“الحوار نيوز” تنشر تقرير المعهد الدولي للدرسات الإيرانية في الرياض(رصانة) حول الاتفاقية السعودية الإيرانية
الأبعاد والعوامل الحاسمة وردود الفعل والتداعيات المحتملة والمكاسب والفرصوالتحديات
الحوار نيوز – خاص
أعد المعهد الدولي للدراسات الإيرانية – رصانة (مركزه الرياض) تقريرا مطولا بعنوان “الإتفاقية السعودية الإيرانية وعودة العلاقات الدبلومسية”.
وتضمن التقرير تقييما شاملا لهذه الاتفاقية شمل البنود الآتية:
- مقدمة
- أبعاد الاتفاق الدبلومسي
- العوامل الحاسمة لسرعة توقيع الاتفاق بوساطة صينية.
- ردود الفعل الداخلية والإقليمية والدولية
- التداعيات المحتملة لتوقيع الاتفاق
- المكاسب والفرص المحتملة لتوقيع الاتفاق
- تحديات الاتفاق
وخلص التقرير إلى خاتمة جاء فيها:
تجاوز الطرفان السعودي والإيراني، العديد من العقبات للوصول إلى هذا الاتفاق الذي سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة برمتها، لكن تنفيذه يتطلب المزيد من الخطوات اللازمة، ولاسيما في ما يتعلق بإجراءات بناء الثقة والقيام بخطوات عملية لحلحلة القضايا الخلافية بين البلدين. كما أنّ الالتزام ببنود الاتفاق ،خاصة الجزء المتعلق باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، سوف يمثل نقطة محورية في إنجاح الاتفاق وإحراز تقدم ملموس في العلاقة بين البلدين؛ لأن جوهر الصراع بين البلدين، يعود إلى المشروع التوسعي والتدخلات الإيرانية في الدول العربية.
نص التقرير
وهذا نص التقرير كاملا:
مقدمة
قوتان إقليميتان كبيرتان ومؤثرتان في مجريات الشؤون الإقليمية والدولية، على طرفَي نقيض، السعودية وإيران، التقتا على طاولة المفاوضات في بكين خلال الفترة من 06 إلى 10 مارس 2023م، ووقَّع رئيسا وفدَيهما البيان الثلاثي المشترك، الصيني-السعودي-الإيراني، في 10 مارس 2023م، لتدشين بداية مرحلة جديدة بين كبريات القوى الإقليمية، السعودية وإيران، لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وذلك بعد صراع محتدم وقطيعة ممتدة دامت 7 سنوات، ألقت بظلالها على كل القضايا العالقة بالمنطقة، وعلى حالة السلم والأمن الإقليميين، وكذلك بعد استضافة بغداد خمس جولات من المحادثات عادت الوفود خلالها أحيانًا خالية الوفاض، وإن ظلَّت المواقف الرسمية إيجابية من دون العبور نحو مرحلة تُحدِث اختراقًا، لتأتي الوساطة الصينية وتضع أُسسًا لانطلاقة جديدة في علاقات الطرفين الأمنية والسياسية والاقتصادية.
يحظى الاتفاق التاريخي الكبير بأهمية إقليمية وعالمية بالغة الدقة، بحكم الأوزان النسبية الكبيرة للدولتين، وبحكم تشابكات أدوارهما في عديد من الساحات الإقليمية، وتأثيراتهما الكبيرة في القضايا والدولية وفي تحديد ملامح وشكل ومستقبل النظام الدولي، ولذلك يطرح الاتفاق عددًا من التساؤلات تسعى الورقة لتفسيرها: هل هذا تحوُّل في المواقف الإستراتيجية الإيرانية عند قبول الاشتراطات السعودية؟ أم أنه تحوُّل تكتيكي لاعتبارات تتعلق بالظروف الداخلية والخارجية الضاغطة على إيران؟ وما العوامل الحاسمة التي دفعت المملكة للقبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع طهران، بل والقبول بعودة العلاقات الدبلوماسية؟ ثم ما التداعيات المحتملة ومكاسب الأطراف من الاتفاق على الصعيد الداخلي للجانبين وعلى المستويين الإقليمي والدولي؟ وما أبرز المواقف وردود الأفعال الداخلية والإقليمية والدولية؟ ثم ما مستقبل ومآلات الاتفاق؟
أولاً: أبعاد الاتفاق الدبلوماسي السعودي-الإيراني
- خلفيات ومرجعيات الاتفاق
قاد ملف مفاوضات الاتفاق من الجانب السعودي عضو مجلس وزراء ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان، ومن الجانب الإيراني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وللشخصيتين وزنهما وثقلهما لدولتيهما. وحضره من الجانب الصيني كبير الدبلوماسيين الصينيين وعضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني رئيس مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية وانغ يي، ما يعكس تأكيدًا للجانب الأمني للمملكة واهتمامًا سعوديًّا بالغًا بالملف الأمني السعودي.
قد لا يكون الإعلان مفاجئًا في دهاليز الدبلوماسية الإقليمية والدولية، فالسعودية وإيران بالفعل بدأتا بحلول عام 2021م في الانخراط في محادثات مباشرة منخفضة المستوى، تناوبت على استضافتها كل من العراق وسلطنة عمان، وتناولت المحادثات التي بدأت في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، سبل تخفيف التوتر بين عاصمتي الدولتين، واستئناف العلاقات الدبلوماسية وتسوية الخلافات الناشئة عن دور إيران في عدد من ملفات التدخل الإيراني الإقليمي. ورافقت الجولة الخامسة والأخيرة، حتى تاريخ إصدار التقرير، التي عُقدت في بغداد أجواء إيجابية ورسائل متبادلة من أجل حلحلة بعض القضايا العالقة.
ما حققته الصين على مستوى المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران لم يكن وليد اللحظة، إذ جاء بعد سلسلة من المحاولات منذ سنوات، قامت بها بكين في هذا المسار، ففي مارس عام 2017م أعلنت الصين استعدادها للتوسط بين الجانبين في مبادرة من جانبها، ومن ثم أعادت الكرة عام 2019م، وفي 2022م عقدت الصين ودول خليجية قمة شهدت دعوة بكين لطهران إلى «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى». وهو ما شكل انزعاجًا إيرانيًّا ودافعًا لقيام رئيسها بزيارة لبكين من أجل التأكد من موقف بكين تجاه إيران، وشكّل أيضًا دافعًا للمضي قدمًا في المصالحة بين الأطراف.
الجدير بالذكر أن هذا الاتفاق سبقه اتفاقيتان وُقِّعَتا سابقًا بين الطرفين عامَي 1998م و2001م، الأولى تتضمن عودة العلاقات والتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، وهي الموقعة حسب البيان المشترك، والثانية تتناول ترتيبات وتعاونًا أمنيًّا بين الطرفين.
