إقتصاد

إقتصاد الخوف: كيف تُدار الشعوب من خلال جيوبها؟ (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

 

تتشعب ظاهرة اقتصاد الخوف لتشمل مجموعة من الآليات والأدوات التي تدار من خلالها الشعوب ، حيث يصبح المال أداة للضغط والخوف. ان الخوف المرضي من المال هو خوف مرضي مبالغ فيه من التعامل مع المال ، سواء في الحصول عليه أو ادخاره أو إنفاقه. هذا الخوف المرضي – حتى وإن كان على مستوى الأفراد – يخلق بيئة من القلق المالي العام يمكن أن تستغل في السيطرة الاجتماعية.

يتأثر المستهلكون بشكل كبير بضغوط وسائل الإعلام وتصورات الواقع الاقتصادي. فعندما يصدق الناس أن اقتصادهم في حالة ركود – حتى لو لم يكن ذلك صحيحاً تماماً – فإنهم يقللون إنفاقهم، ما يؤدي بالفعل إلى انخفاض الطلب الكلي وتحويل الخوف إلى حقيقة ملموسة . هذه الديناميكية توفر أداة قوية يمكن توجيهها لخدمة أجندات معينة.

غالباً ما تخضع الأسواق والتي يُفترض أنها تتمتع بـالمعلومات الكاملة لتقلبات كبيرة يحركها الخوف. في فترات الازدهار، يقفز الناس للحاق بالقطيع ويُقبلون على شراء الأصول، ولكن عندما يتغير مزاج السوق قليلاً، يمكن أن يتغير مزاج الناس بسرعة بحيث يسارعون للبيع بصورة جنونية. هذه الحشود يمكن توجيهها بشكل مصطنع لخدمة مصالح كبار المستثمرين.

 

تعد أزمة انفجار فقاعة الدوت كوم خلال عامي 2001-2002 مثالاً صارخاً على ذلك، حيث ارتفع مؤشر ناسداك من أقل من 1000 نقطة إلى أكثر من 5000 نقطة بين عامي 1995 و2000، ثم فقدت معظم أسهم شركات الإنترنت قيمتها بشكل كبير، حيث فقدت أسهم شركات تقنية كبرى مثل سيسكو وأنتل وأوراكل أكثر من 80% من قيمتها.

في لبنان كشفت فضائح مالية عن وجود 27 مليار دولار صُرفت بدون وثائق ثبوتية، كما تم توثيق 32 ألف موظف ومتعاقد جرى توزيعهم بالمحاصصة في الإدارات العامة .

 

هذه الممارسات تمثل شكلاً من أشكال الحروب المالية الداخلية التي تُدار على حساب المواطن. كما تمثل السياسات النقدية والمالية غير المسؤولة شكلاً من أشكال السرقة المقننة ، حيث يتحمل المواطن العادي تبعات التضخم وتراجع القوة الشرائية.

 

وفقاً لصندوق النقد الدولي، ورغم الصلابة الملحوظة للاقتصاد العالمي مؤخراً، إلا أن البلدان النامية منخفضة الدخل لا تزال تعاني من تداعيات أزمتي الجائحة وتكلفة المعيشة .

  

يمثل نظام “سويفت” للتحويلات المالية العالمية أحد أقوى أدوات الحصار المالي في العصر الحديث. هذا النظام الذي تأسس عام 1973 في بروكسل، يوفر شبكة آمنة تسمح لأكثر من 10 آلاف مؤسسة مالية في 212 دولة بتبادل المعلومات حول المعاملات المالية . ورغم أنه من الناحية النظرية منظمة مستقلة، إلا أن الولايات المتحدة تسيطر عليه من خلال نوافذ خلفية تقنية، ومن خلال هيمنة الدولار على التجارة العالمية.

 

في عام 2019، تم تعليق نفاذ المصارف الإيرانية إلى منظومة سويفت، بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة تطبيق العقوبات. كما سبق أن فصلت إيران من المنظومة بين عامي 2012 و2016 . وكان السودان خارج المنظومة لمدة 20 عاماً بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية.

ويؤدي فصل بلد ما عن نظام سويفت إلى تقويض قدرته على إجراء المعاملات التجارية الخارجية والتحويلات المالية. فروسيا على سبيل المثال لديها أكثر من 300 مؤسسة مالية في المنظومة، ويمثل هذا الرقم أكثر من نصف المؤسسات المالية في روسيا، بحجم تعاملات يناهز 800 مليار دولار سنوياً.

 

تسعى الدول المستهدفة إلى إيجاد بدائل، كما فعلت روسيا التي أوجدت بنية تحتية مالية خاصة بها تشمل نظام “إس بي إف إس” للتحويلات المصرفية الذي يضم 400 مؤسسة مالية روسية، ونظام “مير” للدفع بالبطاقات. كما تسعى إيران إلى توسيع عدم التقيد بالدولار في صادراتها النفطية، والتبادل التجاري بالعملات المحلية، واستخدام نظام المقايضة.

 

من هنا فان الدول العربية تسعى الى  تجاوز تحديات كبيرة في مواجهة اقتصاد الخوف ، وهي تحتاج إلى تطوير استراتيجيات متكاملة تشمل تعزيز الشفافية المالية ومكافحة الفساد بسن وتطبيق قوانين فعالة ، بناء أنظمة دفع وتحويلات مالية عربية موحدة لتقليل الاعتماد على أنظمة قد تستخدم كأسلحة ضد المصالح العربية ، تطوير سياسات إعلامية اقتصادية مسؤولة تقدم المعلومات بدقة دون مبالغات تثير الذعر ، تعزيز التكامل الاقتصادي العربي لخلق سوق عربية كبيرة تقلل من التأثر بالضغوط الخارجية ، وبناء صناديق ثروة سيادية عربية قوية قادرة على تثبيت الاقتصادات في أوقات الأزمات.

 

إن فهم آليات “اقتصاد الخوف” وأدواته يمثل الخطوة الأولى نحو مواجهته، فالمعركة الحقيقية ليست في السوق فقط، بل في العقل أولاً.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى