الجزائر:نحو دستور جديد يتيح للجيش التدخل خارج الحدود..واعتماد الأغلبية البرلمانية للحكومة
كتب محمد هاني شقير:
في حين يتلقى الرئيس الجزائري عبد الحميد تبون العلاج في المانيا جراء اصابته بفيروس كورونا ولم يرشح أي شيء عن صحته، توجه الجزائريون صباح اليوم الى صناديق الاقتراع للاستفتاء على التعديلات الدستورية.
يأتي ذلك بعد حراك شعبي كبير سيبقي محفورًا في ذاكرة الجزائريين، وهو الذي انطلق بتاريخ 22 فبراير/شباط 2019، ضد اصرار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الترشح لولاية رئاسية خامسة، في ظل أزمة اقتصادية نتجت عن تهاوي أسعار النفط، المورد الأول للاقتصاد الوطني، وازدياد العاطلين عن العمل وبغالبيتهم من الشباب والخريجين الجامعيين.
لقد رضخت السلطة الجزائرية لارادة الشعب من خلال عدم التجديد بدايةً للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وثم من خلال اجراء تعديلات دستورية متضمنةً تحديد فترة حكم الرئيس المنتخب بولايتين رئاسيتين كل واحدة لمدة خمس سنوات، وإلتزام رئيس الجمهورية بتكليف رئيس حكومة من الاغلبية البرلمانية، بعكس ما كان معمولا به سابقًا، والسماح بخروج الجيش خارج الحدود بمهمات لحفظ السلام، وربما هذه من اكثر التعديلات لفتًا للنظر، كونها تأتي في وقت تشهد فيه الدول المجاورة للجزائر حروبا أهلية واضطرابات سياسية استدعت تدخلات خارجية، ولا سيما التدخل العسكري التركي في ليبيا وما يحمله من مخاطر جمة على الدول العربية والاسلامية في شمال افريقيا؛ فالجزائر خرجت لتوها من الحرب ضد الارهاب وتحديدًا ضد قوى تستلهم التجربة الاردوغانية وربما تعاونت معها أيضًا، وهذا الأخير، اي اردوغان، لم يتوقف لحظةً عن دعم القوى الاسلامية التي تشارك حزبه العقيدة ذاتها، ولنا في دواعش سورية خير مثالٍ على ذلك.
من هنا فإن الجيش الجزائري الذي ما زال موضع احترام كبير من قبل الشعب الجزائري، سعى في الايام والشهور السابقة الى حشد تأييد شعبي وحزبي لفكرة التعديلات الدستورية، وهو نجح في تحقيق استقطاب عدة قوى الى جانب حزب جبهة التحرير الوطني. وفي هذا الاطار نشرت مجلة الجيش افتتاحية تعبّر عن موقف المؤسسة العسكرية من الدستور، ووصفته بأنه "مشروع يحمل بين طياته عديد المسائل التي تعالج مشاكل المواطن وتجيب على انشغالاته وتحد من معاناته وتفتح له أفق الأمل على غرار الحقوق والحريات والشفافية في تسيير دواليب الحكم والوقاية من الفساد ومحاربته وكل الممارسات السلبية التي كانت سائدة". واعتبرت أن التصويت على هذا الدستور في الأول من نوفمبر "يجعل من هذا اليوم المشهود انطلاقة حقيقية لبناء جزائر جديدة متحررة من كل المظالم والمفاسد والسلبيات، وبناء دولة قوية مهابة والتغيير الجذري الذي طالب به الشعب".
في هذا الوقت ينقسم موقف الاحزاب الاسلامية ايضًا من مشروع التعديل الدستوري، ففي حين ترفضه حركة مجتمع السلم المقربة من الاخوان المسلمين، وتعتبره لا يختلف عما سبقه، فإن حركة البناء التي يتزعمها نور الدين بن قرينة تؤيده، وهي شاركت في التجمعات الداعمة للاستفتاء.
