بقلم محمد صادق الحسيني
على الرغم من سنواته الثمانين ، وتعثره المتواصل ، وما يعانيه الرئيس الاميركي جو بايدن ، من اعراض الخرف المتقدم ،الا ان الدولة العميقة قد قررت إعادة ترشيحه للانتخابات الرئاسيه الاميركيه المقبله ، سنة ٢٠٢٤ ، الامر الذي يجعل كل مراقب او محلل سياسي يطرح السؤال الاساسي ، حول الاسباب التي تدفع بالدوله العميقه ، او ما يسمى بصانعي القرار في الولايات المتحده ، الى اختيار هذا االرجل ليتقلد مثل هذا المنصب الهام والحساس والخطير جداً ، والذي قد يتسبب بنشوب حرب نووية عالمية ، تؤدي الى فناء البشريه ؟
ومن بين أهم الاسباب الكامنة وراء ترشُح بايدن لهذه الانتخابات ما يلي :
اولاً : الضعف الجسدي والعقلي ،الذي يعاني منه الرئيس الاميركي ، ما يجعله غير قادر على قيادة البلاد بطريقة عقلانية لا تشكل خطراً على البشرية جمعاء …. اذ ان هذا الضعف سيعطي هامشاً اوسع بكثير ، لاركان الدولة الاميركية العميقة ، من اجهزة مخابراتية وعسكرية ، لتمرير ما تريد من القرارات ، سواء على صعيد البيت الابيض او حتى على صعيد الكونغرس الاميركي ، وهي القرارات التي تسمح لهم بمواصلة سياسة العدوان العسكري ، في كل انحاء العالم .
ثانياً : وفي هذا الاطار نرى ان الدبلوماسية الاميركية ،سواءً العسكرية منها والمتمثله في زيارات وزير الحرب الاميركي ورئيس هيئة الاركان العامة المشتركة الجنرال مارك ميللي ، للكثير من عواصم العالم ، او حتى دبلوماسية البيت الابيض ، المتمثله بالرئيس الاميركي واركان ادارته ، الى جانب تحركات وزير الخارجيه الاميركي انتوني بلينكن ، والتي تصب جميعها في طاحون التحشيد العسكري الصاخب ، ضد كل من الصين الشعبيه وروسيا الاتحادية والجمهورية الاسلامية .
ثالثاً : يضاف الى ذلك حضور الرئيس الاميركي لقمة الدول السبع ، المقرر عقدها في مدينة هيروشيما اليابانية ، التي سوتها القنابل النوويه الاميركيه بالارض بتاريخ ٩/٨/١٩45 ، وهي القمه التي ستعقد بين ١٩- ٢١ / ٥ /٢٠٢٣ ، حيث سيدعو الرئيس الاميركي اذناب واشنطن في تلك القمة لفرض مزيد من العقوبات ،على الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وايران الاسلامية ، كحلقة من حلقات تأجيج التأزم الدولي وتمهيد الطريق الى صدام نووي دولي ، تسعى قوى الحرب الاميركية ، بقيادة الدولة العميقة ، الى تفجيره خدمةً لمصالح المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة بشكل خاص وخدمة لمصالح الشركات المتعددة الجنسيات بشكل عام .
رابعا : ليس ذلك فحسب ، بل ان ألرئيس الاميركي سيتوجه بتاريخ ٢٤/٥/٢٠٢٣ الى سيدني ، لحضور قمة ” الكواد ” وهي المنظمة التي تضم الولايات المتحدة واليابان والهند واوستراليا ، والتي تعمل واشنطن على تحويلها الى نظام امني عسكري موجه ضد الصين الشعبية وروسيا بشكل اساسي ، خاصةً اذا ما اضفنا اليها تحالف أوكوس / AUKUS / الانغلوساكسوني ، الذي يضم كلًا من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا واوستراليا وما تبع ذلك بتزويد اوستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية وقادرة على حمل رؤوس نووية ، في خطوةٍ لا هدف لها الا روسيا والصين واشعال الحروب في عموم مناطق جنوب شرق آسيا وشمال المحيط الهادئ ، الى جانب التواجد العسكري الاميركي الكثيف في اليابان وكوريا الجنوبية وبحار الصين جميعها ، بحجة الحفاظ على ” حرية الملاحة ” في تلك المناطق الحساسة من العالم .
ولعل المخططات الاميركية ، الجاري تنفيذها حاليًا ، لاقامة اربع قواعد اميركيه جديده في الفلبين ، احداها في شمال الفلبين ، وعلى مقربة ( نسبياً ) من جزيرة فورموزا الصينية المنشقة عن الوطن الام ، وما يخطط له الرئيس الاميركي من اجتماع في سيدني ، مع رؤساء مجموعة دول ، من جزر المحيط الهادئ الصغيرة ،، خلال زيارته لاستراليا في ٢٤ /٥/٢٠٢٣ ، وما اعلنته الخارجية الاميركية اليوم حول نيتها فتح قنصلية اميركية في جزيرة تونغا ، في المحيط الهادئ ، لهي أدلةً اضافيةً على نوايا واشنطن في عسكرة المحيط الهادئ وتسريع عمليات الحشد الاستراتيجي هناك ، تمهيداً لاشعال سلسلة من الحروب بين دول المنطقه وتوسيع نطاقها لتشمل حمهورية الصين الشعبيه . ولنا في تسارع وتيرة التسلح الياباني واحياء روح العسكرتاريا اليابانيه من جديد ، الامر الذي يهدد الاستقرارالدولي بشكل خطير جداً .
خامساً : كما يجب التذكير بقيام وزارة الدفاع الاميركية / سلاح الجو الاميركي / بنشر اسراب من المقاتلات الاميركية ، المخصصة لضرب عمق اراضي العدو ، من طراز : A 10 / Thunderbolt ( البرق ) في القواعد الاميركية في قطر والاردن وتزويد تلك القواعد بالقذائف الذكية المضادة للتحصينات ، من طراز : GBU – 39 ، حسب ماجاء في صحيفة الشرق الاوسط السعوديه بتاريخ ٢٩/٤/٢٠٢٣ . علماً ان هذا النوع من القذائف الذكيه قادر على اختراق عدة امتار من الخرسانة المسلحة ، التي تستخدم في انشاء التحصينات العسكريه او تلك المخصصة لحماية المنشآت الصناعية الحساسة .
هذه الخطوة يرى فيها المراقبون جزءاً من حملة الضغط المتعددة الاوجه ضد الجمهورية الاسلامية الايرانيه ، في محاولةٍ يائسة لثني ايران عن تعميق تعاونها العسكري ، وخاصة تعاونها البحري مع سلاح البحرية الصيني والروسي ، والتدريبات البحرية المشتركة التي اجريت مع سلاح البحرية الايراني في غرب المحيط الهندي ، منعاً لتنمر الاساطيل البحرية الاميركية في تلك البحار وتهديد الملاحة الدولية فيها .
اذن ،الدولة العميقة الاميركية ، وعلى رأسها جو بايدن ، لم تكتفِ باشعال حربٍ مدمرة في اوروبا ، بهدف تدمير الدولة الروسية والاستيلاء على ثروات البلاد الطبيعية ، وانما هي تعمل حالياً ، وبوتيرة عالية جدًا على اعداد مسارح حروب جديدة ، في جنوب شرق آسيا حيث المصالح الاستراتيجية لكل من جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية ( مناطق جنوب شرق روسيا / مقاطعة ڤلاديوستوك ) .
سادساً : اما الدليل الاخطر على نوايا واشنطن الخطيرة ، في ما يتعلق بمواصلة الحشد العسكري في جنوب شرق آسيا ، فهو الاعلان الاميركي الكوري الجنوبي المشترك ، قبل ايام معدودة ، حول ما أسمته واشنطن ” تعزيز الردع النووي ” في آسيا ، او بالاحرى مشاركة كوريا الجنوبية في السيطرة على الاسلحة النووية الاميركية في تلك المنطقة من العالم .
صحيح ان المساعد الخاص للرئيس الاميركي وعضو مجلس الامن القومي الاميركي ، ايدغار كاغان ، قد حاول التخفيف من وقع هذا القرار الاميركي الخطير ، حيث صرح حسب ما نشرته وكالة “يونهاب” الكورية الجنوبيه بتاريخ ٢٨/٤/٢٠٢٣ ، بان قرار تعزيز الردع النووي في كوريا الجنوبية لا يعني مشاركة كوريا في امتلاك الاسلحة النووية الاميركيه .
ومن نافل القول طبعا ان تصريحات هذا المسؤول الاميركي الرفيع ليست أكثر من ذر للرماد في العيون وذلك للاسباب التاليه :
ان جوهر القضية ليست الملكية القانونية لسلاح التدمير الشامل هذا ، وانما يكمن الجوهر في اعطاء الجهات العسكرية الكورية الجنوبية الحق في استخدامه، خاصة ذلك السلاح المسمى القنابل النووية التكتيكية ، التي يطلق عليها اسم :
B – 61 / 12
وهي قنابل نووية ، تطلق من معظم أصناف المقاتلات الاميركية ، وتصل قدراتها التدميرية الى ما يوازي الف ومائتين وثلاثة وخمسين كيلوطن ( كل كيلو طن يساوي الف طن ) من مادة T N T ، وهوما يعادل ٨٣ ضعف القنبلة النووية الاميركية التي ضربت بها مدينة هيروشيما اليابانية ، سنة ١٩٤٥ .
اما الاخطر من هذا وذاك فهي حقيقة ان الانظمة العسكرية الاميركيه تخول قادة القواعد الاميركية ، التي تخّزن هذا السلاح الخطير ، تخولهم حق اصدار الاوامر باستخدامه دون ضرورة العودة لوزارة الدفاع الاميركية او للادارة الاميركية ( البيت الابيض ) وذلك كونه سلاحاً تكتيكياً ليس استراتيجياً ، على الرغم من طبيعته التدميرية الهائلة .
اذن فهي الوصفة الاكيدة لاشعال حرب واسعة النطاق ، ان لم تكن حرباً نووية عالمية ، وذلك لان واشنطن وسيؤل ستستعملانه ضد كوريا الشمالية ، تحت حجة الضربة الاستباقية ” لمنع وقوع هجوم نووي ” كوري شمالي ضد كوريا الجنوبية ، حليفة واشنطن واحدى ادواتها الرئيسية في تصعيد التوتر العسكري في جنوب شرق آسيا .