الحريري يعود إلى “العزلة”: نهاية مفعول فائض القوة”
الحوار نيوز – الأخبار
تحت هذا العنوان كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “الأخبار”:
ما إن أقلعت طائرة الرئيس سعد الحريري إلى الإمارات العربيّة المتّحدة، حتى عاد اليأس ليتسرّب إلى نفوس أنصاره وكوادر تيّاره. ظنّ هؤلاء بعد عودة زعيمهم إلى بيت الوسط وفتح أبوابه لاستقبالات سياسيّة وشعبيّة أنّ تطوّراً ما خفّف من «إجراءات الاعتكاف» وسيؤدّي إلى «رفع العقوبات» عن رئيسهم.
لكن لا شيء من هذا حصل. استقلّ الرجل طائرته وعاد إلى «منفاه الطوعي»، مخلّفاً وراءه خيبة جمهور لا يزال بعضه يُراهن على أنّ الحريري لم يقطع «One way ticket». «سعد راجع»، يُردّدون، قبل أن يُضيفوا إليها عبارة «يوماً ما». إذ يُدرك هؤلاء أنّ الحريري غير قادر على كسر «الحصار» السعودي والخروج من تحت غطاء المملكة ورعايتها. والرعاية تعني حُكماً «خطف» القرار، وصولاً إلى خطف «صاحب القرار» إذا ما استدعى الأمر، كما حصل في تشرين الثاني 2017.
يتفهّم المستقبليون، قياديّين وقاعدة، عدم القدرة على تحدّي «وليّ الأمر»، لكنهم غير قادرين على تجرّع تحوّل قائدهم إلى «مستضعفٍ» يسحب خلفه طائفة بأكملها. لذلك، فرحوا بـ«فائض القوة» إبّان وجود الحريري في بيروت، بعدما بدا أن «أيّام العز» عادت: أنصار «التيّار الأزرق» يتجمهرون حول ضريح الرئيس رفيق الحريري ويتوجّهون إلى بيت الوسط، اتصالات تنهال على الزعيم العائد طلباً لمواعيد متلاحقة، وعاد بيت الوسط خليّة نحل. ارتفعت نسبة «الأدرينالين» في العروق، قبل أن يثبط سفره العزائم وتعود «السوداويّة» للتسلّل إلى العقول: ماذا لو خرج من الحياة السياسية نهائياً؟
جمعيّة خيريّة
لا كوادر التيار ولا جمهوره أقنعهم الخطاب المتناقض الذي قدّمه الحريري، على مدى الأيّام الستّة التي قضاها بينهم: ضدّ «المنظومة» التي التقى كل رموزها، لقاءات سياسية لزعيم يرفض أن يكون في قلب المعادلة السياسيّة، يسأل عن تطورات ملف الرئاسة ويرفض أن يتدخّل فيه. يسأل كوادر في التيار الأزرق: «ماذا يعني تأكيده أن بيت الوسط سيبقى مفتوحاً، ليعود ويُقفله من جديد بعدما أقفله سنة كاملة؟». يرى هؤلاء أنّ تعليق العمل السياسي لحزب سياسي يعني «تحوّلنا إلى جمعيّة خيريّة. وحتى هذه المهمّة، لسنا قادرين على القيام بها. كيف لكوادر في تيار سياسي أن يتحوّلوا إلى عاطلين عن العمل بمجرّد اعتكاف رئيسهم، وكيف لحزبٍ ألا يُمارس مهامه الطبيعيّة؟». والأهم، «كيف يترك قائد ناسه في أزمة كالتي نحن فيها؟».
يأخذ هؤلاء على قياديّي تيار المستقبل غيابهم عن السمع: ورشة تنظيميّة مؤجّلة منذ أكثر من عامين. وتنسيقيّات لم تجتمع منذ أشهرٍ طويلة، باستثناء اجتماعات متباعدة للمكتب السياسي، وخلافات مستشرية بين القياديين ولا سيّما بين «الأحمدين»، الحريري وهاشميّة، فيما يقطع رئيس التيّار التواصل مع كل كوادره بمجرد وصوله إلى مقر إقامته، كما لو أنّه غير موجود. في ظل ذلك كله، أوصى الحريري كوادره، في اليوم الأوّل من لقاءاته، بأنّ عليهم الإبقاء على الأعمال التنظيميّة للتيّار وزيادة مساهماتهم في العمل الاجتماعي والنقابي! وزاد الطين بلة أنه كان واضحاً بأنّ عليهم تأمين التمويل «وأنا سأرى عمّا إذا كان بإمكاني تأمين تمويل خارجي». وعليه، «فالعمل الاجتماعي الذي يُريده الحريري من دون فتّ مال، وفي ظل انعدام الخدمات والتوظيفات، يعني غيابنا تماماً». الأمر نفسه ينطبق على العمل النقابي «الموسمي»، فضلاً عن أنّ «نجاح بعض التجارب الانتخابية في نقابات المهن الحرّة لم يكن نتيجة أفكار قياديّي التيّار وتخطيطهم، وإنّما لأنّ خيار خوض هذه الانتخابات فرضه النقابيون المحسوبون على المستقبل، وليس العكس، كما حصل في انتخابات نقابة المحامين ونقابة أطباء الأسنان».
يخشى هؤلاء من أنّ «الزُهد» بالسياسة والتنظيم يعني خسارة المزيد من الكوادر، بعدما أدّت أزمة الحريري الماليّة والتسويات السياسيّة التي قادها، واعتكافه عن العمل السياسي، إلى هجرة كثيرين منهم سابقاً». كلّ هذا، يثير قلق قياديّي «التيّار الأزرق» من أن تكون زيارة الحريري أشبه بـ«فافوش» ليتحوّلوا إلى «عدم» بين ليلةٍ وضحاها. هم الذين خطوا من بداياتٍ واعدة انتهت بإحباطات. يؤكّد هؤلاء أنّهم حاولوا جاهدين تنظيم زيارة الحريري بكل تفاصيلها لإعطائه «push» يتّكئ عليه حينما يعود إلى عزلته، لأنه «أكثر من يحتاج إلى رفع المعنويّات».