وبينما تغيب الاحزاب اليسارية عن الحدث بشكل عام وهي غير ذات تأثير كبير، إلا أن التيارات الامازيغية تشكل قوةً شعبية كبيرة ومؤثرة في الحياة السياسية للبلاد، وهي بشكل عام تستوحي مواقفها من السياسة الفرنسية، وتتبدل من السلطة بحسب تبدل موقف الفرنسيين منها. وتعتبر جبهة القوى الاشتراكية التي استقال نوابها من البرلمان والذين يفوق عددهم الثلاثين نائبًا من أصل 420 نائبا يتشكل منهم البرلمان الجزائري، القوة الأساسية في مجتمع الامازيغ ،وقد تراجع حضورها وفعاليتها مع غياب رئيسها حسين آيت أحمد، وتحمل مشروعًا سياسيًا يدعو الى قيام دولة علمانية يجري فيها فصل الدين عن الدولة.
اتصلت "الحوار نيوز" بالدكتورة زينب الاعوج وهي شاعرة ومثقفة سياسية جزائرية، فلخصت رأيها بالتعديلات الدستورية، قائلةً: "كنّا في حاجة الى دستور جديد يَضمْن استقرار البلاد. وبالرغم من نقائصه فهو يأخد بعين الاعتبار بعض مطالب الحراك خاصة تلك المرتبطة بالديمقراطية وحرية التعبير ، هذا طبعًا لا يجعلنا نتغاضى عمن هم في السجون إلى حد الآن من معتقلي الرأي ممن شاركوا خاصة في الحراك ودعموه. هذا الدستور ركز على حقوق المرأة وأعطى حق المواطنة لكل الجزائريين، من هم في الداخل ومن هم في الخارج من حاملي الجنسية المزدوجة أيضًا . ربما النقطة التي يمكن أن ننتقد فيها هذا الدستور متمثلة في عدم ترسيخ منصب نائب الرئيس الذي يستطيع أن ينوب عن هذا الأخير في الأوقات الاضطرارية أو حالة الشغور، كما حدث مع الرئيس السابق ويحدث الْيَوْمَ مع الرئيس الحالي بحيث نجد أنفسنا أمام علامات استفهام كثيرة تتعلق بمستقبل البلاد واستقرارها ما يؤكد أن منصب نائب الرئيس أكبر من ضرورة".
ويصوت الجزائريون اليوم على تعديلات دستورية فيها مواد ايجابية لكنها، بطبيعة الحال، لا تلبي طموحات الجزائريين، فهل سيعود الحراكيون الى الشارع، أم سيكتفون بما تحقق ويعتبرونه انحازهم الكبير؟ إن غدًا لناظره لقريب.
ما هي أبرز التعديلات الدستورية؟
1- دسترة الحراك الشعبي ليوم 22 فبراير/شباط 2019 في الديباجة، تخليدا لانتفاضة أجبرت عبد العزيز بوتفليقة، في 2 أبريل/نيسان 2019، على الاستقالة من الرئاسة بعد 20 عاما في الحكم.
2- السماح بإقرار وضع خاص لتسيير البلديات التي تعاني من ضعف في التنمية.
3- السماح لأول مرة بخروج الجيش خارج الحدود في مهام "لحفظ السلم" تحت إشراف منظمات الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، بشرط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
4- منع توقيف نشاط وسائل الإعلام وحل الأحزاب والجمعيات إلا بقرار قضائي.
5- إسقاط مقترح استحداث نائب الرئيس الذي ورد في المسودة الأولى التي أعدها خبراء قانون.
6- منع الترشح لرئاسة الجمهورية لأكثر من فترتين (5 سنوات لكل واحدة) سواء متتاليتين أو منفصلتين.
7- منع ممارسة أكثر من عهدتين برلمانيتين منفصلتين أو متتاليتين.
8- إقرار إلزامية إسناد رئاسة الحكومة للأغلبية البرلمانية لأول مرة بعد أن كان رئيس الجمهورية حرا في تعيين شخصية من خارج حزب أو تحالف الأغلبية.
9- إبعاد وزير العدل من عضوية المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه رئيس الجمهورية، ونائبه رئيس المحكمة العليا.
10- استحداث محكمة دستورية بدلا عن المجلس الدستوري ويعود إليها البت في نتائج الانتخابات، ومدى دستورية القوانين، والمعاهدات الدولية.