- مضمون الاتفاق ودلالاته
في قراءة في أهم بنود الاتفاق، يتضح لمعهد رصانة أمران، يشكلان بمجملهما أرضيةً ثلاثية مشتركة من الممكن البناء عليها وتطويرها وتفعيلها لإنجاح مستقبل العلاقات السعودية-الإيرانية، وإيجاد حلول جذرية لملفات الخلاف والتباعد المكدسة: الأول، يتعلق بتعهدات متبادلة بين الطرفين، وهي تشمل ما كانت الرياض وباقي دول المنطقة تسعى إليه من عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادة الدول، وحسن الجوار بين دول المنطقة. تسعى أطراف الاتفاق بذلك لإعطاء إعلان استئناف العلاقات بين الرياض وطهران جدية ومصداقية، باعتبار أن الخلافات بينهما والشكاوى السعودية بشكل خاص ارتبطت في غالبيتها بممارسات إيرانية غير مقبولة في هذا الشأن، ويبقى التساؤل القائم حول التفسير الإيراني لهذا البند غير واضح، وما إذا كانت ستقصر تدخلها في شؤون المملكة عن طريق اليمن، أم أن الأمر يتعلق بسلوك دولتها في مجمله، بما في ذلك سلوك ميليشياتها المذهبية المنتشرة في المنطقة.
أما الأمر الثاني، فهو إعلانات إجرائية، وتتضمن إعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارتين في طهران والرياض والقنصليتين في مشهد وجدة خلال مدة أقصاها شهران، وهذ المهلة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية يمكن قراءتها في ضوء منح فرصة زمنية مناسبة لامتحان إيران قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وسيكون سلوك إيران خارج حدودها موضع مراقبة دقيقة خلال هذه المدة الممنوحة من الأطراف الثلاثة.
بجانب ذلك، جرى الاتفاق على إعادة تفعيل الاتفاقية الأمنية والتجارية والاقتصادية بين الدولتين، التي وُقِّعَت عامي 1998م و2001م كما ذكرنا آنفًا، قبل أن تُجمَّد تلك الاتفاقات جرّاء تنامي حالة التوتر التي سادت علاقات الجانبين خلال السنوات الأخيرة. ولاستئناف الاتفاق الأمني الموقع بين الجانبين أهمية خاصة، باعتبار أن أغلب الخلافات بينهما ترتبط بقضايا الأمن القومي، وأن الأجهزة والمؤسسات الأمنية هي دائمًا الأكثر حذرًا وترددًا في فتح قنوات اتصال سياسية قبل الاطمئنان للنيات والأفعال من خلال اتخاذ خطوات محددة وملموسة، ومن ثم يوفر تفعيل الاتفاق الأمني ثقلًا سياسيًّا لإعلان استئناف العلاقات ودعم المؤسسات الوطنية المحافظة والمتحفظة له.
ومن المؤشرات الهامة في هذا الاتفاق أن الحوار السعودي-الإيراني، واتفاق الطرفين على استئناف علاقتهما الدبلوماسية، جريا خارج المنطقة، وبالتحديد في العاصمة الصينية بكين، على عكس الحوارات الأخرى الممتدة منذ عام 2021م التي جرت في بغداد أو مسقط. وتأتي الاستضافة الصينية لهذا الاتفاق ارتكازًا على عدة أمور، ستذكر تفصيلًا في المحاور التالية التقرير، ولكن بمجملها قائمة على المصلحة الصينية بالدرجة الأولى والمتعلقة بالأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط، وبالتحديد ما يتعلق بأمن الممرات البحرية وأهميتها للاقتصاد العالمي. كما تجب الإشارة إلى أن الصين سبق أن اقترحت مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط من خلال الحوار.
ثانيًا: العوامل الحاسمة لسرعة توقيع الاتفاق بوساطة صينية
يأتي الاتفاق التاريخي الكبير بين السعودية وإيران في ظل توقيت حساس ودقيق للغاية تشهده الساحتان الإقليمية والدولية على خلفية التحدي الروسي للقواعد الدولية المستقرة منذ نهاية الحرب الباردة، بإعلان الكريملن عملية عسكرية –ما زالت مستمرة- ضد أوكرانيا المحسوبة على المعسكر الغربي، واحتشاد الغرب الأوروبي والأمريكي ضد روسيا، وكذلك الانسحابات العسكرية الأمريكية من الأقاليم الجيو-إستراتيجية التي تهم الفواعل الإقليمية والدولية بحكم أهميتها الأمنية ومواردها الاقتصادية ومواقعها الجيوسياسية في تنفيذ مسارات وخطوط الطاقة، أبرزها الانسحاب العسكري الأمريكي من إقليم الشرق الأوسط، ثم من إقليم وسط آسيا تحديدًا من أفغانستان، وذلك بحثًا عن تعظيم مصالحها في شرق آسيا وتطويق الصين المنافس القوي للولايات المتحدة على القيادة الدولية، وهو ما أحدث بدوره فراغًا إستراتيجيًّا يسهم في دفع القوى الإقليمية للبحث عن حلفاء دوليين أقوياء من ناحية، وإعادة وضع منظومات أمنية ذاتية لحماية الأمن والاستقرار من ناحية ثانية. وفي ما يلي أبرز العوامل الحاسمة التي دفعت الطرفين إلى سرعة توقيع الاتفاق في بكين، رغم إجرائهما مفاوضات غير مباشرة استمرت قرابة عامين، وكان يجري الإعداد لتنظيم جولة سادسة ببغداد.
- دوافع المملكة لتوقيع الاتفاق
قُبيل الحديث عن العوامل الحاسمة، لا بد من الإشارة إلى العوامل العامة لتوقيع الاتفاق، وهي تتمحور ببساطة حول التحول في توجهات القيادة السعودية، خلال الآونة الأخيرة، إلى مرحلة أكثر ديناميكية وانفتاح تجاه مجريات الشؤون الإقليمية والعالمية بحكم المقدرات والإمكانات السعودية المتعددة ضمن رؤية سعودية طموحة (رؤية 2030م) لتحويل المملكة إلى فاعل إقليمي مؤثر في الشرق الأوسط، بل وينقلها إلى مصافّ الدول المؤثرة عالميًا ويعزز مصالحها إقليميًّا وعالميًّا، وذلك ليس فقط من خلال تصحيح أنماط العلاقات الخارجية ومفهوم الشراكة والمنفعة المتبادلة، وإنما أيضًا من خلال بث الرسائل بأن تحقيق الاستقلالية وتعدد البدائل والشركاء الإستراتيجيين في العلاقات الدولية يُعَدّ هدفًا سعوديًّا إستراتيجيًّا، وهذا لا يعني تخليًا عن الحلفاء الدوليين التقليديين، ولكن كما تسعى الدول للبحث عن مصالحها الخاصة في علاقاتها الدولية فإن للمملكة الحق أيضًا في أن تبحث عن حلفاء دوليين جدد وعن تعظيم مصالحها. وفي ما يلي الدوافع الحاسمة وراء توقيع المملكة للاتفاق في هذا التوقيت:
أ. شعور المملكة بجدية إيران: ما لمسته المملكة في إيران بأنها قد تكون جادة خلال هذه المرة، وأنها استفادت من تجربة الماضي المرير، وسنوات القطيعة السبع وتداعياتها السلبية المتعارف عليها على الداخل الإيراني، لا سيما أن المحادثات غير المباشرة بين الجانبين في بغداد قد أسفرت عن توقف أو تراجع معدل الهجمات الحوثية على الرياض، وتأييد الجانبين السعودي والإيراني لوقف إطلاق النار في اليمن، ودخول السعودية في مفاوضات مع الحوثيين بوساطة عمانية.
