
الحوارنيوز – جنوب لبنان
مع انبلاج فجر اليوم ،الثلاثاء 18 شباط 2025، انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من القرى التي كانت تحتلها في جنوب لبنان ،وهي بلدات يارون ومارون الرأس وبليدا وميس الجبل وحولا ومركبا والعديسة وكفركلا والوزاني ،وأبقت على خمس نقاط رئيسية على طول الحدود بحجة حماية المستوطنات الإسرائيلية (الخريطة).
وكانت قوات الاحتلال باشرت الانسحاب بدءاً من الثامنة من ليل أمس، وبدأ الجيش اللبناني على نحو تدريجي الإنتشار في بليدا وميس الجبل ومركبا. ومع تقدّم ساعات الليل، استكمل الجيش انتشاره في البلدات المحرّرة. وباشرت فرق من فوجَي الهندسة والأشغال بإزالة السواتر الترابية ومسح الطرقات الرئيسية من الذخائر غير المنفجرة، فيما ينتظر لبنان ان تفرج إسرائيل خلال الساعات المقبلة عن سبعة اسرى.
وأعلن عدد من المسؤولين الإسرائيليين أمس أن قوات الاحتلال ستبقى في خمسة مواقع داخل الأراضي اللبنانية المحرّرة لفترة طويلة من دون تحديد مهلة زمنية. وسينشر جيش العدو قوات ضخمة في تلك المواقع داخل الأراضي اللبنانية ومقابل كل مستوطنة في الجانب الفلسطيني المحتل.
وقد حسم جيش العدو مصير المواقع الخمسة، خلال اجتماع لجنة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار الجمعة الماضي. وفي ردّ على تساؤلات الوفد اللبناني حول سبب الاحتفاظ بها، لم يتورّع الضباط الإسرائيليون عن القول إن «لا أهمية عسكرية أو أمنية مفصلية لتلك المواقع، بل أهمية معنوية،وأن بقاء الجيش الإسرائيلي فيها يعطي اطمئناناً لسكان مستوطنات الشمال لكي يعودوا بدءاً من بداية آذار المقبل”،بحسب صحيفة الأخبار.
وتقابل المواقع الخمسة تجمعات استيطانية رئيسية: تلال اللبونة في خراج الناقورة تقابلها أبرز مستوطنات الجليل الغربي من روش هانيكرا إلى شلومي ونهاريا، وجبل بلاط بين مروحين ورامية تقابله مستوطنات شتولا وزرعيت، فيما جل الدير وجبل الباط في خراج عيترون تقابلهما مستوطنات أفيفيم ويفتاح والمالكية. وفي القطاع الشرقي، يقابل نقطة الدواوير على طريق مركبا – حولا وادي هونين ومستعمرة مرغليوت، فيما تقابل تلة الحمامص مستعمرة المطلة.
وأبلغت اللجنة الخماسية الجيش اللبناني باتخاذ سلسلة من الترتيبات الأمنية للحلول مكان قوات الاحتلال. لكنّ جزءاً منها يحوّل الشريط الحدودي بعمق نحو كيلومتر واحد إلى منطقة عازلة، ولا سيما في البلدات ذات مسافة الصفر مع المستوطنات. وبحسب المصدر، ستتولى قوات اليونيفل والجيش اللبناني، بإشراف لجنة الإشراف، إخضاع المساحات الملاصقة للحدود لقيود أمنية وعسكرية تحوّل بعضها إلى مناطق عسكرية مقفلة أمام المدنيين، ومنها منطقة رأس الناقورة وسهلا مارون الرأس ويارون المحاذيان للمستوطنات.
وتزيد تعقيدات الترتيبات الأمنية في أحياء ميس الجبل المقابلة لمستعمرة المنارة وفي الواجهة الشرقية للعديسة وكفركلا المحاذيتين لمسكاف عام وجدار كفركلا وصولاً إلى تلة الحمامص. وأظهرت مقاطع مصوّرة نشرها العدو استحداثه لجدران إسمنتية رفعها عند المقلب الغربي لطريق العديسة – كفركلا وصولاً إلى الحمامص ومروراً ببوابة فاطمة وتل النحاس وسهل الخيام المحاذي للمطلة.
وتحاول إسرائيل فرض تكريس هذه الطريق تحديداً منطقة عازلة نهائياً. وللتذكير، فإن البساتين الزراعية ومربض المدفعية في المطلة تشرف كلها مباشرة على طريق العديسة – كفركلا. وتتوقّع مصادر مطّلعة بأن تكرّس إسرائيل احتلال المواقع الخمسة على غرار احتلالها للنقاط الـ 13 المتحفّظ عليها منذ عام 2006. وبحسب المصادر، «باتت هناك سلة كاملة من النقاط الـ 18 قد لا تخضع للترسيم البري الذي وعدت الولايات المتحدة بتحريكه بعد انتهاء العدوان». وعدا النقاط الخمس، لن تترك إسرائيل الحدود الجنوبية بشكل فعلي، إذ كثّفت من نصب الأجهزة التجسسية الكفيلة برصد الحركة على طول الحدود.
شعبياً، انتظر الأهالي طويلاً لحظة عودتهم إلى بلداتهم بعد تهجيرهم القسري عنها منذ أكثر من عام ونصف عام. لكنّ إعادة انتظام الحياة فيها ليست قريبة. فتحويل البلدات المحررة إلى مساحات آمنة يستلزم وقتاً طويلاً بعد مسحها من الذخائر غير المنفجرة والألغام التي فخّخ العدو بها عدداً من المنازل والمحال. لذا، طالبت بلدية كفركلا في بيان لها الأهالي بالصبر حتى يوم غد الأربعاء للدخول إلى البلدة، إفساحاً في المجال لانتشار الجيش. كما طلب عدد من البلديات الحدودية الالتزام بتوجيهات الجيش.
وفي السياق، التقى رئيس الجمهورية جوزف عون أمس أعضاء اللجنة «الخماسية» (السعودية، قطر، مصر، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا)، في قصر بعبدا لمناقشة ملف الجنوب. وعلمت «الأخبار» أن الاجتماع تمّ بطلب من عون الذي وجّه الدعوة للسفراء الأسبوع الماضي، مع بداية الكلام عن بقاء العدو في بعض النقاط في قرى الجنوب.
وقالت مصادر مطّلعة إن «عون طلب من السفراء الخمسة دعماً دولياً وضغطاً على إسرائيل للتراجع عن هذا القرار لأن بقاءها في الجنوب يعني إمكانية اندلاع الحرب مجدداً»، إذ لا أحد يضمن بأن «لا يذهب حزب الله إلى استئناف عملياته». وأكّد عون أمام الخماسية أن «لبنان التزم بالاتفاق الذي وقّع عليه لكنّ إسرائيل هي من تصر على خرقه وهو أمر غير مقبول، وأن على الدول خصوصاً التي رعت الاتفاق أن تتدخل لأن هذا الأمر يهدد مصداقيتها».
وكانَ لافتاً ما قاله عون عن أن «سلاح حزب الله يأتي ضمن حلول يتَّفق عليها اللبنانيون، والمهم هو تحقيق الانسحاب الإسرائيليّ». وأشار إلى أن «العدوّ الإسرائيلي لا يُؤتَمَن له، ونحنُ متخوّفون من عدم تحقيق الانسحاب الكامل غداً»، لافتاً إلى أن «الردّ اللبناني سيكون من خلال موقف وطنيّ موحّد وجامع». واعتبر أن «خيار الحرب لا يُفيد، وسنعمل بالطرق الدبلوماسيّة، لأنّ لبنان لم يعد يحتمل حرباً جديدة. والجيش جاهز للتمركز في القرى والبلدات التي سينسحب منها الإسرائيليّون».
ومن قصر بعبدا، أكّد السفير المصريّ علاء موسى لدى لبنان أنّ دول «الخماسيّة ملتزمة باستمرارها بالدفع إلى انسحاب الجيش الإسرائيليّ الكامل من الأراضي اللبنانيّة». وقال، بعد لقائه رئيس الجمهورية: «اتصالاتنا مستمرة مع الأطراف كلّها، والدولة اللبنانية ستضع خطة إعادة الإعمار وستُعرضها على الشركاء للبحث في الوسيلة الأفضل لتنفيذها».
وكما كان متوقّعاً، لم تفوّت اسرائيل يومها الأخير قبل انتهاء هدنة وقف إطلاق النار من دون تكثيف اعتداءاتها، إذ بدأت صباحاً باستهداف مُسيّرة القيادي في كتائب القسام وحركة حماس محمد شاهين على طريق صيدا البحري.
ومساء، أغار الطيران المعادي على جسر لحد بين الخردلي والعيشية ووادي عين الزرقا في أطراف طيرحرفا من دون وقوع إصابات. وما بين الغارات، نُفذت تفجيرات ضخمة في ميس الجبل ويارون والعديسة واللبونة.
وفي حولا، ماطلت إسرائيل طويلاً قبل أن تسمح للجيش اللبناني والصليب الأحمر اللبناني بالدخول إلى البلدة وانتشال جثمان الشهيدة خديجة عطوي التي قضت برصاص الاحتلال ظهر الأحد وبقي جثمانها في العراء لنحو ثلاثين ساعة. ولا يزال هناك ثلاثة أسرى لدى الاحتلال اعتُقلوا في حولا هم عضو بلدية حولا حسين قطيش وابن البلدة المسعف عماد قاسم والمسعف إيلي معلوف من تبنين. وكان ستة مواطنين تمكّنوا من الانسحاب من داخل حولا المحتلة بعد حصارهم منذ ظهر الأحد، من بينهم ثلاثة أطفال وسيدة.
ولليوم الثاني على التوالي، توغّلت قوة مؤلّلة ضخمة إلى كفرشوبا. وللمرة الأولى منذ انتشار الجيش وعودة الأهالي، جالت دبابات الميركافا في الأحياء الداخلية وتوغّلت نحو حرج الصوان حيث نسفت مزرعة مواشٍ قبل أن تتراجع إلى أطراف كفرشوبا.