الحكم في قضية الحريري في المربع الاخير.. وخبراء يؤكدون ان دليل الاتصالات مشكوك بمصداقيته
مع بداية شهر حزيران تدخل غرفة الدرجة الأولى لدى المحكمة الخاصة بلبنان المربع الأخير قبل النطق بحكم البداية في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري. أشهر قليلة جدا وتصدر الغرفة حكمها بعد أن تكون قد راجعت 151,681 صحفة من صفحات الأدلة وقارنتها ببعضها وخرجت بإستنتاجات منطقية، وأعادت تلخيص شهادات 307 من الشهود ودققت ب3100 بيّنة وكل ذلك خلال 425 جلسة علنية في غالبيتها.
بعد عملية التثبت من موثوقية الأدلة تعكف الغرفة على كتابة تقريرها الذي سينتهي بحكم قابل للإستئناف، والغرفة الآن باتت على مقربة من بدء صياغة تقريرها بعد أن فرغت، أو تكاد، من "المداولة بشأن ما إذا كان الادعاء قد أقام الدليل على قضيته بدون شك معقول، وسوف تصدر في الوقت المناسب حكما بحسب الأصول القانونية".
يستند الإدعاء لدى المحكمة الخاصة بلبنان في تقديم قضيته إلى رواية سياسية (الخلفية السياسية) وعلى أدلة الإتصالات التي قدمها الادعاء مستندا إلى داتا بعضها رتب على عجل وبعضها إفتراضي وعلى تزامن مكاني من السهل تركيبه تقنيا وداتا يمكن اللعب بمضمونها زيادة ونقصانا بإقرار وإجماع خبراء الاتصالات.
أما الرواية السياسية فقد ركب الادعاء فصولها إستنادا الى إفادات لسياسيين معظمهم موظفون لدى الرئيس الحريري برتب مختلفة، أو منتفعون منه أو مستغلون لموقعه. وحده شاهد الادعاء الراحل مصطفى ناصر قال كلاما حقيقيا ومباشرا وليس منقولا أو موضع تقدير وتحليل وإستنتاج الشاهد، حتى أن أقرب المقربين للرئيس الحريري اعتبروا شهادة ناصر هي الأكثر صدقية من روايات شهود، هم في غالبيتهم المطلقة خصوم سياسيون لحزب الله وحلفاء سياسيون للولايات المتحدة الأميركية، وقيل أن بعضهم جاءت بهم السفارة الأميركية نوابا ومستشارين لدى الحريري! وصدقية ناصر إنما تتأتى من قربه للرئيس الحريري ومواكبته المباشرة واللصيقة في ما يتصل بعلاقته بحزب الله وإجتماعاته مع السيد حسن نصرالله.
سيكون على الغرفة أن تتجاوز عقبات – عقد كبيرة أبرزها:
1- دور الإنتحاري الإفتراضي أحمد أبو عدس والمعطيات الدامغة التي عرضها ياسر حسن محامي الدفاع عن المتهم حسين عنيسي ،والتي تؤكد علاقة أبو عدس بتنظيم القاعدة وتأييده لعمليات إرهابية داخل المملكة العربية السعودية وعلاقته الموثقة مع أحد قادة القاعدة في سوريا ولبنان المدعو خالد طه.
2- سيكون على الغرفة تقدير حجم الضغوط التي مورست لعدم مثول شهود من آل أبو عدس بناء لطلب أحد فرق الدفاع، أو لواقعة غياب المسؤول عن أمن الرئيس الحريري وسام الحسن ورأي المحقق الدولي المشهود له بو أستروم.
3- سيكون عليهم تبرير القفز فوق تزامن مكاني لهواتف أخرى عرضها فريق الدفاع عن صبرا وتعود الى ضباط في قوى الأمن الداخلي وكانت تتماشى مع حركة الاتصالات التي كانت تجري من الهواتف الأرضية بمحطة الجزيرة.
تكثر الفجوات في رواية الادعاء، ولا أحد يعلم إلى أي حد ستغطي الغرفة هذه الفجوات أو تكشف عوراتها، إلا أن الثابت أنها ستكون أمام المعضلة الأهم المتمثلة بموثوقية دليل الاتصالات الذي يرى فيه قاض لبناني رفيع: "كاف للشك لكنه غير كاف للإدانة".
الحوارنيوز طرحت بعض الأسئلة التقنية على خبير في قطاع الإتصالات "وإلى أي حد يمكن للتقنيات أن تلعب دورا يبدل في معطيات الداتا الفعلية أو يصنع داتا وهمية إذا جاز التعبير وهل يمكن الإستدلال بأمثلة مادية؟
أوضح الخبير أن "ما يسمى داتا الاتصالات هي بيانات رقمية تنتجها الشبكة لتسجل من خلالها معلومات كثيرة عن حركة مستخدِمي الشبكة. بعد انتاج هذه البيانات تنقل بطريقة آلية وليست يدوية، إلى نظامي الفوترة وخدمة الزبائن، ويتم نسخها على وسائط تخزين لحفظها وارشفتها.
طبعاً من الممكن بعد انتاجها، حذف او تعديل أو إضافة بيانات منها أو فيها أو عليها. من المفترض، على الأقل نظرياً ان يتم تسجيل هذه التغييرات مع تفاصيلها: ما تم تغييره ولماذا، ومن قام بالتغيير ومتى …الخ
من الممكن، على الأقل نظرياً، التلاعب بهذه المعطيات، من خلال معلومات سيناريوهات الإتصال (Data transcript) التي تتم برمجة الشبكة على أساسها، ولكن هكذا تلاعب سينعكس على كل المعطيات ويمنع الفوترة الدقيقة وإدارة برامج خدمة الزبائن، ومن غير المرجح أن يكون هناك تلاعب على هذا المستوى في الشبكة.
التلاعب الأسهل الممكن هو في خلق حركة فعلية بأرقام معينة من خلال توأمة شرائح الخطوط، يعني أن الخط صاحب الرقم كذا موجود في مكانين مختلفين في نفس الوقت وعلى اتصال مع رقمين مختلفين، وهذا الأمر يخلق داتا فعلية ولكن متناقضة في الشبكة".
وعما قالته شركتا الخلوي العاملة في لبنان عام ٢٠٠٥ بأن الداتا لديها كانت غير موجودة وأن محطات الإرسال تعرضت الى اصابات خلال العدوان الإسرائيلي في العام ٢٠٠٦ فوافقت المحكمة على الإستناد الى وقائع إفتراضية. ولكن الى أي حد يمكن الركون الى مثل هذه العمليات؟
قال الإدعاء ان ترابطا مكانيا ثبت بين هواتف نفذت الجريمة وهواتف المتهمين، واستند الإدعاء على ذلك في قراره الإتهامي الذي تبناه قاضي الإجراءات التمهيدية وعملت غرفة البداية كما لو انه نهائي وثابت… الى اي حد يقبل علم الإتصالات مثل هذا الكلام؟
اعتبر الخبير أنه "في الشق الأول من السؤال قانوني أكثر مما هو تقني، فما توافق عليه أية محكمة وما لا توافق عليه مرتبط بتقديرها القانوني وبمدى التزامها الفعلي بالمعايير القانونية التي أُنشأت بموجبها.
اما بالنسبة للشق الثاني، وكما ورد أعلاه، فإن نظرية التزامن المكاني تسقط حكماً عندما نستطيع أن نبرهن أن هذا الخط موجود وفاعل في مكانين مختلفين في وقت واحد، وهو ممكن حتماً، وقام به فعلياً فريق من الصحافة الاستقصائية على تلفزيون الجديد وبثه على الهواء.
كل الإجابات الواردة اعلاه، هي من باب الخبرة بما يحصل عادة وبشكل طبيعي في شبكات الاتصالات، ولكن هنالك عالم آخر واسع وعميق، لا أدعي الخبرة فيه، وهو عالم القرصنة في الاتصالات، أي سرقة "هوية الخط" و"هوية جهاز الهاتف" وإلحاقها بخط آخر وجهاز آخر، وغيرها من العمليات التي تحصل لدواعي السرقة أو العمليات ذات الطابع الأمني، وهذا العالم له خبراؤه".