العالم العربيسياسة

هل تسقط اعادة الانتخابات حكم نتنياهو ؟


بعد شهر ونصف من إجراء الانتخابات العامة ،وبعد شهر واحد فقط من تأدية أعضاء الكنيست اليمين القانونية لبدء مهام عملهم التشريعي، قررت الكنيست في سابقة هامة حل نفسها بعد أن وصلت أزمة تشكيل الحكومة إلى طريق مسدود. وقد أيد القرار 74 نائبا فيما اعترض عليه 45 نائبا أغلبهم من المعارضة. وتركزت الأنظار على وجه الخصوص إلى زعيمي اليمين المتطرفين، بنيامين نتنياهو وحليفه اللدود أفيغدور ليبرمان اللذين انتقلا عبر السنوات من دائرة التحالف إلى دائرة العداء. ويذهب بعض كبار المعلقين في الكيان إلى أن ليبرمان، الذي أوصل نتنياهو إلى سدة الزعامة، هو أفضل من يقود إلى سقوطه.
غير أن أزمة الائتلاف الحكومي، التي أظهرت مقدار عجز نتنياهو عن تمرير القرارات التي يريد، بينت أن ليبرمان لا يتحرك وفق رغبات نتنياهو. وهذا أظهر أن الكثير من اعتماد الأمريكيين على نتنياهو قد يكون نوعا من المقامرة السياسية الكبيرة. كما أن نجاح نتنياهو في تحقيق الأغلبية لليمين في الانتخابات السابقة لا يضمن تكرار هذا النجاح في الانتخابات المقبلة التي تقررت في منتصف أيلول المقبل. ولا ريب في أن السرعة التي انتهت فيها الانتخابات السابقة تشبه السرعة التي سقطت فيها مساعي نتنياهو لتشكيل ائتلافه الحكومي بعد انقضاء مهلتين قانونيتين.
ويكثر المعلقون من الإشارة إلى أن الخلافات بين ليبرمان ونتنياهو تمزج ما بين الذاتي والموضوعي. فالرجلان اخترقا الصفوف في تسعينيات القرن الماضي حينما وصلا إلى ديوان رئاسة الحكومة: نتنياهو رئيسا للحكومة وليبرمان مديرا لديوان رئاسة الحكومة. وعمل ليبرمان الذي كان يسمى "أيفيت الرهيب" بطريقة المافيا لضمان سيطرة نتنياهو على كل أدوات الحكم. ولكن مثل كثيرين ممن عملوا مع نتنياهو الذي يتسم بذاتية عالية، انقلب ليبرمان عليه وشكل حزب "إسرائيل بيتنا" الذي أفلح في أن يلعب أدوارا هامة منذ ذلك الحين وحتى الآن. وطوال هذه الفترة كان ليبرمان يحشد قوته آملا العودة لليكود ومنافسة نتنياهو أو خليفته على زعامة هذه الحركة وعلى زعامة اليمين. وكلما اقترب من تحقيق هذه الغاية ازداد عداء لنتنياهو، وكان يعبر عن ذلك بابتزاز نتنياهو وحصوله على أعلى المناصب وخصوصا وزارتي الخارجية والدفاع. 
وشكلت المفاوضات الائتلافية حلبة مبارزة شديدة بين نتنياهو وليبرمان. وما هو معلوم نال ليبرمان في هذه المفاوضات كل مطالبه الوزارية والخدماتية ولكنه أصر على مواقف فكرية وسياسية أراد أن يظهر فيها تميزه عن الليكود. وتمثلت نقاط الخلاف أساسا في "قانون التجنيد"، الذي تصر الأحزاب الدينية على رفضه أو تعديله بحيث لا يشمل طلاب المدارس الدينية، والموقف من قطاع غزة. وكان يمكن لنتنياهو تقبل هذا الخلاف مع ليبرمان لولا إصرار كل من الحريديم وليبرمان على عدم التنازل في هذه النقطة. وأعلن ليبرمان أنه لن يقبل أن يكون شريكا في حكومة تريد فرض الشريعة اليهودية.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن ليبرمان استقوى بشكل فظ على نتنياهو بعد أن أدرك أن كل ما يهم هذا الرجل هو البقاء في الحكم ونيل الحصانة عبر قانون يحظر محاكمة رئيس حكومة أثناء ولايته. ومعروف أن نتنياهو عمل على مقايضة قانون الحصانة بقانون "الغلبة" الذي يقيد المحكمة العليا بقوانين الكنيست ويلغي دورها كحامية للدستور غير المبلور وللديمقراطية. وقانون الغلبة هو أحد أهم مطالب الأحزاب الدينية واليمين القومي المتطرف الذي يرفض مبدأ المساواة مع المواطنين العرب. كما أبدى نتنياهو استعداده للتنازل للحريديم بشأن قانون التجنيد خلافا لمواقف كل من الجيش ومنظمات حقوق الإنسان.