ب. توجه السعودية نحو سياسة «تصفير المشاكل»: تتوجه المملكة العربية السعودية تدريجيًا نحو سياسة «تصفير المشاكل» لإنهاء التوترات الإقليمية القائمة وتعزيز المصالح والمكاسب السعودية الإستراتيجية، كما فعلت مع قطر وتركيا، لا سيما مع ظهور توجه عام لدى العديد من الدول في الشرق الأوسط إلى تبني وتعزيز سياسة «صفر مشاكل» لتحقيق مصالحها الإستراتيجية الخاصة كمصر وتركيا والإمارات.
ج. إدراك المملكة بتعاظم فرصها في نظام متعدد الأقطاب، الصين أحد أقطابه المؤثرة للغاية، وبدأ في الظهور خلال الفترة الماضية بعد مرحلة مخاض عسير، وهو نظام يتجه نحو التعددية، لم تقوَ خلاله قوة دولية بمفردها على التحكم في التأثير في مجريات الشؤون والقضايا الدولية. ويبرز هذا النظام أهمية الدول التي تمتلك سلعًا إستراتيجية مهمة للتجارة الدولية، والمملكة واحدة من هذه الدول، وتريد أن ترسم لنفسها مكانًا فيه بما يحفظ أمنها ويعزز مكانتها ويضمن مصالحها الإستراتيجية.
د. ثقة المملكة في الصين كضامن دولي، إذ وافقت المملكة على توقيع الاتفاق بشكل رئيسي لأن الصين قطب دولي كبير، وتمتلك من أوراق الضغط ضد إيران ما يجعلها قادرة على التأثير في إيران لالتزام الاتفاق، فالصين بديل دولي موثوق لإيران، وأحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين العضوية، ومستورد رئيسي للنفط الإيراني حتى خلال أوقات العقوبات، وأهمّ شريك تجاري لإيران، كما أن للصين التأثير الأكبر في القرارات الاقتصادية والعضوية في عديد من المنظمات الاقتصادية الدولية الصاعدة مثل البريكس والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، كما أن الصين مزود سلاح رئيسي لإيران، وأوشكت أن تتبوأ المرتبة الأولى اقتصاديًّا حسب أحد المؤشرات الاقتصادية العالمية، وقلصت الفارق العسكري الكبير بينها والولايات المتحدة من حيث النوع والإنفاق العسكري، ولا يمكننا تجاهل أن دولة بحجم الصين من الصعب قبولها الدخول باعتبارها ضامنًا لاتفاق كبير في منطقة جيوإستراتيجية حساسة بين طرفين كبيرين بوزن المملكة وإيران، في أول ضمانة لها وأول اختبار حقيقي لقوتها وأدوات تأثيرها في المنطقة، تقبل بإخفاقه بسهولة.
للصين مصلحة في توقيع الطرفين للاتفاق لاعتبارات اقتصادية (الدولتان مصدّران أساسيان للنفط الذي يشكل العصب الرئيسي لدوران عجلة الإنتاج الصيني الضخمة، كما أن الصين بحاجة إلى الدولتين السعودية والإيرانية ضمن مساعيها لتنفيذ المشروع الصيني الاقتصادي العابر للحدود «الحزام والطريق»، فالدولتان مفصليتان على الطريق)، واعتبارات سياسية (الدولتان مهمتان سياسيًّا للصين ضمن مفهوم الشراكة الإستراتيجية الشاملة لتعظم المصالح والمنافع المتبادلة وتعديد البدائل الدولية للنظام الدولي)، واعتبارات أمنية (إنهاء الصراع بين الطرفين يضمن سلامة التجارة الصينية المارة عبر مضيقَي هرمز وباب المندب الإستراتيجيين).
- دوافع إيران لتوقيع الاتفاق
في الوقت الذي كانت فيه إيران مستمرة في تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية والخليجية، واستمرار ميليشياتها المسلحة في اعتداءاتها المتكررة على الأراضي السعودية، طالبت طهران من الرياض مرارًا وتكرارًا الجلوس إلى مائدة المفاوضات لتسوية الخلافات القائمة، وفي المقابل كانت المملكة ترفض التفاوض حتى يتم وقف الاعتداءات المليشياوية الحوثية وغير الحوثية على الأراضي الخليجية والسعودية، والتغير في الأفعال (السلوك) لا في الأقوال. وهناك عاملين رئيسيين وراء المحاولات الإيرانية المتتالية لتسوية الصراع مع السعودية:
أ. الظروف الاقتصادية الضاغطة: يأتي الاتفاق في توقيت حساس للغاية بالنسبة إلى إيران من الناحية الاقتصادية، على المستوى الشعبي والحكومي على حدٍّ سواء، نظرًا إلى اجتماع عدة مؤثرات خارجية وداخلية فاقمت الوضع الاقتصادي الإيراني، بداية من إعادة فرض العقوبات الأمريكية منذ عام 2018م، وتداعيات كورونا في 2020م، والحرب الروسية-الأوكرانية في 2021م، والاحتجاجات الداخلية على مقتل مهسا أميني في 2022م.
فمن ناحيةٍ يعاني الاقتصاد من تباطؤ النمو الاقتصادي وتسرب الاستثمارات إلى الخارج، وتواجه مالية الحكومة عجزًا ماليًّا كبيرًا ومتزايدًا مع محدودية الايرادات النفطية، ولا تستطيع الوصول إلى كل احتياطها المجمدة بالخارج لفك ضائقتها المالية، إضافة إلى تراجع صادراتها، وتحوّل ميزان التجارة من فائض إلى عجز بمليارات الدولارات، ما عزز انهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية. ومن ناحية أخرى يكتوي الشعب الإيراني بنار التضخم منذ أكثر من عامين، ولم يستطِع أيٌّ من الرئيس السابق حسن روحاني، أو الحالي إبراهيم رئيسي، مواجهته، حتى أصبح واحدًا من أكبر هواجس الإيرانيين وتسبب في إيقاع ملايين الأفراد تحت خط الفقر.
أضحت هذه المتغيرات تشكل تهديدًا، ليس فقط لاستقرار المجتمع، بل والنظام الحاكم بأسره، وتدفعه إلى محاولة إحداث تغييرات سياسية ضرورية قبل خروج الوضع الداخلي عن سيطرته.
ب. تداعيات حالة العزلة: تسبب قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران قبل نحو 7 سنوات، على خلفية الاعتداءات على المقار الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، في تعزيز حالة العزلة الإقليمية لإيران، وهو ما زاد إيران ضغطًا، بل ونبذًا في المنطقة العربية، إذ بلغ إجمالي عدد الدول العربية التي قطعت أو خفضت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بفعل سياساتها التدخلية المتكررة نحو 12 دولة عربية (9 دول قطعت: السعودية، والبحرين، والمغرب، ومصر، واليمن، والسودان، والصومال، وجيبوتي، وجزر القمر. و3 دول خفضت: الكويت، والإمارات -قبل أن تعيدا سفيريهما لطهران خلال 2022م، والأردن)، وموريتانيا (استدعت السفير)، ما نسبته أكثر من 60% من الدول العربية، وبالتالي فالأزمة مع إيران لا تخص دولة عربية بذاتها وإنما تخص أكثر من 60% من الدول العربية، مع وضع إيران في حالة عزلة غير مسبوقة وحسابات دولية معقدة ألقت بظلالها السلبية على إيران وعلاقاتها الإقليمية وزادت عزلتها الدولية أيضًا، ولذلك شكلت حالة العزلة دافعًا مهمًّا وراء المحاولات الإيرانية المتكررة لتسوية العلاقات مع الرياض.
ثالثًا: ردود الفعل الداخلية والإقليمية والدولية
منذ أن أعلنت إيران والسعودية التوصل لاتفاق حول استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016م، بعد مفاوضات قادتها الصين، توالت ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية، حول أثر هذا الاتفاق والبُعد الذي يحمله فيما يتعلق بمستقبل الاستقرار في دول المنطقة.
- المواقف الداخلية للطرفين
أ. الموقف الرسمي السعودي
تجلَّى في تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والذي قال: إن الاتفاق السعودي-الإيراني على عودة العلاقات الدبلوماسية، يؤكد الرغبة المشتركة لدى الجانبين لحل الخلافات عبر التواصل والحوار، مشددًا على أن هذا الاتفاق لا يعني التوصل إلى حل لكافة الخلافات العالقة بين البلدين. وحول مصلحة السعودية بعد الإعلان عن الاتفاق مع إيران، قال وزير الخارجية السعودي: “الأصل في العلاقات الدولية هو وجود علاقات دبلوماسية بين الدول، ويتعزز ذلك في حال دولتين جارتين بحجم المملكة وإيران تجمعهما روابط عدَّة دينية وثقافية وتاريخية وحضارية مشتركة”.
وقال معالي وزير الدولة مستشار الأمن الوطني في السعودية الدكتور مساعد بن محمد العيبان: إن الترحيب السعودي بمبادرة الرئيس الصيني لتطوير علاقات حسن الجوار “يأتي انطلاقًا من نهج المملكة الثابت والمستمر منذ تأسيسها في التمسك بمبادئ حسن الجوار، والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وانتهاج مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات”.
ب. الموقف الرسمي الإيراني
جاء كذلك مرحبًا بالاتفاق، حيث رحَّب به المسؤولون الإيرانيون في مختلف مستوياتهم، وأكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أن استئناف العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية يوفر “إمكانيات كبيرة” للبلدين والمنطقة والعالم الإسلامي، معتبرًا أن سياسة الجوار المحور الرئيسي للسياسة الخارجية لحكومة إبراهيم رئيسي، وأنها تمضي بقوة في المسار الصحيح، ويعمل الجهاز الدبلوماسي بنشاط نحو إعداد المزيد من الخطوات الإقليمية”.
الصحافة الرسمية الإيرانية، وصفت هي الأخرى بكافة أطيافها وتوجهاتها الاتفاق بأنه مهم وباعث على الأمل، ودعت بعض الصحف إلى توسيع نطاق الاتفاق لتشمل المصالحة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عمومًا لإنهاء عزلة إيران الدولية والتخفيف عن الوضع الاقتصادي والمعيشي السيء الذي بات الإيرانيون يعانون منه بشكل كبير. أما الصحف الإصلاحية، رغم ترحيبها بالاتفاق إلا أنها انتقدت المحافظين لتأخرهم في تحسين العلاقات مع السعودية ورأت أن اقتحام السفارة السعودية في طهران عام 2016م، كان بهدف إفشال الجهود الدبلوماسية لحكومة حسن روحاني، كما وصفت هذه الصحف جهودَ المحافظين لتحسين العلاقات مع الرياض بالطرفة التاريخية، لأنهم يبذلون قصارى جهدهم لعودة العلاقات بعد أن كانوا هم السبب في ارتكاب الخطأ الكبير الذي تسبب في قطع العلاقات، وهو اقتحام السفارة.
- مواقف الأذرع الإيرانية
على مدى السنوات الماضية، لعبت الأذرع الإيرانية في المنطقة، دورًا رئيسيًا في تنفيذ المشروع الإيراني بدول المنطقة، لذا فإن الحد من نفوذ هذه الأذرع قد يشكل أحد أهم عوامل نجاح الاتفاق في المستقبل وكذلك قد يدفع نحو حلول سياسية، تجعل الدول الإقليمية أكثر استقرارًا، خاصةً إذا تعاونت إيران مع السعودية في تهيئة السبل الكفيلة ببسط الأمن والاستقرار في دول المنطقة؛ وبالتالي فإن إقدام إيران على توقيع الاتفاق يشكل اختبارًا حقيقيًا لمدى سيطرة إيران على أذرعها في ساحات النفوذ لا سيما في الساحة العراقية التي شهدت أذرعها العسكرية انقسامات من بين أسبابها طبيعة العلاقة مع إيران، حيث حقَّقت بعض هذه الأذرع مصالح خاصة بعيدًا عن المصالح الإيرانية.
بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق ينهي القطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، عبَّر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عن سعادته لعودة العلاقات بين البلدين الرياض وطهران وقال إن لديه الثقة أن ذلك سيكون في مصلحة شعوب المنطقة، معتبراً أن الاتفاق من الممكن أن يفتح الآفاق في كل دول المنطقة من ضمنها لبنان. وفي اليمن قال الناطق باسم الحوثيين: إن المنطقة بحاجة إلى عودة العلاقات الطبيعية بين دولها.
- مواقف القوى الإقليمية
الاتفاق بين السعودية وإيران، أثار ردود فعل إقليمية مرحِّبة بالخطوة، حيث رحَّبت دول الخليج العربي بالاتفاق، كما رحَّبت دولاً عربية أخرى بالاتفاق كالعراق ومصر ولبنان وسوريا وتونس والجزائر والسودان، معتبرةً الاتفاق إيذانًا ببدء صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. من جهتها قالت لبنان إن الاتفاق سيترك أثره الإيجابي على مجمل الأوضاع في المنطقة، وقالت وزارة الخارجية المصرية إنها تابعت باهتمام، وأعربت في بيان عن تطلعاتها في أن يسهم الاتفاق في تخفيف حدة التوتر في المنطقة، أما وزارة الخارجية الأردنية فقد أعربت عن أملها في تعزيز الأمن في المنطقة بما يحفظ سيادة الدول، أما تركيا فقد اعتبرت أن الاتفاق يشكل خطوةً هامة تسهم في أمن المنطقة واستقرارها. ويأتي الترحيب العربي والإقليمي الكبير بالاتفاق السعودي-الإيراني، لكون عدد من الدول العربية تأثرت بالتدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية خلال السنوات الماضية، وتأمل في رؤية مدى الجدية الإيرانية هذه المرة في تهدئة الصراعات والوصول إلى حالة من الاستقرار والتعاون في المنطقة.
الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي عبَّرت عن امتعاضها من الاتفاق هي إسرائيل، وفي أول رد فعل رسمي اعتبرت تل أبيب أن الاتفاق بين الطرفين سوف يؤثر على تطبيق العلاقات بين السعودية وإسرائيل، بحسب تعبيره.
- مواقف القوى الدولية
الرد الأمريكي جاء مرحبًا بالاتفاق شريطة أن يؤدي إلى تخفيف التوتر في المنطقة ويوقف الحرب في اليمن ويضمن أمن السعودية. لكن تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، التي قال فيها: إن واشنطن سترى إذا ما كانت إيران ستفي بالتزاماتها بعد إبرامها الاتفاقية مع السعودية، يشير إلى أن هنالك قلقًا أمريكيًا من ضبط سلوك إيران الإقليمي، وقلقًا آخر من احتمالية عدم احترام الطرف الإيراني لهذا الاتفاق.
من جهتها، هنّأت موسكو على لسان نائب وزير خارجيتها، ميخائيل بوغدانوف، إيران والسعودية والصين على التوصل إلى اتفاق عودة العلاقات بين الرياض وطهران. وأضاف أن عودة العلاقات تتماشى مع المبادرات الروسية الرامية إلى إنشاء منظومة للأمن في منطقة الخليج ذات الأهمية الاستثنائية على المستوى الاقتصادي العالمي.
كما رحَّب الاتحاد الأوروبي، باتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، معربًا عن تطلُعه إلى تنفيذ الاتفاق. وقال الاتحاد الأوروبي في بيان له إن استئناف العلاقات بين البلدين يمكن أن يساهم في استقرار المنطقة ككل. وأضاف البيان أن تعزيز السلام والاستقرار والحد من التوتر في الشرق الأوسط من الأولويات الرئيسية للاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن الاتحاد ما زال على استعداد للانخراط مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة بصورة شاملة وشفافية كاملة.
رابعًا. التداعيات المحتملة لتوقيع الاتفاق السعودي-الإيراني
- التداعيات على الصراع السعودي-الإيراني في الملفات الإقليمية
تعتبر القضايا الإقليمية محلَّ الخلاف والنزاع بين السعودية وإيران الاختبارَ الحقيقي للاتفاق، وقدرة الضامن الصيني على تجسيده، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما يلي:
أ. الحرب في اليمن
تمثل الأزمة اليمنية أهم اختبار للنوايا الإيرانية ومدى التزامها بتجسيد الاتفاق؛ ففي ظل تعقيدات المشهد اليمني بسبب الدور الإيراني الذي كان حجر عثرة في مسار العملية السياسية اليمنية من خلال تبنيه المواقف والاشتراطات الحوثية التي تهدف لتكريس سلطة جماعة الحوثي ذات البُعد الطائفي في شمال اليمن بالإضافة إلى تهميش الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا ممثلةً بمجلس القيادة الرئاسي الذي يمثل جميع المكونات اليمنية، من المرجح أن يشهد الملف اليمني تحولًا كبيًرا بعد الاتفاق السعودي-الإيراني حيث أن الاتفاق يعتبر بمثابة عامل معزز لجهود السلام الدولية والإقليمية ومبادرات السلام التي توصلت إلى تهدئة على المستوى العسكري ابتداءً من شهر أبريل من العام الماضي. لذلك من المفترض أن تنخرط جماعة الحوثي بشكل جاد في مباحثات السلام مع مجلس القيادة الرئاسي الأمر الذي سوف يؤدي إلى رسم ملامح جديدة في مسار التسوية السياسية في اليمن، إذ أعلنت البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة أن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية سيُساهم في بداء الحوار اليمني وتشكيل حكومة وطنية شاملة في اليمن على وجه التحديد.
ب. الأزمة الرئاسية اللبنانية
أمام تأزُّم الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تشهدها الساحة اللبنانية من المرجح أن ينعكس الاتفاق السعودي-الإيراني إيجابيًا على الحالة اللبنانية، فقد يقلل الاتفاق من حدَّة النزاع الطائفي في لبنان الأمر الذي يمكن أن يساهم في كسر الجمود السياسي وتسريع وتيرة الاتفاق على مرشح رئاسي في الفترة القادمة، مما سينعكس على المستوى الاقتصادي حيث يؤدي تحسن الوضع السياسي إلى فتح آفاق اقتصادية جديدة في عدَّة قطاعات أبرزها السياحة العربية وزيادة حجم الاستثمارات والدعم، لا سيما من قبل المملكة العربية السعودية ودول الخليج. لذلك من المرجح أن يكون للاتفاق السعودي-الإيراني أثرٌ كبير في استقرار لبنان على المستويين السياسي والاقتصادي في حال نجاح الاتفاق وبناء الثقة.
ج. الأوضاع في الساحة السورية
يأتي الاتفاق السعودي-الإيراني في ظل وصول الأوضاع الداخلية في سورية إلى حالة من الجمود بعد استعادة النظام السياسي السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، يقابله انفتاح عربي وإقليمي نسبي على نظام الأسد، في ظل هذه المعطيات من المرجح أن يساهم الاتفاق في تسهيل عودة سوريا بشكل تدريجي لمحيطها العربي.
- تأثير الاتفاق على الملف النووي الإيراني
يخضع الملف النووي الإيراني لأبعاد متداخلة تبدأ من المسائل التقنية وتنتهي بالدور الإيراني في الحرب الروسية على أوكرانيا مرورًا بسياساتها الإقليمية، هذا الأخير (أي الدور الإقليمي الإيراني) يتقاطع مع الاتفاق بين السعودية وإيران، ومن هذا المنطلق فإن توصل الطرفين السعودي والإيراني لتسويات في القضايا الصراعية بينهما يتيح المجال لتجاوز بعض العقبات الجزئية في الملف النووي، ومن ناحية ثانية فإن الاتفاق السعودي-الإيراني يحد من احتمالات الضربة العسكرية التي تهدد إسرائيل بتوجيهها للبرنامج النووي الإيراني، ومن ناحية ثالثة فإن أي نجاح يحرزه هذا الاتفاق سيساهم في بناء الثقة بين إيران والدول الغربية ويعكس جديتها في التوصل لاتفاق وتجسيد بنوده على أرض الواقع.
- التنافس الصيني-الأمريكي في الشرق الأوسط
يمثل الاتفاق نجاحًا كبيرًا للدبلوماسية الصينية، ويؤرخ لمرحلة جديدة من دورها في النظام الدولي، وذلك نظرًا لأهمية الصراع السعودي-الإيراني على مستوى الشرق الأوسط خصوصًا وعالميًا عمومًا، حيث أثبتت الصين بهذا النجاح قدرتها على ملئ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، وبات من الصعب عليها استعادة الدور الذي كانت تمارسه طيلة العقود السابقة، ويمكن أن تكون لهذا الحدث ارتدادات داخليًا خاصة مع قرب الانتخابات. وعلى الصعيد الاقتصادي يسهل الاتفاق تجسيد مشروع “الحزام والطريق” الذي يساهم فيه البلدان بشكل كبير جدًا، وستضمن الصين استمرار تدفق الطاقة إليها من البلدين كما سبقت الإشارة.
خامسًا: المكاسب والفرص المحتملة لتوقيع الاتفاق
تصبو المملكة العربية السعودية وإيران لتحقيق جملة من المكاسب في كل المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي يمكن إجمال أهمها فيما يلي:
- المكاسب والفرص الجوهرية للمملكة وإيران
أ. بالنسبة للمملكة: قد تحقق السعودية مكسبًا أمنيًا مهمًا في الداخل إذا ما كانت إيران جادة في الضغط على الحوثيين لوقف اعتداءاتهم المتكررة على الأراضي ومنشآت النفط السعودية، وعلى مستوى السياسة الخارجية تبرز أهمية تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي الذي يساهم بطريقة غير مباشرة في استكمال تحقيق أهداف رؤية 2030م، التي أكدت على أولوية تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي في السياسة الخارجية السعودية. إضافةً إلى ذلك، فإنّ الاتفاق مع إيران قد يسهم في إنهاء حالة الابتزاز السياسي للمملكة من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية، كما أنه قد يخفّف من اندفاعة السلوك الإيراني الإقليمي ويبعدُ سيناريو المواجهة المباشرة مع السعودية، كما يؤكد التحوّل الذي باشرته المملكة على مستوى السياسة الخارجية والمتمثل في لعب أدوار مؤثرة لأجل تسوية بعض الصراعات الإقليمية والدولية المؤثرة على الاقتصاد والأمن العالميين كالأزمة الروسية-الأوكرانية.
ب. بالنسبة لإيران: تأتي الأبعاد الداخلية في مقدمة الحسابات الإيرانية نظرًا للأزمة التي تواجهها بفعل الحركات الاحتجاجية الناجمة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية نتيجةً للعقوبات الدولية المفروضة عليها وعلاقاتها المتأزمة مع دول الجوار، والتي تحول دون تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، في السياق الداخلي أيضًا تسوّق الحكومة الإيرانية الاتفاق على أنه نجاح لرئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي وتصورِه القاضي بالتوجه شرقًا وتحسين العلاقات مع دول الجوار، وإن كان الإصلاحيون من ناحية أخرى يحاججون بأن خياراتهم هي الأفضل وعلى المحافظين العودة إليها، فضلاً عن الإسهام في إنهاء حالة العزلة الإقليمية.
- المكاسب والفرص المشتركة للمملكة وإيران
أ. إمكانية تعظيم المصالح الاقتصادية المتبادلة
على الرغم من محدودية التبادل التجاري بين البلدين نظرًا لتشابه هياكل التصدير والاستيراد، إلا أن عودة العلاقات بين البلدين قد تفيد في استفادتهما من فرص تجارية وتطورات إيجابية تشكَّلت خلال السنوات السبع الماضية. فالجانب السعودي يمتلك منتجات خدمية حصرية كالحج والعمرة و”السياحة الدينية” والترفيهية المتزايدة بالسنوات الأخيرة، وفي حال استعادة حركة الطيران المباشر بين البلدين ستتعاظم إيرادات السياحة الدينية والترفيهية، كما بذلت السعودية خطوات غير مسبوقة في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات العالمية في مجالات التصنيع والتكنولوجيا وفق مستهدفات رؤية 2030م لتنويع مصادر الدخل ما يزيد فرص الإنتاج الصناعي غير النفطي ويجعله محلًا محتملًا للتبادلات الخارجية مع إيران خاصةً وأنها تستورد المنتجات الصناعية التكنولوجية بكثافة.
أما إيران فتمتلك منتجات تقليدية لها مكانة كالزعفران والمكسرات والكافيار والسجاد ومنتجات زراعية متنوعة، بجانب امتلاك رأسمال صناعي في بعض المجالات كالتصنيع الغذائي والميكانيكي والهندسي وقطع الغيار وما شابه يتم تصديرها لبعض دول الجوار، كما أن تراجع قيمة عملتها المحلية يقلل من سعر منتجاتها بالأسواق الخارجية. وتمتلك إيران مقومات سياحية تجذب السائحين من دول الخليج إليها.
وفي مجالات التعاون الاقتصادي الأخرى بينهما، تعد السعودية وإيران معًا من أكبر منتجي النفط داخل منظمة الأوبك، وقد يزيد التعاون والتنسيق بينهما حول حجم الإنتاج والصادرات وتقل فرص الخلافات في حال عودة العلاقات لطبيعتها الكاملة. كما تحتاج إيران لاستثمارات ضخمة في قطاعات نفطية وغير نفطية قد تكون محلًا للتعاون بين البلدين إذا ما رفعت العقوبات الأمريكية عن إيران. وعلى الجانب الجيو-اقتصادي فالسعودية وإيران معًا محاور أساسية لطريق الحرير الصيني الواصل إلى أوروبا، وتسعى الصين لتأمينه وتقليل الخلافات بين الدول الواقعة عليه حتى تقل تكاليف المرور وتتعاظم مكاسب كل الأطراف.
