الخداع الأميركي وظلم ذوي القربى!(أكرم بزّي)
كتب أكرم بزّي – الحوار نيوز
ألم يأنٍ للعرب أن يتوقفوا عن ممارسة الخداع على أنفسهم وعلى شعوبهم، أم أنهم متواطؤون مع الأميركيين ومنغمسون حتى النخاع بهذه اللعبة القذرة؟
ألم يحن الوقت للاعتراف بأن الأميركيين هم الطرف الأساس في ما يجري من حرب إبادة يتعرض لها الشعب الفلسطيني والعربي في منطقتنا؟
أذكر في بداية الحرب الأوكرانية – الروسية، حاولت كل من تركيا و”إسرائيل” ومجموعة أخرى من الدول، لعب دور “الوسيط” بين روسيا وأوكرانيا لإيقاف الحرب بينهما والوصول إلى تسوية، وهم يعلمون تماما أنهم غير قادرين على لعب هذا الدور. أعلنوا ذلك فقط كي لا يقفوا مع طرف ضد الآخر و”كي لا يُحرَجوا”، لذلك رأينا أن الطرف “الإسرائيلي” الصهيوني بعد مرور الوقت وقف وأيد أوكرانيا علناً لأسباب ليست مجهولة، ولكن لا داع للخوض بها، وكانت للرئيس فلاديمير بوتين مجموعة مواقف من الكيان الصهيوني رداً على المواقف “الإسرائيلية”، ففي 11/10/2023 (منتدى أسبوع الطاقة الروسي بالعاصمة الروسية موسكو )،حيث قال: إن “جزءا من الأراضي التي اعتبرها الفلسطينيون دائما أرضا فلسطينية أصلية، استولت عليها إسرائيل في أوقات مختلفة وبطرق متنوعة، ولكن في الغالب، بالطبع، بمساعدة القوة العسكرية”.
كما اتهم الرئيس الروسي، الولايات المتحدة بتأجيج الوضع في الشرق الأوسط بإرسال حاملة طائرات إلى المنطقة، وقال إنه يتعين التوصل إلى “حلول وسط”. وأيضاً خلال لقائه مع مديري وكالات أنباء عالمية كبرى في بطرسبورغ على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي، قال: “ما يحدث الآن في غزة وما أعقبه من رد إسرائيلي على هجوم حماسماا يزال غير مشابه تماما للحرب، وهذا نوع من الدمار الكامل للسكان المدنيين، ويشبه الإبادة الجماعية لأهالي غزة”، وكان صريحاً وواضحاً.
المضحك المبكي، في هذا الأمر أن دولاً عربية وقفت موقفاً غير مشرف على الإطلاق (كشاهد ما شفش حاجة أو شافها وتغاضى عنها)، ودول أخرى أرادت أن تلعب دور الوسيط، وهي دول مؤثرة وفاعلة في المشهد السياسي (ساعة تشاء)، إلا أنها اختارت دور الوسيط بين حركة مقاومة عربية والكيان الصهيوني! وهي شاهدة على كل ما يجري من مفاوضات وبالتفاصيل، إن كان من حيث ابتكار المصطلحات أو التعديل عليها أو المشاركة بكتابة النصوص وتعديلها. وبما أن الوسطاء يعلمون تماماُ كافة تفاصيل المفاوضات والتي بدأت منذ 10 أشهر وما زالت مستمرة، أليس بوسعهم فضح ما يجري من خداع “أميركي – إسرائيلي”، على المقاومة الفلسطينية والوقوف موقف الوسيط النزيه (على الأقل) ، أم أنهم سيُحرجون أيضاً (إن لم نقل سيفقدون وظائفهم).
واقع الأمر، أن ما يجري وبكل صراحة وبعد كل هذه المفاوضات التي شارك فيها جهابذة الإدارة الأميركية من أنطوني بلينكن (وزير الخارجية) وبرت ماكغورك (مستشار الأمن القومي) ووليام بيرنز رئيس المخابرات الأميركية، هو عملية خداع وتضليل للقضاء على القضية الفلسطينية بشكل كامل وضرب حركات المقاومة في المنطقة، وبالأخص ضرب العصب الرئيسي لمحور المقاومة، أي إيران، ولا يمكن لأي عاقل أن يقتنع بأن ما يجري هو عدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية العظمى الضغط على بنيامين نتنياهو وإقناعه بوقف المذبحة والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
من الجدير ذكره، أن محور المقاومة أخّر عملية الرد على جرائم “إسرائيل” التي لم تنته به، لافساح المجال للمفاوضين علّها تسفر عن وقف ما لعمليات الذبح، وكي لا يتهم “المحور” بإفشال المفاوضات وبالتالي يتحمل مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع من عملية تفجير للمنطقة.
المقاومة أدت ما توجب عليها في المفاوضات، والمقترح الأميركي الأخير هو بمثابة ورقة استسلام للمقاومة الفلسطينية، وهذا ما لا ترضى به بعد كل هذه المجازر، ومحور المقاومة له دينٌ ثمينٌ على اميركا و”اسرائيل” ولا بد من استرداده، بعد أن استنفذت معظم وسائل التهدئة، والعدة باتت جاهزة للرد والذي لن يكون كما قبله وله ما بعده.
المشهد لغاية الآن سوداوي ويبدو أنه لا أفق واضحا لغاية الآن. فالمعطيات الواردة من المقاومة الفلسطينية وما نسمعه من الإعلام العربي والغربي، ووجود البوارج والمدمرات وحاملات الطائرات والغواصات النووية، واستعدادات محور المقاومة، باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تنطلق للرد على جرائم العدو الصهيوني، التي ارتكبها في كل من الحديدة والعراق وبيروت وطهران، بالإضافة إلى عمليات الإبادة في قطاع غزة على مرأى ومسمع الشعوب والأنظمة العربية التي لم تحرك ساكناً، والمؤشرات لا تبشر إلا بالتصعيد المرتقب خلال أيام.
ولا يسعنا إلا أن نقول كما قال الشاعر طرفة بن العبد :
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة ً …. على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد
والله المستعان!