الحمد لله.. أنا مهرج
انت الجالس على الاريكة تتناول كوب الشاي بصمت ، تعيد حساباتك كرجل عاقل يسيطر على حركاته ويوظف أفكاره في مصلحته ومصلحة عائلته ، تعيد حسابات السنة المنصرمة وتتأمل خيراً في سنة قادمة لا ريب فيها، تضطرّ ان تلوي جسدك لتمدّ رجليك على طرف اريكة اخرى لأن ممسحة زوجتك المتوترة والمتذمرة من عقوبات اشغال بيت لا تنتهي تضرب "اليمين" و:اليسار" و "الوسط" بحركتها على بلاط الغرفة .
ما عاد هاتفك يرنّ كالسابق فالجميع ملتهون بضجيج حياتهم ولا انت تتصل بأحد لان لا كلام لديك مختلف عمّا ادليت به البارحة وقبل البارحة وقبل قبل البارحة، انتبهت انك تعيد وتكرّر نفسك منذ زمن بعيد.
تعيد تصحيح وضعية جسدك بعد مغادرة زوجتك ارض المعركة المفتوحة على مصراعيها منذ النظرة الاولى والابتسامة الثانية والموعد الثالث واللقاء الرابع والارتباط الابدي.
تعلم جيداً أنّ لا شيئاً سيتغيّر بتبدل ارقام السنة ورغم ذلك تبتسم للزمن الآتي وترشو نفسك بعبارات تفاؤلية لأن عكس ذلك اتهامات نارية لك بالاكتآب وبالانهزام وبالتقدم بالعمر و بالتحوّل من حيوية الى جماد.
تعيد تقييم الحال، تعيد الحسابات، ما لك وما عليك، تتمتم :
"الحمدلله، ما زلنا في حال افضل من غيرنا".
تنتبه انك بالأصل ما عدت تملك معنويا اكثر من ثروة عبارة "الحمدلله"لترشو نفسك فيها لتتحملك روحك في كلّ الاحوال.
تذكرك زوجتك بضرورة ان تقوم من مكانك لتبدل خط الكهرباء من "دولة" الى "اشتراك" لأن الغسالة توقفت وامامها غسل كثير .
تقوم متأففاً، لاعناً دولتك والحراك والاحزاب والاقدار وعيشتك، تعبر من أمام مرآة مصلوبة على جدار،تتوقف، تعود اليها خطوة الى الوراء، تنظر لوجهك في اول ساعات السنة الجديدة لتتذكره كل العام القادم لانك غالبا ما تنساه من كثرة الاقنعة التي تضطرّ ان تضعها في حياتك اليومية لتساير الحركات الاسلامية والاحزاب اليسارية والتنظيمات الاصلاحية والمالية والثورات المتتالية والدولة والشبيحة في الحيّ والناس في الكنيسة والمسجد والحسينية والبائع والمتجول والناطور والمصرف وسائق سيارة الاجرة،تمعن النظر بوجهك ، تحرك نهايات شفتيك الى الاعلى، تفرك انفك ليحمرّ، تغمز بعينيك، تتابع سقوط ما تبقى من شَعرك، تضع قبعة طفولية على راسك وتطمئن، تطمئن اكثر، تطمئن اكثر واكثر انك ما زلت تملك وجه مهرّج…
تطمئن انك ما زلت مهرجاً…
تكمل طريقك وتصل للديجانتور وتنجح بابدال الكهرباء من "دولة مارقة" الى" اشتراك حكم الازعر".
الحمدلله فأنا مهرّج.
كل عام وانتم بخير.