الحاج صادق إسماعيل ..وحبيبته النبطية !(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – الحوارنيوز
كانت لحظة قاسية جدا عندما رن جرس هاتفي وأنا أشارك في القمة الروحية في بكركي ،ليفجعني النبأ المؤلم :”استشهد الحاج صادق إسماعيل يا بابا.. قصفوا بلدية النبطية أثناء اجتماع المجلس البلدي”.
صرت أخشى منذ شهرين الرد على الهاتف لكثرة الأنباء المفجعة عن أحبة إرتقوا شهداء أو رحلوا عن هذه الدنيا،وكان آخرهم الصديق والنسيب العزيز الحاج صادق إسماعيل عضو المجلس البلدي لمدينة النبطية.
عرفت صادق إسماعيل قبل سنوات طويلة يوم ربطه الزواج بسيدة فاضلة من أقاربي ،هي السيدة دانيا هاشم إبنة شقيق زوجتي الأكبر المرحوم السيد علي حسين هاشم.والشهادة لله أنه دخل قلبي وعقلي وضميري منذ اللحظة الأولى ،وهو عنوان للدماثة والأخلاق والطيبة والثقافة العالية ،ولطالما تداولنا معا ظروف البلد وآفاق المستقبل، وتوافقنا في الرؤية .
أحب الحاج صادق مدينته النبطية كما يعشق الحبيب الحبيبة ،وأحبه أهلها بالقدر نفسه ،ولم أسمع منهم في حقه إلا الكلام الجميل الذي يثلج الصدر.ولذلك إختاروه عضوا في المجلس البلدي لمدينة هي مركز محافظة واحدة من أكبر حاضرات جبل عامل،فكان إلى جانب رفيق دربه رئيس البلدية الدكتور أحمد كحيل نموذجا للنشاط البلدي البارز ،وقد رحلا عن هذه الدنيا سويا ،شهيدين في سبيل الخدمة الإنسانية في أقسى مرحلة يمر بها لبنان وجنوبنا العزيز بالذات.
كان في مقدور الحاج صادق أن يهجر مدينته كما فعل كثيرون إضطرارا في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر.فقد أنعم الله عليه من فيض رزقه ،وهو أحد كبار تجار المدينة، لكنه كان وفيا لمدينته،فلم يتركها لحظة واحدة في المرحلة الأخيرة ،يشرف على المساعدات ،ويدور على البيوت لتوزيعها ،معينا ومواسيا ومطيّبا خواطر الناس الذين لم يبق منهم في المدينة أكثر من 150 عائلة.
كان الحاج صادق جنوبيا صادقا، ونباطيا صادقا،وحاملا لشعلة المقاومة. كيف لا ،وهو شقيق الشهيد المدني الاول غازي اسماعيل الذي قضى في أول استهداف لمدينة النبطية في العام 1976. عاش الحاج صادق في النبطية،عاش من أجلها واستشهد من أجلها ،وسيضمه ترابها ،وسيبقى ذكره خالدا فيها.
كتب عنه أمس صديقه الزميل الصحافي سمير صباغ يقول:
“صادق اسماعيل يملك متجراً عملاقاً للادوات الكهربائية، لا يمكن ان تفارق الابتسامة وجهه في أصعب الظروف، كان يحلم ويخطط من موقعه البلدي دوماً في كيفية جعل المدينة أجمل وأرقى، حتى انه كان يحدثني بشغف عن كل ما يشاهده في الصين وتركيا من تقدم وعمران. صادق خريج الجامعة اليسوعية في صيدا. رفض ان يفارق مدينته وهو القادر مادياً على الذهاب الى اي دولة في العالم، لكنه افترش ارض البلدية وتغطى بلحاف خدمة الناس مع نجله الذي ترك النبطية قبل أيام”.
طوال ربع قرن من الزمن لم أعرف في الحاج صادق إسماعيل إلا الخير،وهو يستحق فعلا لا قولا ،ممن نقول فيهم في صلاة الموتى :”اللهم إنا لا نعلم عنه إلا خيرا”.
لا أعلم ماذا أقول للزوجة العزيزة الصابرة “دانيا” التي كنت أقول دائما إنها خُلِقت له وخُلِق لها،وكأن الله عز وجل خلقهما لبعض.
وماذا أقول للشابين الطموحين مهدي وحمزة اللذين أحسن الحاج صادق تربيتهما وتعليمهما وتقويم مسيرتهما، فكانا على صورته ومثاله.
لا أملك في هذه المناسبة الأليمة سوى قول الله تعالى:
“وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون“.
وإنا لله وإنا اليه راجعون ..