في كل حال من الجلي أن إدارة الخلاف بين ليبرمان ونتنياهو، وبالتالي بين اللليكود و"إسرائيل بيتنا" جرت في أجواء متوترة هي استكمال لما قاد في الكنيست السابقة إلى تقديم موعد الانتخابات. وواضح أن كل القوى خارج معسكر اليمين كانت بعيدة، بقدر ما، عن دائرة النقاشات. وفقط أثناء السجالات بين كل من "إسرائيل بيتنا" والليكود والحريديم جرت محاولة للالتفاف على موقف ليبرمان عبر محاولة إغراء حزب العمل بالانضمام إلى الحكومة.
كما جرت محاولات للعب بأعصاب ليبرمان عبر الاتفاق مع حزب "كلنا" بزعامة وزير المالية موشي كحلون على خوض الانتخابات المقبلة ضمن قائمة الليكود. وترافق ذلك مع الإيحاء باستعداد نتنياهو لترؤس حكومة تعتمد على 60 نائبا فقط والقبول ببقاء "إسرائيل بيتنا" خارجها. وقد أشارت وسائل إعلامية صهيونية إلى أن الليكود حاول إدخال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اللعبة فنشر أكثر من تغريدة تأييد لنتنياهو في محاولة تشكيل حكومته الجديدة. إلا أن كل هذه الألاعيب لم تلطف من إصرار ليبرمان الذي، كما يبدو، قامر بكل رصيده.
وتشير استطلاعات الرأي التي نشرت في الكيان إلى أن الجمهور الصهيوني تفهم موقف ليبرمان ولكنه لم يغضب على نتنياهو. وهكذا فإن استطلاع "معاريف" أظهر حفاظ الليكود على قوته، بعد انضمام "كلنا"، فيما زادت قوة "إسرائيل بيتنا" على حساب حزب العمل. ومع ذلك ليس في استطلاعات الرأي ما يضمن أن يحدث ذلك فعليا في الانتخابات المقبلة خصوصا وأن حملات إعلامية موسعة من جانب أحزاب معارضة وهيئات مجتمعية ترى أن اعادة الانتخابات بتكلفة تصل إلى 850 مليون دولار هي تعبير عن لا مسؤولية نتنياهو وليبرمان تجاه المال العام. وهؤلاء يعتقدون أن الناخب سوف يجبي ثمنا من الليكود و"إسرائيل بيتنا" في الانتخابات المقبلة.
وأيا يكن الأمر لا يستبعد مراقبون أن تكرر الانتخابات العامة الصهيونية نتائج الانتخابات السابقة والتي تعني بقاء هيمنة اليمين على الحياة السياسية. ولكن هذا التكرار يفتح الباب أمام نوع من المراجعات التي لم تجر بعد لسنوات حكم نتنياهو والتي ازدادت فيها بشكل كبير الفوارق الاجتماعية الاقتصادية وتعاظمت الكراهية بين شرائح المجتمع الصهيوني. وفوق هذا وذاك هناك الجمود الذي أصاب العملية السياسية مع الفلسطينيين ونوايا الضم البادية في سلوك نتنياهو الرافض لحل الدولتين. لذلك يعتقد البعض أن ما جرى في الكيان من خلاف وإعادة انتخابات يؤثر كثيرا على أجندة الإدارة الأمريكية التي كانت أجلت الإعلان عن صفقة القرن إلى ما بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة.
على أن المشكلة في الكيان ليست مصير صفقة القرن وإنما ما سوف يحدث من الآن فصاعدا داخل الحلبة اليمينية من شجار داخلي ومدى قدرة أحزاب المعارضة الصهيونية والعربية على استغلال ذلك. ويبدو أن حزب "أزرق أبيض" يعد نفسه لمعركة مكررة ضد الليكود في ظل احتمالات تلاشي حزب العمل. ويعرض حزب العمل حاليا نفسه على كل من "أزرق أبيض" وميرتس للتحالف والاتحاد في المعركة الانتخابية المقبلة. كما أن الأحزاب العربية التي اختبرت قوتها في الانتخابات السابقة بقائمتين ربما تضطر هذه المرة إلى العودة إلى القائمة الواحدة لتشجيع الناخب العربي على المساهمة في اسقاط اليمين.
لقد لخصت "هارتس" في افتتاحيتها ما جرى بين ليبرمان ونتنياهو بشأن الائتلاف الحكومي بأنها "مسرحية رعب" وصلت إلى ذروتها بإعلان حل الكنيست. وقالت أن ما جرى هو " نتيجة حتمية لحكم كريه طويل السنين لليمين والذي يجب أن يصل الى نهاية طريقه". وقالت أن حكم اليمين لا يبدي مسؤولية تجاه الجمهور و"يضع المصلحة الشخصية الضيقة قبل مصلحة الدولة" ولذلك أوحت بضرورة معاقبة هذا اليمين. ولكن ليس مضمونا أن هذه الدعوة تسقط على آذان مصغية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى