الحل في تطبيق الدستور
لو قُدِّر للبنانيين ان يتخلصوا من السلطة الحالية فمن يضمن لهم ان تكون السلطة الجديدة أكثر نزاهة وفعالية؟
ليس سؤالي من باب التشكيك في جدارة ونزاهة كل الوزراء والنواب الحاليين فمنهم من هو أهلٌ لهذا المنصب أو ذاك.
وليس سؤالي نابعاً من ارتيابي في أهلية اللبنانيين للحلول مكان السلطة الحالية فهناك حتماً اشخاص يملكون كفاءات عالية لتولي مناصب عامة ومسؤوليات وطنية كبيرة.
إنما المسألة تتعلق بالضمانات التي تكفل للبنانيين التزام اي فرد أوكلت اليه مهمة عامة القيام بواجباته كما تفرضه الفضيلة الأخلاقية والسياسية من نزاهة وشجاعة وإخلاص وتفاني من أجل المصلحة العامة.
لكني لست من المقتنعين بأن الفضيلة هي ميزة ملازمة ولصيقة لرجال السياسة والا لما كنا في هذا المأزق.
لذلك ان ضمانة اللبنانيين تكمن فقط في قدرتهم على فرض تطبيق الدستور لأنه وسيلتهم الوحيدة للجم تجاوزات السلطة.
ان المضحك المبكي في الأمر هو ان السلطة التي ينتقضها اللبنانيون هي التي تبادر حالياً الى اقتراحات تصب في خانة تطبيق الدستور ورغم ذلك لم يتلقف اللبنانيون هذه الاقتراحات بغض النظر اذا كانوا يثقون بسلطتهم أم لا.
فصحيح ان هذه الاخيرة لم تبدِ جدّيةً في تنفيذ ما أعلنته سابقاً ومراراً عن رغبتها في اشراك المجتمع والتشاور معه في المواضيع الرئيسية وتبيان أرائه لكن ضغط الشارع الذي شهدناه بالنسبة لموضوع الموازنة فرض عليها اعادة النظر في سياساتها. فلينسحب هذا الضغط على كل المواضيع التي نراها جوهرية للخروج من الأزمة دون تعريض البلد لخضات نحن بالغنى عنها وفي ظل أجواء إقليمية ملبدة. إن توازن القوى الحالي وان جنبنا الوقوع في المحظور ، قد وضعنا في حالة تشبه الصمت الذي يسبق الاحتضار. لكننا لم نعد نرتضي ذلك لا لأنفسنا ولا لأولادنا. فنحن اليوم مصرون اكثر من اي وقت مضى على استعادة سيادة دولتنا وحقوقنا.
لقد أعلن الرئيس عون عن نية إقامة مؤتمر لإصلاح القضاء لكننا لم نبادر الى فرض وضع مهلة زمنية لذلك، خصوصاً وان هناك عدة اقتراحات متوفرة حالياً ويتم مناقشتها.
اقترح الرئيس بري إقرار قانون انتخاب نسبي جديد على اساس لبنان دائرة واحدة، لكننا لم نطالب بإنشاء لجنة من متخصصين لمناقشة الاقتراح وإبراز مقترحات أخرى قد تكون مناسبة أكثر .
استاء الكثيرون من استنسابية الرئيس الحريري في اعتماد مهلة زمنية محددة لتشكيل حكومته لكن لم أسمع احداً يطالب بضرورة وضع قانون تنظيم السلطة التنفيذية وتحديد كيفية عملها.
اعتبر البعض أن اقتراحات الوزير باسيل من قوانين كقانون رفع السرية المصرفية وقانون رفع الحصانة وقانون استعادة الأموال المنهوبة ليست سوى لذر الرماد في العيون ولكن لم يتحداه احد في قدرته على إنجاز هذه المهمة وتأمين أصوات فريقه وحلفائه النيابية لإقرارها.
لذلك اسأل ما الذي يريده اللبنانيون حقاً ؟ تحقيق الانتصارات على بعضهم البعض ام تحقيق انتصار واحد هو بناء دولة عادلة لجميع اللبنانيين؟
البعض سيقول ان لا مجال الى تحقيق كل ذلك في ظل وجود حزب الله وسلاحه؟
في الواقع لا يخيفني امر حزب الله فهو لا يختلف عن سائر الأحزاب التي سعت سابقاً الى تحقيق مخططاتها و عقائدها متى وجدت فرصةً سانحة.
ما يخيفني أكثر هو استمرار الآخرين باستباحة الدستور تحت شعار حماية الطائفة وانهماكهم الدائم في المحافظة على مكتسباتهم وغنائمهم وليس على حماية طوائفهم كما يدعون. وهذا النهج البائس غيّب مفهوم الدولة وها هو يعدّ الأرضية ويسهّل افتراس الدولة ونظامها الجمهوري البرلماني الديمقراطي. لذلك لا حل الا باستعادة الدولة هيبتها وهذا الامر يتعلق أولاً وآخراً بإرادة اللبنانيين.
لم أرَ يوماً في الطائفة الشيعية أو غيرها عدواً لي. فجميع اللبنانيين يريدون ان يتم الاعتراف بهم وبإنجازاتهم الوطنية وهذا حق لكل مواطن صالح ووفيّ لوطنه.
وفي المناسبة أقول لمن لديه أحلاماً توسعية، بالله عليكم كيف ستقنعون اخوتنا الشيعة وغيرهم والذين ينهلون من مبادئ مونتيسكيو وفولتير وكانت وسائر المفكرين وفلاسفة التنوير ان يتنازلوا عن الرصيد الذي حققناه بعد الكثير من التضحيات؟
كيف ستقنعون اخوتنا الذين يبحثون عن العلم والمعرفة ويحبون الحداثة والحياة والتمدن ويسعون الى تطوير ذاتهم وإيجاد فرص للنجاح بالاستغناء عن ديمقراطيتهم؟
ثم أليس التاريخ القريب درساً كافياً لتأكيد فشل امكانية استئثار فريق على آخر في لبنان؟
ان الكلمة الأخيرة اليوم هي للبنانيين شرط ان يدركوا ان لا مجال لتفصيل دولة على قياس كل واحد فينا.
منذ انتهاء الحرب ونحن ننتظر لنعيش. لم ننفك نردد أن غداً يوم احسن. ألم يحن موعد هذا الغد بعد؟ ألم يحن زمن فرض تطبيق الدستور بعد؟