الحظ العاثر لحكومة دياب :الصورة السوداء في وطن النجوم أنا هنا!
لا يحسدن أحد حكومة حسان دياب ،رئيسا ووزراء ،على حظها العاثر الذي تسبح فيه ،حتى من قبل أن تغسل يديها وتبدأ العمل ،إذ لم تكن الحكومة قد نالت الثقة بعد ،حتى دهمت العالم جائحة كورونا وفعلت فعلها على المستويين المحلي والخارجي.
وليس واقعيا الكلام السخيف الذي يُتداول أحيانا عن أن جائحة كورونا خدمت الحكومة ،بل الواقع أن بعض خصومها ربما يقهقهون شامتين حيال العقبات التي تواجه الحكومة بسبب الكورونا ،كأن البلد لا يعنيهم من قريب أو بعيد.
وفي هذا السياق ثمة أسباب منطقية كثيرة، داخلية وخارجية، تدفع الى هذا الاستنتاج، يمكن اختصارها كالآتي:
أولا:كان يفترض بالحكومة أن تتفرغ في المائة يوم الأولى لمعالجة التراكمات التي خلفتها العقود الماضية في كل المجالات ،خاصة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية ،وهي غنية عن التعداد.لكن الحكومة في هذه الفترة الزمنية انشغلت بمعالجة تبعات وباء كورونا ،وخصصت الجزء الأكبر من جهودها لهذا الغرض ،وقد نجحت الى حد كبير باعتراف الجميع لدرجة يعد لبنان من الدول ال12 الأولى في العالم لجهة محاربة هذا الوباء .
الا أن النتائج الكارثية على الأرض لم يسلم منها لبنان ،اقتصاديا وماليا ومعيشيا .يكفي في هذا المجال تعطل الحياة بمجمل قطاعاتها خلال المرحلة الماضية وما تزال.ويكفي اضطراب حبل الموازنة العامة ،لجهة الواردات التي كانت متوقعة ،ما يدخل الحكومة والبلد في ارتباك كبير.وتكفي المشاكل الناجمة عن هذا الواقع في جميع المجالات،والأحمال التي ستقع على عاتق الحكومة لمعالجتها في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد.
ثانيا:أمام ما تقدم سوف تواجه الحكومة الكثير من الصعوبات أمام حالة الركود التي بدأت وسوف تستمر في معظم القطاعات.فعلى سبيل المثال ،ونتيجة انهيار الليرة اللبنانية وارتفاع الأسعار بشكل فاجر ،وتراجع مداخيل الغالبية العظمى من اللبنانيين ،سوف تقتصر مصروفات هؤلاء على الطعام والحاجات الضرورية جدا،ولسوف تكتفي هذه الغالبية بما تملك من مقتنيات ،بدءا بالجوارب وانتهاء بالضروريات والكماليات الأخرى،ولا مجال لتعدادها في هذه العجالة.فماذا يعني ذلك ؟ ..باختصار سيصيب الركود قطاعات أساسية كثيرة في البلد،والنتيجة :ركود فإفلاس فإغلاق فبطالة.وعليه ستكون الحكومة حائط المبكى الوحيد أمام الناس ،وهي لا تملك من الحلول ما يشفي الغليل على قاعدة "العين بصيرة واليد قصيرة".
ثالثا:وهنا يبدو الرهان على المساعدات الخارجية ضيقا للغاية لأكثر من سبب:
1- خلال العقود الماضية كان لبنان يراهن على التدفقات المالية للمغتربين اللبنانيين، حتى بلغت في مرحلة ما ما يزيد على ثمانية مليارات دولار.وقد تراجعت هذه التدفقات خلال السنوات الماضية بسبب الإجراءات المصرفية التي فرضتها العقوبات الأميركية ،لكن الطامة الكبرى نجمت عن حجز ودائع المغتربين في البنوك خلال الأشهر الماضية ،ويعلم الله متى سيتم الإفراج عن هذه الودائع .وعليه سوف تتوقف،أو هي توقفت تدفقات المغتربين نهائيا ،باستثناء بعض القروش التي يرسلها المغتربون بطرق مختلفة لاعالة أهلهم في لبنان.
2- كان لبنان يراهن دائما على مساعدات الأشقاء والأصدقاء ،لكن هؤلاء اليوم ينشدون من يساعدهم .فعندما يطلق وزير المال السعودي سياسة شد الأحزمة ،ويعلن أن المملكة سوف تستدين من الأسواق العالمية هذا العام 220 مليار ريال (أكثر من ستين مليار دولار) لسد احتياجاتها..وعندما تظهر التقارير حجم الكارثة في الدول المانحة نتيجة الركود ووباء كورونا ..وعندما تبرز الدراسات الأرقام الكارثية للخسائر الاقتصادية والبطالة في الولايات المتحدة ..وعندما تتراجع أسعار النفط الى المستوى الذي بلغته حاليا..وعندما وعندما الخ..يصبح رهان لبنان على المساعدات الخارجية رهانا خجولا ،على قاعدة "شحاد يستجير بمفلس".
3- يبقى الرهان على الاستدانة ،ولا سبيل الى ذلك الا الصناديق الدولية ،وفي طليعتها صندوق النقد ،وهو ما تبتغيه الخطة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة .لكن الجميع يعرف أن صندوق النقد ليس جمعية خيرية ،وأن شروطه في دول العالم أفقرت الكثير من الدول .وليس في لبنان بالتالي إجماع على هذه الشروط ،ما يضع الحكومة وسط تجاذبات مضنية ،ويجعلها "كالمستجير من الرمضاء بالنار".
وبعد،
أمام هذه المعطيات ،هل يشككن أحد بالحظ العاثر لحكومة حسان دياب،إذا ما أضفنا الى ذلك حجم الترف السياسي للقوى اللبنانية والذي يتظهر يوما بعد يوم ،في التعامل مع واقع الحال؟
ويبقى السؤال:هل الصورة سوداء الى هذا الحد في "وطن النجوم أنا هنا"؟
للأسف نعم!هي صورة سوداء تصارع أبواب الأمل. وللمرة الألف نقول: المشكلة في النظام السياسي ،والإصلاح سياسي قبل أن يكون إقتصاديا.أما كيف ،فهذه حكاية أخرى!