رأي

الحاجة إلى النظر بعيون موضوعية إلى الحاضر والمستقبل في لبنان(غازي قانصو)

د.غَازِي قَانْصُو- الحوارنيوز

لبنان، ذلك الوطن المميز بِتنوعه الثقافي والاجتماعي، يعاني اليوم، كما في مراحل كثيرة من تأسيس كيانهِ السياسي الحالي، من تحدياتٍ جمّةٍ تجعل مستقبلَهُ مُهَدّدًا في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها، لا سيما بعد الحرب الأخيرة ٢٠٢٤ وما تركت من آثارٍ مُختلفة.
وفي هذا الوقت العصيب، تصبح الحاجة إلى النظر بعيون موضوعية إلى الحاضر والمستقبل في لبنان ضرورة ملحة لمواجهة الأزمات والنهوض من جديد.

*النّظَر إلى الحاضر بعين الواقع*
إن الواقع اللبناني اليوم يشهد أزمة شاملة تشمل جميع جوانب الحياة، بدءًا من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي أثرت على حياة المواطنين وأدت إلى انهيار العملة الوطنية، وصولاً إلى الأزمة السياسية المستمرة التي جعلت من تشكيل حكومة مستقرة أمرًا معقدًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأزمات الاجتماعية مثل البطالة والفقر قد أصبحت واقعًا يعيشه الكثيرون، مما يتطلب تحليلاً واقعيًا وصريحًا للمشكلات التي تواجهها البلاد.

إلا أن النظر إلى الحاضر لا ينبغي أن يكون محكومًا بمشاعر اليأس أو الاستسلام، بل يجب أن يتم بتقييم دقيق للأوضاع. إن التحليل الموضوعي للحاضر يمكن أن يكشف لنا الفرص المخبأة في وسط هذه الصعوبات، مثل قوة المجتمع اللبناني وتنوعه الذي يمكن أن يتحول إلى عنصر قوة بدلًا من أن يكون مصدرًا للانقسامات. كما أن الطاقات الشبابية الموجودة في لبنان، رغم الصعوبات التي تواجهها، تبقى أحد الأصول الثمينة التي يمكن الاستفادة منها لإعادة بناء الوطن.

*النظر إلى المستقبل بعينٍ طمُوحَة*
أما فيما يتعلق بالمستقبل، فإن التحديات التي يواجهها لبنان في الوقت الحالي قد تكون مدخلًا لتحولات إيجابية إذا تم تبني سياسات حكومية وبرامج إصلاحية شاملة. النظر إلى المستقبل بعين الأمل يتطلب تفكيرًا استراتيجيًا مبنيًا على تحديد أولويات العمل، مثل إصلاح النظام السياسي وتعزيز المؤسسات، إضافة إلى ضرورة العمل على إصلاح قطاع التعليم والصحة، والبحث عن حلول دائمة للأزمات الاقتصادية.

*الشبابُ قضية أولى أساسية*
علاوة على ذلك، فإن الشباب اللبناني يشكلون رأس الحربة في أي تغيير مستقبلي، فطاقاتهم وقدراتهم بحاجة إلى دعم مستمر من الدولة والمجتمع لتوجيهها نحو البناء بدلاً من الهجرة أو الانغماس في الأزمات. هذا يتطلب استثمارًا جادًا في التعليم، وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة تجذب الاستثمارات وتدعم ريادة الأعمال.

*الطريق نحو التغيير: رؤية موضوعية*
في خضم الأزمات التي يعيشها لبنان، يصبح التغيير جزءًا لا يتجزأ من المعادلة المستقبلية. لكن، لكي يتحقق التغيير الحقيقي، لا بد من التوجه إلى نظرة شاملة تأخذ في اعتبارها كل جوانب المجتمع اللبناني، بما في ذلك التنوع الثقافي والديني، وضرورة تعزيز المواطنة كأساس لبناء الدولة اللبنانية الحديثة؛ دولةُ المُواطنَة.
إن إزالة الانقسامات الطائفية والتركيز على المصلحة الوطنية سيكون أساسًا للمضي قدمًا نحو الاستقرار.

كما أن دور المجتمع الأهلي والقطاع الخاص لا يقل أهمية في هذا السياق. ينبغي أن يكون هناك تعاون مشترك بين الحكومة والهيئات الأهلية والقطاع الخاص من أجل إطلاق المبادرات الوطنية التي تسهم في إعادة إعمار الاقتصاد اللبناني وتعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات.

*الأمل في غدٍ أفضل*
من خلال النظر إلى الحاضر والمستقبل بعين موضوعية، يصبح بإمكان لبنان أن يخطو خطوات كبيرة نحو التعافي. إن الوعي الجماعي بضرورة الإصلاح والتغيير هو المحرك الرئيس لهذا التقدم، مع التأكيد على تعزيز الوحدة الوطنية وعلى حفظ الميثاقية الوطنية، ويجب أن تتضافر الجهود من جميع الأطراف لتحقيق ذلك. كما أن إيمان اللبنانيين بأنهم قادرون على تجاوز المحن هو الأساس الذي ينبغي أن يبنى عليه العمل من أجل غدٍ أفضل، حيث تظل الأمل والتضامن من أكبر عوامل النجاح.

لبنان بحاجة إلى نظرة جديدة، تركز على بناء المستقبل بشجاعة، وإن كانت الطريق طويلة وشاقة، فإن الإرادة الوطنية الجامعة الصادقة، والأخذ بالاعتبار قدرات وكفاءات اللبنانيين، وحدها كفيلة بأن تجعل لبنان يعود إلى مكانه الطبيعي على خريطة العالم كما كان دائمًا، وطنَ “الرسالة” و”منبرًا حضاريًا” متميزًا بمواطنيه الأكفاءِ الطّموحين والمُخلِصين.

إعداد: د.غَازِي مُنِير قَانْصُو

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى