دولياتسياسة

الحرب الروسيّة الاوكرانيّة تكشفُ دور المصير الجغرافي المُشترك (د.جواد الهنداوي)

بقلم د. جواد الهنداوي* –خاص الحوار نيوز

 لم تعُدْ الحرب روسيّة – أوكرانيّة ،بل اصبحت روسّية امريكية -اوروبيّة ، عسكرياً وسياسياً و اقتصادياً ، تتدحرج كُرتها ، يوماً بعد يوم نحو التوسّع ونحو التوجّه بأيقاظ الاسلحة الاستراتيجيّة .

   اجراءات امريكا والغرب تجاه الحرب تُعّبر ، على مايبدو ، عن نواياهم وعن رغبتهم في التصعيد والتوريط ، توريط الطرفيّن، روسيا و اوكرانيا ، روسيا كقوّة مُستَهدَفة ، واوكرانيا كساحة صراع ، وكبوابة لاستهداف روسيا .

لا يهّمُ امريكا مِنْ العالم سوى امرين : الاول هو أنْ تبقى القوة العظمى الوحيدة التي تتحكمْ وتُملي ، والامر الثاني هو حماية وهيمنة مصالح اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط ،و ايضاً في اوروبا وفي العالم . ولا يهّمْ امريكا ،من اجل تحقيق هذيّن الهدفيّن أنْ تعيش اوربا في حالة حرب و فوضى و تداعياتهما ، بل لامريكا مصلحة في ذلك ، طالما في الامر اضعاف لروسيا و اضعاف لاوروبا و دون تكلفة بشرية و مادية على كاهل امريكا .

  تبنّت امريكا بعد هزيمتها وفشلها في افغانستان ، ومنذ عهد الرئيس الاسبق اوباما ،  استراتيجية ” القيادة من الخلف وافتعال الفوضى والحروب ، والقتال بواسطة طرف آخر  ، والمثال على ذلك ، القاعدة  وداعش و الجماعات المسلحّة في العراق و في سوريا وفي العراق وفي لبنان وفي ليبيا وفي اليمن .

   تفكّر امريكا وتسعى في استمرار الحرب ، وعلى خلاف ما تقول وتدعي ، لانها تبحثُ فيها ( في الحرب ) استنزاف روسيا ، وخلق الفوضى على حدودها ، واستثمار الجماعات المسلحة والمتطرفة والنازية مثل كتيبة آزوف و دواعش وادي حوران في العراق ودواعش شمال سوريا و دواعش أسيا لشّن هجمات على روسيا .

    امريكا والغربيون حصدوا خيبة ظنونهم من ان تكون سوريا ساحة استنزاف لروسيا . يجّربون اليوم حظهّم في اوكرانيا ، وليس الرئيس بوتين غافلا عما يخطط له الناتو والغرب ، فمن اولويات اهدافه ألا تتحوّل المعركة في اوكرانيا الى حرب استنزاف او افغانستان ثانية .

    أمريكا تستخدمُ اليوم الرئيس الاوكراني  وسيلة لجعل اوكرانيا ساحة صراع و اقتتال ،ليس فقط ضّدَ روسيا ،وانما ايضاً ضّدَ اوروبا ، من اجل هيمنتها ،مثلما استخدمت صدام لتدمير العراق والمنطقة من اجل مصالح اسرائيل وهيمنتها .

   تسعى امريكا لكي لا تكون روابط الجغرافيا والجوار مصيرا ايجابيا ومشتركا بين دول المنطقة . هذا ما فعلته في منطقتنا العربية حين حرّضت على الحرب العراقية الايرانية ، وساعدت على إطالة أمدها و طلبت من حلفائها في المنطقة تمويل الحرب ومّد نظام صدام بالمال والسلاح ، من اجل استنزاف قوى المنطقة و اضعافها ونشر الفتن والحروب ، وهذا ما حدث لاحقاً حين اقدمَ صدام على غزو الكويت ، وتوالت حروب الاحتلال وداعش والارهاب .

    اليوم جغرافية اوربا تحتضنُ ذات السيناريو ،حيث تصّرُ اوكرانيا على انضمامها الى الناتو ، وبطلب من امريكا والغرب ، وهم يعلمون ان ذلك سيثير حفيظة روسيا وسيهدّد امنها القومي وسيخالف التزامات امريكا والدول الغربية تجاه روسيا بعدم التوسع في حلف الناتو صوب الحدود الروسية ، حسبما تشير اليه وثيقة سريّة موقعّه بين الاتحاد السوفييتي والدول الغربية  وامريكا في آذار عام ١٩٩١ ،نشرتها صحيفة “شبيغل” الالمانية .

    و مما زاد في حذر وغشيّة روسيا تجاه الناتو وخططه ، هو تمادي الناتو في التوسّع جغرافياً ليضم اغلب دول اوروبا الشرقية ، وكذلك التصريح الذي تبناه الناتو في قمته عام ٢٠١٦ حين قال إنَّ روسيا تشكّلُ تهديداً مباشراً لأمن الحلف . 

*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات -بروكسل .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى