الحل بالدولة المدنية الديمقراطية(منى الدحداح زوين)
منى الدحداح زوين* – الحوارنيوز- خاص
مفهوم الدولة المدنية وببساطة هو فصل الدين عن الدولة من دون نكران حق الناس بممارسة شعائرهم الدينية. ولأن الدولة هي دولة للجميع بمعزل عن انتمائهم الديني ،وكما ذكر في مقدمة الدستور اللبناني انه يجب ان تكون مساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل، لذلك يجب أن يكون التشريع في الدولة غيرمرتبط بأي دين من الأديان أو بأي طائفة من الطوائف. وبما ان لبنان هو جمهورية ديمقراطية، فلماذا لا يكون دولة مدنية ديمقراطية، والسبب بسيط هو انه يمكن ان تكون الدولة مدنية وتُحكم على الطريقة الديكتاتورية ويكون الحاكم استبداديا، لذلك لا يكفي ان تكون الدولة مدنية فقط، بل يجب أن تكون الدولة مدنية ديمقراطية.
الدولة المدنية الديمقراطية لا يكون فيها اي قانون تمييز بين المواطنين، لا باسم العرف ولا باسم الدين ولا باسم الطائفة ولا باسم الحزب ولا باسم المنطقة ولا باسم الطبقة…
نحن في لبنان نتغنى بالمساواة، وللأسف نحن نميز بين مواطن ومواطن بحسب طائفته. وعلى سبيل المثال لماذا لا يستطيع مواطن من طائفة الروم الارثوذوكس او الروم الكاثوليك او غيرهما ،ان يكون رئيسا للبلاد. كما انه لماذا لا يستطيع العلوي ان يكون رئيسا للمجلس النيابي او ان يكون الدرزي رئيسا لمجلس الوزراء… وكذلك ايضا بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية هناك تمايز بالارث بين امرأة من طائفة وامرأة من طائفة أخرى. فأين هي المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تحايز او تفضيل عندما نفرض ان يكون رئيس الجمهورية مارونيا ورئيس مجلس النيابي شيعيا ورئيس مجلس الوزراء سنيا وقائد الجيش مارونيا ومدير عام قوى الامن الداخلي سنيا ومديرعام الأمن العام شيعيا؟… ولماذا يقتصر لبنان على ثلاث طوائف فقط في المراكز العليا ونحن 18 طائفة، فلماذا هذا التحايز والتفضيل والفرز واين هي المساواة بين المواطنين؟
ان وثيقة الوفاق الوطني التي تُعرف بدستور الطائف(نسبة الى مدينة الطائف في السعودية) قامت بإصلاحات عدة ومنها الغاء الطائفية السياسية واللامركزية الادارية. فجاء في الوثيقة أن “الغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، على ان يتألف أولا مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقا لقوانين الانتخاب المرعية الاجراء ،والى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقا للقواعد الآتية:
أ- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين
ب- نسبيا بين طوائف كل من الفئتين
ج- نسبيا بين المناطق
وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالاضافة الى رئيس مجلس النوب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.
مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
وفي المرحلة الانتقالية:
أ-تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة
ب-تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العامة والمختلطة وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى وفي ما يعادل الفئة الأولى ،وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأ الاختصاص والكفاءة.
أما في ما يتعلق باللامركزية الادارية:
1-الدولة اللبنانية دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية.
2-توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع ادارات الدولة في المناطق الادارية على أعلى مستوى ممكن تسهيلا لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محليا.
3-اعادة النظر في التقسيم الاداري بما يؤمن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات.
4-اعتماد اللامركزية الادارية الموسعة على مستوى الوحدات الادارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام، تأمينا للمشاركة المحلية.
5-اعتماد خطة انمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالامكانات المالية اللازمة”.
للاسف ان دستور البلاد لم يطبق، وكل ما طبق هو تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية واعطاؤها الى مجلس الوزراء، وبدل ان يسنّوا قانونا انتخابيا خارج القيد الطائفي ليكون مرحلة للوصول الى الغاء الطائفية السياسية، فقد سنّوا قانونا على أساس القيد الطائفي يتناسب مع مصالحهم الشخصية وحتى لم يطبقوا اللامركزية الادارية الموسعة.
واجب على الدولة اليوم ،إما أن تطبق الدستور وإما ان تقوم بتعديله ويكون الحل بالدولة المدنية الديمقراطية.
*أستاذة في المواد القانونية