ب. تقليل حدة الخطاب الإيراني الثوري
ربما أراد النظام الإيراني ولأسباب وضغوط سياسية واقتصادية بحتة، تغليب السياسي على الديني، وربما ارتأى أنّ الأزمات الأخيرة التي مرّ بها في الداخل منذ مقتل مهسا أميني وما قبلها وما بعدها، كاحتجاجات أهل السنة والأكراد بكثافة في مناطقهم، ربما رأى أنّ الاتفاق مع السعودية سيقضي أو يقلل من تلك الأزمات الداخلية، ولا سيما مع «الإصلاحيين»، الذين يدعُون النظام إلى الحوار والانفتاح، من جانب، أو مع الأكراد وأهل السنة من جانب آخر. كذلك فمن المتوقع جرَّاء هذا الاتفاق، أن تقلّ أو تتلاشى حدة الخطاب الأيديولوجي، بما يعود على المنطقة بأسرها بالأمن والاستقرار.
ج. وجود مسار وقناة دبلوماسية للتفاهم
يوفر وجود علاقات دبلوماسية رفيعة المستوى قناةً للحوار المباشر، يمكن أن تكون حافزًا لتوسيع التفاهمات واحتواء الخلافات، وإيجاد طرق لمعالجة المشكلات.ولاسيما أن البلدين بحاجة إلى التهدئة، المملكة بحاجة إلى توفير البيئة المواتية لرؤيتها الجديدة ووقف أي تحدٍّ أمام عملية التغيير والتطوير الجارية على قدم وساق داخليًا، كما أنها بصدد تهيئة البيئة الإقليمية أمام مشروعها الطموح في الشرق الأوسط والدور الريادي على الصعيد الدولي، وإيران بحاجة للتهدئة من أجل تخفيف الضغوط على النظام في الداخل في ظل أزمة شرعية غير مسبوقة، فضلًا عن إنهاء عزلتها الإقليمية، وتحييد السعودية ووضع حدّ للمواجهة المفتوحة معها، باعتبارها لعبت دورًا بارزًا في فرض ضغوط غير مسبوقة على إيران والإسهام في حشد دولي وإقليمي واسع مناهض لسياساتها.
د. نجاح الشريك الصيني وكسب ثقته
إن الاتفاق يجد دعمًا قويًا من جانب الصين التي لديها رغبة في الانخراط في الشرق الأوسط، وهو دور ينسجم مع توجهات الصين الدبلوماسية على الساحة الدولية في إطار مساعيها لمراجعة الهيمنة الأمريكية بما في ذلك مبادرتها للأمن العالمي، ومقترحها لتسوية الصراع الروسي-الأوكراني، وذلك ضمن تغير نهجها الخارجي ورغبتها في موازنة الحضور الأمريكي في مختلف الساحات بما في ذلك الشرق الأوسط. كما أن هناك مصلحة صينية اقتصادية وأمنية لأن الاتفاق يوفر للصين نفوذًا يساعدها في تحقيق مشروع الحزام والطريق الذي يمر عبر البلدين نحو أفريقيا والعالم، فضلًا عن تدفق المصالح بما فيها تدفق الطاقة بوصف إيران والمملكة من كبار موردي الطاقة للصين، وبالتالي يضمن الاتفاق استقرارًا إقليميًا وينهي خلافًا بين شريكين مهمين للصين؛ الأمر الذي يخدم هذه التطلعات. ولا شك أن الاتفاق بعد جولات العراق وعمان كان بحاجة إلى قوى كبرى كالصين حتى يرى النور، فهي طرف مقبول من الجانبين.
سادسًا: تحديات الاتفاق السعودي-الإيراني
يمثل الاتفاق السعودي-الإيراني تحولًا مهمًا وجوهريًا قد تكون له تداعياته على المنطقة بأسرها حال نجاحه، وكما أن هناك تحديات قد تحد من فاعلية هذا الاتفاق فثمَّة مصالح تعزز من فرص نجاحه. فيما يخص أبرز التحديات فيمكن الإشارة إلى ما يأتي:
- القيود الأيديولوجية
تعدإيران أكبر دولة شيعية، وتقدّم نفسها كراعيةٍ لمصالح المذهب الشيعي في العالم؛ كان طموحها أن تزاحم السعودية في المنافسة على زعامة العالم الإسلامي، فالخلاف إذن بين إيران والسعودية لم يكن خلافًا مذهبيًا بقدر ما هو خلافًا أيديولوجيًا ونماذج حكم؛ لأنّ السعودية الجديدة شهدت انفتاحًا وتجديدًا وفاعلية على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، والدينية، بيد أنّ إيران لا تزال تمركز الأيديولوجيا في عمق رؤيتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتوظّف المذهب لحفظ مصالحها القومية العليا. ولا تزال تؤمن بأولويات أيديولوجية، مثل: تصدير الثورة، وخلق ميليشيات طائفية عابرة للحدود، والسعي إلى ما يُسمى بــ “أستاذية العالم”، أو “تأسيس الدولة العالمية”؛ وبالتالي فلا تؤمن بالجغرافيا والحدود، بقدر ما تؤمن بالهيمنة والسيطرة، وشمولية النموذج.
هناك معوقات أيديولوجية ربما تكون سبباً في انهيار الاتفاق، أهمها الدستور الإيراني نفسه الذي يعزز الأيديولوجيا الولائية، كتصدير الثورة والتمدد خارج الحدود، وتأسيس حكومة عالمية، ونصرة المستضعفين، علاوةً على اعتقاد النخبة الدينية الحاكمة تجاه الآخر؛ وبالتالي فإن الاتفاق قابل للاستمرار إذا غيرت النخبة الدينية الإيرانية أفكارها، ورؤيتها وأولويتها، حتى ولو لم تغير الدستور. على الجانب السعودي لا يوجد أي معوقات أيديولوجية، فالسعودية الجديدة ترحب بالحوار، وتؤمن بالعيش المشترك، وتستظل بمظلة القانون والدبلوماسية والأعراف الدولية، وأخلاق الجوار، ولا تفرق بين الناس والدول على أساس الديانات أو المذاهب.
- النموذج الإيراني المتآكل
في الوقت الذي تتشكَّل في السعودية حركة تجديد شاملة، شملت كافة المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، إلا أن إيران لا تزال عند اللحظة الأولى لثورة 1979م، وذات الهموم. حتى إن نفس الرجال الذين قاموا بالثورة لا يزالون قائمين على زمام الأمور، رافضين أي نوع من تغيير الفكر وتجديد الفقه. ومن ثم فالاتفاق أمام جدلية التجديد مقابل التقليد، حيث لا يمكن تجاهل الأوضاع الداخلية في كلا البلدين، فالمملكة العربية السعودية تمرّ بمرحلة تجديد، وحيوية، ونشاط، وإعادة إحياء وترميم للهوية الوطنية، والمقدرات، والاستثمار في العنصر البشري، أما في إيران فثمة نخب تقليدية عتيقة، تمرّ بأزمات داخلية متعددة، فالسعودية الجديدة تتحاور مع إيران القديمة، ولذا فإيران تحتاج أيضًا إلى تجديد الفكر الديني والعمل السياسي، وإعادة تعريف الأولويات، والثوابت والمتغيرات، حتى يمكنها عقد اتفاقيات ترسخ الأمن في المنطقة، وتفتح أمامها الأبواب لإزالة العزلة والعقوبات.كذلك لا تؤمن النخب الدينية الحوزوية في إيران بتفعيل المقاصد “مقاصد الشريعة وفلسفة الفقه” لتغيير أوضاع مستقرة نبذها المجتمع ورفضها الناس، خاصةً النساء والشباب، لكنهم يؤمنون بأولوية الحكم الحكومتي للمرشد على الحكم الأوليّ.
- أزمة الثقة
هناك أزمة ثقة عميقة بين الجانبين سيكون لها تأثير على مجريات العلاقة خلال المرحلة القادمة، لا سيما أن الاتفاق لم يضع التفاصيل النهائية لحل الخلافات بعد ولا تناول القضايا الخلافية الرئيسية، ولا الجدول الزمني ولا آلية تضمن التنفيذ. فما تزال هناك خطوات يعول عليها في تحقيق تفاهمات أوسع نطاقًا تعيد خلالها إيران النظر في سلوكها الإقليمي وبرنامجها الصاروخي والملف النووي وسياساتها المذهبية… الأمر الذي يسهم إلى جانب المملكة فعليًا في تحقيق الاستقرار وحل الأزمات، ومِن ثَمَّ يحتاج النص إلى حُسن نوايا من جهة إيران وألَّا يكون انحناءةً منها لتجاوز التحديات والأزمات الراهنة، وكذلك هناك الكثير من النماذج التي تعكس عدم الالتزام الإيراني بالعلاقات الدبلوماسية القائمة مع الدول، فرغم علاقاته الجيدة بالكويت غير أنها زرعت خلية إرهابية والشهيرة بخلية «العبدلي» في العام 2015م، وقد حاولت إيران أيضًا الانقلاب على نظام الحكم في البحرين عندما دفعت جمعية الوفاق الشيعية في البحرين لممارسة أعمال شغب ضد النظام في أحداث دوار اللؤلؤة في عام 2011م.
- الطموح النووي الإيراني
ما يزال ملف إيران النووي أحد مجالات التنافس، وهو ملف محاط بغموض شديد من جانب إيران، وفي حال استغلت إيران التهدئة مع المملكة من أجل مواصلة مساعيها لتخطي العتبة النووية او الاقتراب منها استعدادًا لامتلاك سلاح نووي، فإن ذلك سوف يقوض الفرص العملية المتضمنة في الاتفاق بين إيران والمملكة، بل إن هذا سوف يشعل حربًا باردة إقليمية، وربما مواجهة أكثر شراسة، لا سيما أن مساعي إيران النووية في الأساس هي لتأكيد الهيمنة الإقليمية. ولا شك أن تأثير الملف النووي يمتد إلى التعاون الاقتصادي والأمني، فمن الصعب أن تتطور العلاقات الاقتصادية بين الجانبين في ظل العقوبات الأمريكية على إيران، كما أن التعاون الأمني كذلك أمر غير ممكن في ظل الشراكات الأمنية والعلاقات الإستراتيجية التي تربط البلدين بقوى إقليمية ودولية متنافسة.
- عدم الرضا الأمريكي والاسرائيلي
إن الولايات المتحدة وإسرائيل ينظران بعين الريبة إلى الاتفاق، الذي قد يكون قد أنهى مبادراتهما من أجل توسيع اتفاقيات أبراهام، وكذلك تحويل مجرى الصراع في المنطقة وإعادة الاصطفافات ضد إيران، لأن الاتفاق قد يتم تقديره على أنه بمثابة ضربة لمفهوم إسرائيل والولايات المتحدة للأمن الإقليمي، ومعرقل لجهودهما في السنوات الأخيرة لمحاولة تشكيل هيكل أمن إقليمي لمواجهة خطر إيران. ولأن الاتفاق قد يبقي إسرائيل وحيدةً في متابعة سياسة عزل إيران دبلوماسيًا والتصدي لبرنامجها النووي من خلال ضربة عسكرية أُحادية الجانب ضد المنشآت النووية الإيرانية؛ فإنها قد ترى أن الاتفاق ليس في صالحها وقد تسعى إلى تخريبه، لا سيما إذا قضى هذا الاتفاق على أي جهود لتطبيع العلاقات مع المملكة، وأوقف جهودها لتعزيز حضورها العسكري والأمني في الخليج. كما أن تغير نهج الصين من الاهتمام بالاقتصاد وقضايا الطاقة في المنطقة إلى الاهتمام بقضايا الأمن والسياسية الذي كان مسؤوليةً أمريكيةً حصرية قد يدفع واشنطن إلى إحباط فاعلية الاتفاق، فبايدن كان قد وعد من قبل أنه لن يترك فراغًا في المنطقة قد تملؤه الصين.
خاتمة
تجاوز الطرفان السعودي والإيراني، العديد من العقبات للوصول إلى هذا الاتفاق الذي سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة برمتها، لكن تنفيذه يتطلب المزيد من الخطوات اللازمة، ولاسيما فيما يتعلق بإجراءات بناء الثقة والقيام بخطوات عملية لحلحلة القضايا الخلافية بين البلدين. كما أنّ الالتزام ببنود الاتفاق خاصةً الجزء المتعلق باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، سوف يمثل نقطةً محورية في إنجاح الاتفاق وإحراز تقدم ملموس في العلاقة بين البلدين؛ لأنّ جوهر الصراع بين البلدين، يعود إلى المشروع التوسعي والتدخلات الإيرانية في الدول العربية.
*المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، يعرف اختصارًا بـ«رصانة»، (سابقًا مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية). هو مركزٌ أهليٌّ مستقلٌّ يهتم بالشؤون الإيرانية يتّخذ من مدينة الرياض مركزًا له. تأسس المعهد 4 مارس 2016 تحت اسم مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، وفي 13 مارس 2018، أعلن المركز عن تحوّله إلى «المعهد الدولي للدراسات الإيرانية» وإدراج مركز الخليج العربي بعد تطويره وتوسيع مهامِّه تحت مظلته، إلى جانب مركز آخَر متخصص في التدريب والتأهيل، والعديد من الوحدات الإعلامية والتطويرية والإدارية، ومكتبة رقمية متخصصة.يتوّلى الدكتور محمد صقر السلمي حاليًّا رئاسة المعهد.