الطائفيّ لتخريب التعايش بين اللبنانيّين، ما أفشل الدولة في قدرتها على الإمساك بشعبها…”. “وفيما كان المسيحيّون يتحضّرون منذ عهد المتصرّفيّة للعيش في كيان مستقلّ منفصل عن محيطهم العربيّ-الإسلاميّ ومتأثّر بالغرب، مرت مواقف المسلمين بثلاث مراحل نختصرها على الشكل التالي:

1-    مرحلة تأسيس لبنان الكبير والانتداب الفرنسيّ عليه. جرى فيها سلخ مسلمي “بلاد الشام”، وضمّهم قسراً إلى لبنان الكبير.

2 – انخراط المسلمين في مشروع الدولة اللبنانيّة بعد “الميثاق الوطنيّ” في العام 1943، وشعورهم بالغبن والحرمان، نتيجة استئثار المسيحيّين بالحكم والسلطة، وخصوصاً الموارنة.

3 – السعي لإطاحة الامتيازات المارونيّة بالتزامن مع تجسيد عروبتهم بدعم “المقاومة الفلسطينيّة” في لبنان والاستقواء بها، تزامناً مع تغيّر الديموغرافيا لمصلحتهم، فدخل لبنان نتيجة ذلك في حرب دمويّة بين العامين 1975 و1990، كانت أسبابها الخارجيّة أكثر عمقاً من خلافات اللبنانيّين على هويّة بلدهم”.

ما يهمنا من كلّ هذه السردية أنَّ هناك جماعة “لبنانية” تدّعي أنها لبنانية أكثر من غيرها، وهم “أصحاب البلد”، (والمصطلحات الجديدة الذي أتحفونا به في هذه المرحلة، على سبيل المثال: “ما بيشبهونا” و “أعداؤنا من 1400 سنة” و”ينألعوا يروحوا يعمروا هني”).

مع العلم أن المؤرخ صقر أبو فخر كتب وقال أن معظم العائلات المسيحية المارونية اللبنانية تندرج من أصول سورية – سريانية (حورانية وحلبية وحمصية وشامية، مع العلم أن القديس مار مارون عاش وتنسك ودفن في منطقة في سوريا تُعرف بـ براد، القرية السوريّة الأثريّة ومهد الطائفة المارونيّة، في النصوص اليونانيّة باسم «كفرو برادا»، أمّا باللغة السريانيّة، فتعني «البَرْد أو البَرَد» موقع “آسي مينا” للكاتبة مادونا ليون عيواز).

هؤلاء “المتعصبون” لا ينظرون إلى الواقع اللبناني الذي يعيش ضمن منطقة ملتهبة، بالقرب من “كيان صهيوني” فُرض بالقوة واحتل أراض عربية ومعادٍ لما هو عربي وإسلامي، ولا يلتفتون فعلياً إلى القيام بمصالحة أو إعادة النظر بشكل صحيح وفعلي باتفاق الطائف وتعديل ما يجب تعديله لحفظ حقوق الجميع فيه، بل ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض على “شركائهم” في هذا الوطن، لإعادة البوصلة إلى الوراء. ولا مانع لديهم من المحاولة ثانية للقيام بحرب أهلية، والتعامل ثانية مع العدو الصهيوني.

بعد “7 أكتوبر وطوفان الأقصى”، وما جرى بعده من حرب إبادة لا زال يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين المحتلة، ودخول المقاومة اللبنانية بمساندة الشعب الفلسطيني المظلوم من خلال جبهة لبنان الجنوبية (شمال فلسطين المحتلة)، ظن البعض أن الفرصة قد حانت لاستعادة الحلم الذي كان وما زال يراودهم، (قبل اتفاق الطائف وبعده، كاستعادة الامتيازات والسيطرة الكاملة على كل قطاعات البلد، ولا يهمهم إن كان عبر “الدبابة الإسرائيلية عام 1982” أو “الاميركية 1958” – عملية “الخفاش الأزرق”)، في حال هُزم لبنان.

بل لا مانع لديهم من إعادة الكرة و”التعامل مع الشيطان أو إسرائيل”، كما عبر عن ذلك أمين أبي سلوم  المحقق العسكري للمجلس الحربي الكتائبي بين العام 1976-1982، في مقابلة على موقع “ليبانون أون” (Lebanon on)، نقلاً عن لسان الرئيس الراحل بشير الجميل، وأيضا أعاده شقيقه الرئيس أمين الجميل عندما اعترف للزميل أحمد منصور في قناة الجزيرة باستلامه هدية من أرييل شارون (وزير الدفاع الصهيوني) بندقية “عوزي إسرائيلية الصنع” (موجود على يوتيوب).

الحملة الشعواء التي تشنها بعض الفئات اللبنانية، ووسائل إعلامها المأجورة والمعروفة الانتماء، بالإضافة إلى بعض الأحزاب (المشهود بتاريخها الغير مشرف بالعمالة للكيان الصهيوني)، وبالغدر والطعن بالظهر، ولا يمكن إلا التعريف بمن يقوم بها او الإشارة إليها، بأنها لا تحفظ  العشرة ولا الجيرة ولا المصاهرة ولا الصداقة ولا العيش ضمن القرية الواحدة ولا المواطنية ولا… الخ.

واقع الأمر أن لبنان في حالة حرب، والعدو الصهيوني يقصف مناطق لبنانية ولا يميز بين شخص وآخرولا بين طفل او إمرأة ولا صحفي ولا طبيب أو ممرض، ولا مستوصف او مراكز صحية ولا مدارس او مساجد او كنائس، وهناك من يعمل علناً ومن خلف الكواليس مع السفارات أو بدافع الحقد أو عقدة نقص أو عقدة تفوق، ليشكّل جبهة إسناد لبنانية للعدو الصهيوني، من خلال تصريحاته أو بياناته أو المنطق المقرف الذي يتفوهون به بكل الاتجاهات، تارة لا يريد إيواء النازحين، وتارة أخرى لا يريدون تأجير بيوتهم لمن أراد الإيواء إلى مكان آمن أو…

نحن بحاجة للوحدة الوطنية وتوحيد الموقف ولو بشكل آني وتأجيل الخلافات السياسية لما بعد انتهاء الحرب، لأن الخسارة ستكون على الجميع، وأولها إذا ما تمكنت “إسرائيل” من تهجير ما تبقى من الفلسطينيين من عرب الـ 1948 إلى لبنان، أو على الأقل توطين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، إضافة إلى النازحين السوريين، والجميع يعلم أن الاتحاد الأوروبي يضغط على الجهات الرسمية في لبنان لتوطين النازحين فيه، ولا يترددون في الإعلان عن هذا الأمر. هذا إذا ما تم تذويب لبنان ضمن الخرائط الجديدة فيما يعد للمنطقة.

أما آن لهذه الفئة أن ترعوي، وتعرف ما الذي يحاك للمنطقة بالكامل أو على الأقل إلى لبنان، أم أنهم يستمعون إلى كلام السفارات الغربية وغيرها، “ممن يتبسمون في الوجه ويطعنون في الظهر”.

الخيانة: “وفقًا لما ذكره إيليا بريتسيل، «أدّى استغراقهم التاريخي في حسّ «الذات المعطوبة» إلى توليد مشاعر الكراهية». (ويكبيديا –  الخيانة).

———————-

* عبد الرؤوف سنّو، “الدستور العثمانيّ 1908 والرأي العام في مدينة بيروت وجبل لبنان”. لبنان بين الدستورين 1879-1908، دار سائر المشرق، صحيفة الأخبار اللبنانية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى