الجزائر في عين العاصفة في غياب الاصلاحات الموعودة(محمد هاني شقير)
بقلم محمد هاني شقير
ماذا يجري في بلاد المليون ونصف مليون شهيد؟ كيف تسير الحياة السياسية في ظل دستور جديد لم يتجاوز عدد الذين منحوه النعم عن العشرين في المئة؟ أين وعود الرئيس عبد المجيد تبون الاصلاحية؟ ماذا عن التدهور الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة الوطنية وتزايد البطالة وبخاصة بين الشباب؟ لماذا دخلت فئات جديدة من الموظفين في التظاهرات والاضرابات؟ علام يدل أمر الرئيس تبون للحكومة ببدء “حوار” مع الشركاء الاجتماعيين بهدف تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية لمنتسبي”قطاعي التعليم والصحة”؟ وهل هو خطوة لتهدئة التوتر المتصاعد جراء تدهور ظروف العيش؟
فيما يلي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة / الهواجس التي تلف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجزائر.
بانتظار نتائج الانتخابات التشريعية المقررة في حزيران المقبل وما سينتج عنها من تحالفات مختلفة عن الواقع السياسي الذي عاشته الجزائر في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لم يعرف الرئيس عبد المجيد تبون حتى الآن طريقًا لحل العديد من المشاكل المتراكمة التي تعاني منها البلاد منذ سنوات، في حين يرى المطلعون أن تلك الانتخابات لا تغير شيئًا في الوضع، بل ستزيده انسدادًا، وأن النظام لم يعد قادرًا على إعادة انتاج نفسه (لا الأشخاص ولا الخطاب) في ظل غياب مشروع تنموي حقيقي وبديل ديمقراطي حقيقي. فالانسداد الاقتصادي ما هو إلا نتيجة منطقية للانسداد السياسي الذي تعيشه الجزائر، والكرة هي في أيدي النظام الذي يصّر على إجراء الانتخابات وفق الأجندة السياسية التي أقرها بصفة انفرادية، وهي ستدخله، بحسب خبير اقتصادي جزائري، في وضع أصعب وتعمق من أزمة شرعيته وتزيد في الهوة بينه وبين الشعب، ويفسر ذلك من الجانب السياسي بمحاولة النظام رسكلة نفسه وبناء “جزائر جديدة” بنفس الوجوه القديمة ونفس نمط التسيير وإدارة الشأن العام، كما يعود للوضع الاقتصادي والاجتماعي الخطير الذي تمر به البلاد بفعل انخفاض المداخيل من المحروقات منذ 2014 (بحوالي النصف) والانعكاسات السلبية لجائحة كوفيد 19.
يأتي التباين في وجهات النظر بين السياسيين والعسكريين والحراكيين حول كيفية وضع البلاد على السكة الصحيحة لمكافحة الفساد وسوء التسيير، بينما لا زالت عجلات الحكومة الجزائرية صدئة، ولم تنطلق عملية الاصلاح التي وعد الرئيس تبون البدء بها بعد انتخابه، وبعد التعديل الدستوري الاخير في البلاد.
بموازاة ذلك، برز تطور لافت سياسيًا وأمنيًا، تمثل بالاعتداءات التي نفذتها حركة “ماك” “MAK”، الانفصالية بزعامة المغني فرحات مهني، في مدينة تيزي أوزو ذات الأغلبية الامازيغية، حيث كانت تنظم نشاطًا غير مرخص في الذكرى الـ 41 للربيع الأمازيغي، وفجأة انهال مناصروها بالحجارة على قوات الشرطة وحاصروهم واعتدوا عليهم بشكل عنيف. الأمر الذي أثار أجواء من السخط لدى أبناء المنطقة انفسهم ولدى جميع القوى السياسية الذين ادانوا هذا الاعتداء ولا سيما الموقف الذي صدر عن الامين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف اوشيش ( الحزب الاكثر شعبية بين الامازيغ) والذي جاء فيه “إن هذه الأرض رسمت حدودها مترًا مترًا وحررت أراضيها شبرًا شبرًا بسيول من دماء الشهداء الذين بذلتهم كل مناطق الوطن، وعليه فإن جبهة القوى الاشتراكية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه من يسعى لتفتيت هذه الأرض المقدسة تحت أي مسمى كان”. تبع ذلك كشف وزارة الدفاع الجزائرية عن “إحباطها مخططًا يستهدف البلاد بهجمات منظمة خلال التظاهرات الشعبية، وأن “الحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة القبائل (MAK) كانت تحاول القيام بهجمات خلال مسيرات الحراك الشعبي”.
غير أن مصادر مطلعة رأت ان حركة “ماك” الإنفصاليّة، لا وزن لها عند أمازيغ الجزائر، بلّ إنّها على الصعيد الشعبي والتمثيلي محطّ نيرانهم دائمًا، وأرجعت وصفها من قبل النظام بـ “الإرهابيّة” لسببين:
الأول: خوفه من استغلال المغرب الرسمي لها، وهذا ما يحدث تمامًا، ونفخه فيها، وربما تجييرها من أجل عمليات هنا وهناك، كما سبقَ أن كان إدريس البصري السفاح (وزير الداخلية المغربي السابق)، يدعم بعض جماعات إرهابيّة باعترافهم في التسعينات، وهذا ثابت، ولم تنكره حتى المغرب في زمن محمد السادس الذي بدأ تصحيحًا لمسار أبيه، فاقتضى منهُ أن يؤلّف ما يُعرف بـ “لجنة الإنصاف والمصالحة” التي اعتذر فيها الملك محمد السادس عن أعمال أبيه وسفاحه إدريس البصري.
الثاني: هو أنّ النظام حاليًا، مع استمرار الحراك نسبياً في العاصمة فقط من أصل 48 + 4 محافظة لا تشارك فيه، خائف من انفلات الأمور، وربما احتاج ليبرّر فشله إلى الآن في التغيير بشماعة “الماك” التي لا يمكن استبعاد خطرها هي الأخرى، لا سيما أنّ موقفها موالٍ لاسرائيل التي سبق لرئيسها أن زارها في عام 2012، حيث التقى بنائب رئيس الكنيست، وأعرب عن دعمه وتضامنه معها، وقارنها بالقبائل، إذ قال: نحن في بيئة معادية، كلا البلدين يشتركان في نفس الطريق، ولكن إسرائيل موجودة بالفعل – وهذا هو الفارق الوحيد”- كما توعد بفتح سفارة إسرائيلية في منطقة القبائل في حال إستقلالها، وأثارت هذه الزيارة سيلًا من الانتقادات ضده.
مصادر الحراك الشعبي تؤكد أن النظام السياسي الاستبدادي الذي حكم البلاد منذ ستين عامًا قد فشل فشلاً ذريعًا، وهو قام، ولا زال، على عسكرة النظام بواجهات بعضها مدني وبعضها الآخر عسكري. والحديث عن انتخابات ديمقراطية واستفتاء على الدستور في المرحلة الأخيرة لا يستوفي الشروط الشرعية كون نسبة الانتخابات لم تتعدى العشرين في المئة. وبالتالي فإن من نصّبوا أنفسهم في السلطة الحالية ليسوا إلا تعبير حقيقي عن مأزق النظام ذاته. واستغربت ادعاء البعض أن التظاهرات محصورة في العاصمة ” فهي تشمل عدة ولايات مع نهاية كل اسبوع”. وتضيف إن ما يروّج له النظام عن حالة انفصالية امازيغية هو ذر للرماد في العيون، ومرد ذلك الى وجود وعي ديمقراطي ناضج في المدن والقرى ذات الاغلبية الأمازيغية. وتنهي المصادر بالتأكيد على أن الحل لا ولن يكون إلا برحيل هذا النظام ومنع تدخل الجيش بالسياسة وتسليم البلاد للمسار الديمقراطي المدني الذي بدأ يتبلور وينضج شيئًا فشيئًا مع الحراك الشعبي الأمثل الذي شهدته البلاد منذ سنوات ولا زال مستمرًا حتى يومنا هذا.
إنّ الوضع الاقتصادي الجزائري، بحسب الخبير الاقتصادي، خطير ويتمظهر في استمرار تآكل احتياطي الصرف من العملة الصعبة بوتيرة سريعة، إذ لم يتبقى منه سوى 42 مليار دولار تقريبًا وفق التصريحات الرسمية (أي أقل من سنة استيراد على الأكثر) بعد أن كان يقدر ب 197 مليار سنة 2013. أكثر من ذلك، تعرف ميزانية الدولة عجزًا منذ بعض سنوات يصل إلى 13.75% من الناتج الداخلي الخام سنة 2021 (حوالي 21.75 مليار دولار)، هذا بالرغم من تخفيض الإنفاق العمومي والاستثمارات المنتجة الأمر الذي انعكس سلبًا على انتاج المؤسسات العمومية والخاصة وفاقم من البطالة.
فضلاً على ذلك، تشهد قيمة العملة الوطنية منذ بضعة سنوات، انزلاقًا خطيرًا يؤكده قانون المالية 2021 والذي تضمن إقرار تخفيضها بنسبة 11.45%، وهو ما انعكس على الأسعار ومعدلات التضخم، التي عرفت ارتفاعًا في الأشهر الأخيرة تتراوح بين 30 إلى 50% في المواد الأساسية و100% في أسعار بعض المواد مثل قطع غيار السيارات. هذا بالإضافة إلى غياب شبه كلي للدولة في عملية ضبط الأسواق الأمر الذي زاد من تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وبالأخص العمال المأجورين والموظفين، هؤلاء التي لم ترتفع أجورهم منذ 2008.
إذن، الجزائر في عين العدو والصديق معًا، وقبل اجراء انتخابات تشريعية لن يكتب لها النجاح بحسب كل المؤشرات المتوافرة حتى يومنا هذا، فإن حكومتها مطالبة بفتح ورشة نقاش جدي بين جميع مكونات الشعب الجزائري، والبدء باصلاحات حقيقية تفي من خلالها بوعودها التي قطعتها سابقًا، بغية إراحة الشعب الجزائري وقواه السياسية ونُخبه وطمأنتهم على مستقبل بلادهم، ومنع تسلل الأعداء الى الشارع وضعضعته بما يخدمهم ويضعف الدولة العربية الأقوى المتبقية بعد أن سقطت بغداد وأُدميت دمشق وضاعت القاهرة.