على الرغم من المساعي الحثيثة لإخراج الحكومة اللبنانية من عنق الزجاجة،والآمال المعلقة على مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا المجال،فإن تطور الأمور لا يوحي بانفراجة قريبة على هذا الصعيد.
وفي هذا السياق جاء بيان رئاسة الجمهورية اليوم ليزيد الأمور تعقيدا فوق تعقيد ،و”يكسر الجرة” بين بعبدا وعين التينة ويبرز الخلاف الواضح في الشأن الحكومي بين الرئاستين ،في حين قصمت ظهر البعير رسالة النائب السابق نبيل نقولا(وهو من مسؤولي التيار الوطني الحر) الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ،والتي تضمنت كلاما قاسيا بحق “الحليف الشيعي لحزب الله “.
كان واضحا أن بيان المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية موجه بشكل رئيسي الى الرئيس نبيه بري من دون أن يسميه،وإن كان يطال أيضا مرجعيات سياسية ودينية أخرى .ولذلك حرصت مصادر عين التينة على عدم الرد (حتى الآن)،وإن كانت تؤكد استمرار الرئيس بري في مساعيه لتحقيق الأهداف التي يسعى إليها.
لكن مصادر متابعة رأت أن أجواء الفرز باتت واضحة ،وأن تكتلا سياسيا واسعا ينسجم مع مبادرة الرئيس بري ،في حين باتت العرقلة واضحة لدى طرف معين ،وهو ما يضع البلاد أمام واقع جديد لا يعلم إلا الله الى أين سيودي بلبنان وشعبه.
في ظل هذا الواقع أكدت مصادر بيت الوسط أن لا جديد في الشأن الحكومي ،وأن الرئيس المكلف سعد الحريري ينتظر تطور الأمور لاتخاذ الموقف المناسب ،سواء لجهة الاعتذار أم لجهة رفع تشكيلة جديدة الى الرئيس ميشال عون،بعدما تريث في اتخاذ الموقف ،بطلب من أكثر من مرجعية ،على الأقل للتفاهم على البديل في حال الإصرار على الاعتذار،كي لا تذهب الأمور أكثر فأكثر الى الفراغ.
إلا أن مجرى الأمور لا يوحي بانفراجات على هذا الصعيد،حيث بلغ التأزم أشده على مختلف المستويات،فيما يؤكد زوار الرئيس الحريري أن الاعتذار بالنسبة اليه صار أبعد من رغبته في ذلك لأسباب عدة .
بيان الرئاسة
فقد صدر ظهر اليوم عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية البيان الآتي:
“في الوقت الذي يتطلع فيه اللبنانيون الى تشكيل حكومة جديدة تنكب على معالجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في البلاد، لا سيما بعد مرور 10 اشهر على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب و8 اشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، وفيما يبدي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كل استعداد وتجاوب لتسهيل هذه المهمة، تطالعنا من حين الى آخر تصريحات ومواقف من مرجعيات مختلفة تتدخل في عملية التأليف، متجاهلة قصدا او عفوا ما نص عليه الدستور من آلية من الواجب اتباعها لتشكيل الحكومة، والتي تختصر بضرورة الاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف المعنيين حصريا بعملية التأليف وإصدار المراسيم.
وحيث ان ثمة معطيات برزت خلال الايام الماضية تجاوزت القواعد الدستورية والاصول المعمول بها، فإن المرجعيات والجهات التي تتطوع مشكورة للمساعدة في تأليف الحكومة، مدعوة الى الاستناد الى الدستور والتقيد بأحكامه وعدم التوسع في تفسيره لتكريس اعراف جديدة ووضع قواعد لا تأتلف معه، بل تتناغم مع رغبات هذه المرجعيات او مع اهداف يسعى الى تحقيقها بعض من يعمل على العرقلة وعدم التسهيل، وهي ممارسات لم يعد من مجال لإنكارها.
