إقتصاددراسة

الحوكمة الاقتصادية المستدامة حلم مستحيل المنال (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

الحوكمة الاقتصادية المستدامة (Sustainable Economic Governance) هي إطار مؤسسي وقانوني وإداري يهدف إلى توجيه النشاط الاقتصادي نحو تحقيق النمو الشامل، والاستقرار المالي، والحماية البيئية، والعدالة الاجتماعية، مع ضمان المساءلة والشفافية والمشاركة في عملية صنع القرار. وهي تجمع بين مبادئ الحوكمة الرشيدة والاستدامة لضمان تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة. إنها تتجاوز مفهوم الحوكمة التقليدية لتركز على الاستدامة طويلة المدى بدلاً من المكاسب قصيرة الأجل.

 

تحكم الحوكمة هذه مبادئ وتشريعات وهي التي تحدد القواعد الاساسية لحركة الاقتصاد وتشمل :

–     تشريعات منع الاحتكار، قوانين حماية المستهلك، قوانين البيئة، وأنظمة السوق المالية.

–     معايير المحاسبة والمراجعة الدولية: مثل معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) لضمان الشفافية والموثوقية في البيانات المالية.

–     القواعد التي تنظم كيفية إنفاق الحكومة (السياسة المالية) وكيفية إدارة البنك المركزي للعملة وأسعار الفائدة (السياسة النقدية).

–     المبادئ التي توجه إدارة الشركات ، وعلاقاتها مع المساهمين وأصحاب المصلحة (الموردين، العملاء، الموظفين، المجتمع).

يمكن نظرياً تطبيق قواعد الحوكمة الاقتصادية المستدامة في نظام طائفي تحاصصي مثل النظام اللبناني، لكن ذلك يواجه تحديات جسيمة بسبب الطبيعة الهيكلية للنظام السياسي اللبناني. من هذه التحديات :

  1. الهيكل الطائفي والتحاصصي:

–     تقسيم المناصب والموارد على أساس طائفي (مثل نظام المحاصصة في التعيينات الحكومية والوظائف العامة) يعيق وضع الكفاءة والاستدامة كمعيار.

–     الفساد الممنهج: يتم استخدام الموارد العامة لخدمة المصالح الطائفية والشخصية بدلاً الصالح العام.

 

  1. وجود أساس قانوني جزئي:

–     لدى لبنان بالفعل بعض القوانين ذات الصلة (مثل قانون حماية المستهلك، قوانين البيئة، وأنظمة السوق المالية)، لكنها غالباً ما تظل حبراً على ورق بسبب ضعف التنفيذ.

–     قوانين منع الاحتكار: يصعب تطبيقها في نظام يسيطر عليه زعماء الطوائف وأصحاب النفوذ الاقتصادي المرتبطين بهم.

–     هناك محاولات سابقة ولاحقة لإصلاح النظام المالي والمصرفي (مثل قانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب رقم 44 ) ، لكن الفساد والمحاصصة لا تزالان تعطلا التطبيق .

 

  1. الضغوط الخارجية والدولية:

–     يمكن للضغوط الدولية (مثل شروط صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي) أن تدفع نحو إصلاحات جزئية.

–     من هذه الضغوط ما هو سلبي هدفه حماية النظام السياسي وبعض السياسيين المحسوبين على دةل لها مصالحها في لبنان .

 

  1. المجتمع المدني والقطاع الخاص:

–     هناك مبادرات من المجتمع المدني لكن المؤسف ان هذه المبادرات غاليا” ما تصطدم اما بالنظام السياسي الطائفي او تصطدم بمصالح دول خارجية تدعم هذه الجمعيات .

–     بعض شركات القطاع الخاص تتبنى معايير دولية طوعياً (مثل معايير المحاسبة IFRS) لتعزيز مصداقيتها.

 

  1. الاستقطاب السياسي وعدم الاستقرار:

–     أي محاولة للإصلاح تواجه معارضة من الزعماء الطائفيين الذين يستفيدون من النظام القائم.

–     مثال: فشل إقرار موازنة دولة transparent أو قانون انتخابات جديد يعتمد على الكفاءة بدلاً التمثيل الطائفي.

هذا ومن المفترض ان تحكم عملية الحوكمة المستدامة ضوابط تمثل الآليات التي تضمن الالتزام بتلك القواعد وتصحيح الانحرافات ، منها :

–     أجهزة الرقابة :  مثل هيئات الرقابة المالية، الجهاز المركزي للمحاسبات، هيئات مكافحة الفساد، ووزارات التخطيط.

–     الرقابة الداخلية :  أنظمة التدقيق والمراجعة الداخلية داخل المؤسسات والشركات.

–     الرقابة الخارجية المستقلة: مكاتب المراجعة الخارجية ، وكالات التصنيف الائتماني ، صندوق النقد الدولي ، والمنظمات غير الحكومية التي تراقب الأداء.

–     آليات المساءلة: وجود عقوبات رادعة على المخالفين ، وإجراءات واضحة لمحاسبة المسؤولين.

 

ان شروط النجاح للحوكمة الاقتصادية المستدامة تفترض توفر ما يلي :

–     الإرادة السياسية: التزام القيادة العليا بمبادئ الشفافية ومكافحة الفساد.

–     المؤسسات القوية والفعالة: وجود هيئات مستقلة قادرة على تطبيق القوانين دون خوف أو محاباة.

–     المشاركة المجتمعية: إتاحة قنوات للمواطنين والمجتمع المدني للمشاركة في الرقابة واتخاذ القرار.

–     الشفافية: تدفق المعلومات بشكل حر وواضح وسهل الوصول له من قبل جميع أصحاب المصلحة.

–     السيادة القانونية: سيادة حكم القانون على الجميع، وعدم وجود أي كيانات فوق المحاسبة.

ان امكانية النجاح في لبنان تقريبا هي صفر، لأسباب كثيرة ليس أقلها هذا النظام السياسي العنصري التحاصصي، وبالتالي فإن الشروط الاساسية لهذا النجاح غير متوفرة ولا يمكن توفرها على المدى القصير والمتوسط بالحد الأدنى، وما يمكن انجازه بعض الاعمال التي يمكن ان تخفف من وطأة هذا النظام الفاسد كما يحصل بين الحين والآخر .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى