الحلال والحرام في حملة ترامب الانتخابية
واجه رئيس الولايات المتحدة الاميركية دونالد ترامب خصومه في العالم بطرق مختلفة، ووسع مروحة تدخله في معظم الدول التي تقف بوجه سياساته القاضية بضرب حركات تحرر الشعوب من جهة وبقضم خيرات بلاد تلك الشعوب من جهةٍ ثانية.
وتعرض ترامب لنكسات داخلية مهمة كانت سببًا في تراجع شعبيته وتهاوي أسهمه الرئاسية، وتظهرت جليًا نكساته الداخلية من خلال الاستخفاف بجائحة كورونا، إذ وفي هذا السياق، انتقد الفيلسوف وعالم اللغويات الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي، تعامل الرأسمالية مع الأوبئة والجوائح، واعتبر أن "الأمر الذي يبرع فيه قادتنا خلال الأربعين عامًا الماضية هو صب الأموال في جيوب الأثرياء والمسؤولين التنفيذيين للشركات مع ترك كل شيء آخر يتحطم".
وقد كان لافتًا عجز الادارة الاميركية عن التعامل الأمثل مع هذه الجائحة حيث تضاعف معدل البطالة من خلال ترك أكثر من 20 مليون أمريكي وظائفهم، ومن المتوقع أن يصل معدل البطالة إلى 12.6%، وهو أعلى مستوى منذ أربعينيات القرن الماضي، وفقاً لمتوسط التوقعات في الدراسة الشهرية التي تجريها مؤسسة "بلومبرج" عبر استطلاع آراء 69 خبيرا اقتصاديا، والتي أشارت الى تسجيل 5.245 مليون طلب جديد للحصول على إعانة بطالة.
وظهرت سياسة الولايات المتحدة الاميركية، في أسوأ نماذجها عالميًا، حيث مارس ترامب سلوكًا عنصريًا تجاه شعوب العالم، بمنعه وصول المساعدات الطبية الى ايران وعدم مبالاته بموت الناس جراء تفشي الكورونا، كما ومنع مرور طائرات المساعدات الطبية الروسية فوق بولونيا في طريقها الى ايطاليا، بحجة العقوبات المفروضة على روسيا، هذا فضلاً عن تداعيات إلغائه للاتفاق النووي مع ايران منذ سنوات.
أدت هذه الاخفاقات الداخلية الى تراجع شعبية ترامب، فراح يبحث، ومنذ أشهر عديدة، عن انتصارات عالمية يجيّرها لمصلحته في الانتخابات الاميركية المنتظرة بعد نحو شهرين من اليوم.
وبعد فشله بتمرير صفقة القرن بغية تصفية القضية الفلسطينية بدأ يبحث عن انتصارات موضعية، فجهد للاتفاق مع ايران في تعيين الكاظمي رئيسًا للحكومة العراقية، وهو المعروف بعلاقاته المميزة مع الولايات المتحدة الاميركية، كما بدأ بتطبيق قانون قيصر القاضي بتشديد الخناق على الشعب السوري وبالتالي على الدولة السورية، وفي هذا السياق جاء حرق محاصيل القمح في سورية قبل حصدها بأيام. كما حقق يوم أمس خرقًا سياسيًا كبيرًا، إذ تمكن من تتويج مسيرة التعاون والتنسيق العلني والسري والعسكري والسياسي وحتى الطبي، القائمة بين دولة الامارات العربية المتحدة واسرائيل باتفاقية رسمية معلنة بين تل أبيب وابو ظبي، هذا فضلاً عن مختلف أشكال التطبيع الرياضي والثقافي وغيرهما. ومن أبرز الخطوات التطبيعية بينهما توقيع شركات اسرائيلية واماراتية اتفاقية لتطوير حلول تكنولوجية للتعامل مع فيروس كورونا. ومن أكثر المواقف وضوحًا قول وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن قرار دعوة إسرائيل لمعرض إكسبو 2020 في الإمارات هو أمر طبيعي ومنطقي، وإنه لا يمكن استثناء أي دولة من المشاركة. فضلاً عن نشر السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة مقالاً في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، استعرض فيه رؤية حكومة أبو ظبي لعلاقات وصفها بالحميمة مع إسرائيل. وأشار إلى أن إسرائيل والإمارات لديهما جيشان من أفضل الجيوش في المنطقة، وأنهما – من خلال علاقاتهما العميقة والطويلة مع الولايات المتحدة- بإمكانهما خلق تعاون أمني مشترك وأكثر فعالية، في تلميحٍ هو الأخطر من نوعه لجهة تقريب الوجود العسكري الاسرائيلي على مشارف الجغرافية الإيرانية. فالامارات لا تربطها حدود مشتركة مع العدو وهي ليست في حاجة الى اتفاقية سلام بقدر ما هي اتفاقية تطبيع وتعاون سيكون مردودها لصالح اسرائيل على جميع الصعد وبخاصة على صعيد محاصرة ايران والضغط عليها عن قرب.
من هنا أيضًا ندخل الى مسألة تأليف الحكومة اللبنانية والتقاطعات الفرنسية والاميركية والسعودية والروسية والايرانية والتركية، فترامب سيسعى جاهدًا الى تحقيق هدفٍ جديد له في المنطقة يؤهله في المحصلة للفوز بولاية رئاسية ثانية، فهل تتألف حكومة لبنانية تحت وقع هدير حاملات الطائرات التي يبدو أنها أصبحت في حاجةٍ الى شرطي مرور يسهل لها طريقها في البحر الابيض المتوسط؟ فمن سيكون ذلك الرئيس الذي سيسهم في منح ترامب إشارة المرور الى البيت الأبيض؟ سعد الحريري أم نواف سلام؟ فكلاهما يحققان رغبتي فرنسا الطامحة لدور لها في المنطقة بعد أن نافسها التركي، أو أميركا ترامب اللاهث خلف كرسي الرئاسة في بلاده؟