إن رئاسة الجمهورية التي تجاوبت مع الكثير من الطروحات التي قدمت لها لتحقيق ولادة طبيعية للحكومة، وتغاضت عن الكثير من الإساءات والتجاوزات والاستهداف المباشر لها ولصلاحيات رئيس الجمهورية، ترى ان الزخم المصطنع الذي يفتعله البعض في مقاربة ملف تشكيل الحكومة، لا افق له إذا لم يسلك الممر الوحيد المنصوص عليه في المادة 53 الفقرات 2 و3 و4 و5 من الدستور.
ولا بد من التساؤل اخيرا، هل ما يصدر من مواقف وتدخلات تعوق عملية التأليف يخدم مصلحة اللبنانيين الغارقين في أزمة معيشية واقتصادية لا سابق لها ويحقق حاجاتهم الانسانية والاجتماعية الملحة، التي لا حلول جدية لها إلا من خلال حكومة انقاذية جديدة؟”.
نبيل نقولا
وكان النائب السابق نبيل نقولا وجه رسالة الى الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، جاء فيها: “ما يحدث اليوم أنتم متهمون، وكأنكم اخترتم حليفا طائفيا “خوفا غير مبرر على طائفتكم الشيعية”، وفضلتموه على شريك لبناني يجمع من حوله أبناء من كل المذاهب، والمناطق.
وكأنكم اليوم تقفون متفرجين على نهب الدولة، “طبعا دون مشاركتكم”، وسرقة المالية العامة، وتوظيف آلاف اللصوص في وزارات يجهلون مقرها. كنتم تراقبون تهريب مئات الملايين من الدولارات إلى الخارج من قبل حلفاء، وخصوم، ولم تحركوا ساكنا، وكنتم قادرين على دعم معركة أكثرية الشعب اللبناني ضد الفساد، ولم تفعلوا… بل كان نائب من كتلة حزبكم يخرج من فترة إلى أخرى يلوح بملفات فساد، وكنا نعرف أنها لا تسمن ولا تغني عن جوع، وكأنها من ضمن مسلسل تضييع المعركة ضد الفساد، وتمييعها.
أضاف:طارت أموال المودعين، ومنهم الآلاف من شيعة الاغتراب الذين مثل سواهم من المغتربين عانوا الذل، والإهانة، والقتل، وحرق محلاتهم في دول أفريقيا من أجل تحسين أوضاعهم، وكانوا يرسلون هذه الأموال إلى المصارف اللبنانية من أجل دعم الاقتصاد، وها هم اليوم يبكون جنى العمر، وقهر الغربة(…)لا يمكن بعد اليوم أن نبقى على هذا الوضع بحجة القوي في طائفته، وخصوصا السكوت عن من سرق، وأهدر جنى عمر كل اللبنانيين، ومنع التدقيق الجنائي، وإعادة ما يمكن إعادته من الأموال المسروقة.
الفرزلي في بيت الوسط
نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي الذي زار الرئيس الحريري اليوم قال بعد اللقاء:حتى تاريخه، الرئيس بري لا يزال في انتظار الجواب على المساعي التي بذلت. وحتى تاريخه، لم يبلَّغ إلا بعض البيانات والتصاريح التي تحمل في طياتها موقفا سلبيا، نأمل ألا يكون إلا من باب التحفيز للاسراع في تشكيل حكومة. وإذا كانت هذه هي الغاية فأهلا وسهلا ونحن لها، وإلا فيجب أن يخرج من البال أن هناك إمكانية لإحراج الرئيس الحريري ومن ثم إخراجه. الرئيس الحريري يعي تماما الدور الموكل إليه، ويعي تماما المهمة الملقاة على عاتقه، وهي مهمة دستورية من واجبه فيها أن يحمي الدستور ومندرجاته ومضمونه، نصا وروحا، وأي تخل عن هذا الدور هو تخل عن الدستور، وأنا لا أعتقد أن دولة الرئيس الحريري في وارد التخلي عن المضمون الدستوري للمهمة التي يقوم بها، وهذا أمر يجب أن تتضافر قوانا جميعا من أجل إيجاد تسوية وسبل الحل، تحت سقف هذا الدستور، وأن نتعاون جميعا من أجل بلوغ هذه الغاية. ونحن نأمل أن نبلغ المرتجى في هذا الموضوع”.