مصطفى سكري* – الحوارنيوز
( الحلقة الثالثة ) ( 3 من 5)
ذكرت في الحلقتين الأولى والثانية كيف نشأت حركة الاصلاح الديني البروتستانتية الكالفينية ، وكيف كانت بداية ظهور الصهيونية المسيحية خلافا للكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية واللاهوت البروتستانتي الليبرالي الذي كرسه الفيلسوف الألماني فريدريك شلايرماخر ، وذلك من خلال تفسيرها للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد في ما يتعلق بالوعد الإلهي لبني إسرائيل وعودة يسوع المخلص إلى عالمنا والشروط الموجبة لهذه العودة : ( قيام دولة إسرائيل على أرض التوراة كاملة ، وإعادة بناء الهيكل الثالث ، ووقوع معركة هرمجدّون ) .
وتم التطرق إلى حركة الهاسكالاه ( الأنوار اليهودية ) لموشيه مندلسون الداعية إلى انصهار اليهود واندماجهم في المجتمعات الأوربية ، والأسباب التي دعت إلى فشلها.
وفي القرن التاسع عشر حصل انقسام بين منظري الصهيونية المسيحية ، وظهرت مدرستان :
* البريطانية الداعية لنظرية تحول اليهود للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين.
* والأمريكية التي آمنت بعودة اليهود إلى فلسطين قبل تحولهم إلى المسيحية.
وترأس فكرة المدرسة الأمريكية عالم اللاهوت الأيرلندي جون نلسون داربي ، الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي للحركة الصهيونية المسيحية الأمريكية .
وقد أيد المدرسة الأمريكية شخصيات بريطانية هامة منها :
- القس وليام هشلر ( ت 1931 ) ، الذي قام بعقد مؤتمر صهيوني مسيحي عام 1882 ، أي قبل المؤتمر الصهيوني اليهودي بخمسة عشر عاما ، ودعا إليه كبار المسيحيين للنظر في ذلك ، وأصبح المرشد الديني في سفارة بلاده في فيينا ، وقام بتنظيم عمليات هجرة اليهود إلى فلسطين ، وجمع الأموال لمساعدتهم على الاستيطان ، وأصدر كتاب ” عودة اليهود إلى فلسطين حسب نبوءات الأنبياء ” – الذي سبق فيه كتاب تيودور هرتزل” دولة اليهود”بسنتين – وقد دعا فيه إلى الحاجة الماسة إلى : ” إعادة اليهود إلى فلسطين استنادا إلى نبوءات العهد القديم ” ، وصار هشلر الحليف المسيحي الأبرز لهرتزل في تحقيق رؤيته المتعلقة بانشاء الدولة الصهيونية ، وكان واحدا من ثلاثة مسيحيين دُعوا لحضور المؤتمر العالمي للصهيونية.
- ومن هذه الشخصيات المؤيدة والداعمة للصهيونية المسيحية ، رجل الدين وليام بلاكسون : ( ت 1935) الذي تزعم حملة لعودة اليهود إلى فلسطين وكان لكتابه ” عيسى قادم ” أثر كبير في البروتستانتية الأمريكية ، وهو أول من شكل بداية جماعة الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة.
- ومن أشهر السياسيين البريطانيين ” الألفيين ” المؤيدين للمدرسة الأمريكية – رغم معاداته الشديدة لليهود – اللورد أرثر بلفور ( ت 1930) المعروف باعطائه وعد الحكومة البريطانية بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
- ومنهم لورانس أوليفانت ( ت 1888) ، الذي يعمل في السلك الدبلوماسي البريطاني ، وعضوا في البرلمان الانجليزي ، وصاحب فكرة أن جهود اليهود داخل الحضارة الغربية أمر سلبي لأن جذورهم في فلسطين ، والذي يعارض بشدة الجهود المبذولة لتهجير اليهود إلى الولايات المتحدة ، وكانت جهوده الصهيونية تتسم بالعملية والحركية داخل فلسطين للبحث عن موقع مناسب للمستوطنين ، وقد لُقب مخلص اليهود ( قورش الثاني ) .
ومنهم أيضا : القس لويس واي ، وهنري درمن عضو مجلس العموم البريطاني ، والكولونيل جورج جاولر ، وجيمس فين ، وجوزيف تشامبرلين ، واللورد شافتسبري.
فالصهيونية المسيحية هي سابقة زمنيا للصهيونية اليهودية ، وهي الشكل السياسي من أشكال مناصرتها ورعايتها وتعزيزها.
يصف الدكتور عبد الوهاب المسيري الصهيونية المسيحية بأنها “نظرة ترى أن اليهود ليسوا جزءا من التشكيل الحضاري الغربي إنما هم شعب مختار وطنه المقدس في فلسطين ، لذا يجب أن يهاجر إليه ، واشتد هذا التيار بأفكاره الصهيونية ، ما أطلق على هذه النزعة اسم الصهيونية المسيحية ، التي تعبر عن فكر استعماري يأخذ شكلا دينيا ” ، ويقول أيضا : ” الأساطير والعقائد الألفية والاسترجاعية غير معروفة لدى المسيحيين الشرقيين ” … ” وليس هناك صهيونية مسيحية في الشرق ، بل أن أوائل المعادين للصهيونية المسيحية بين عرب فلسطين كانوا من العرب المسيحيين ” .
ورغم أن الصهيونية المسيحية ولدت من رحم الكنيسة البروتستانتية الغربية ، إلا أن هناك بعض الطوائف البروتستانتية الإنجيلية الليبرالية ( 2 ) تخالفها الرأي ، وتعتبرها هرطقات عنصرية مخالفة لرسالة المسيح.
في كتابه ” البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني ” ، يقسم الدكتور يوسف الحسن البروتستانتية في أمريكا إلى قسمين :
– القسم الأول ، ويمثل صلب التيار الصهيوني الأصولي ، ويضم ( كنائس البروتستانت الأنجلوسكسون البيض ) ، التي لها تأثير لوبي قوي على السياسة الأمريكية.
– والقسم الثاني ، ويمثل البروتستانتية الليبرالية ويشكل ( المجلس الوطني لكنائس المسيح ) المعارض لفكرة الوطن القومي اليهودي ، ففي عام 1979 أقر هذا المجلس في بيان له تأييد منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني ، كما أيد إعطاء الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير ، ودعا إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية .
( 2 ) – البروتستانتية الليبرالية :
التي تعتبر نصوص الكتاب المقدس تعبيرا مجازيا للحياة ، وأنه سجل لبحث الإنسانية عند الله ، أكثر من كونه وحي محفوظ ومقدس من الله إلى البشرية ، وهي من نتاج أناس عاشوا في زمن محدد وبثقافة معينة ، وبالتالي تكون معرفته نسبية حتى يتسنى تفسيره من خلال العلم والعقل.
مصادر البحث
————————-
1- الصهيونية والحضارة الغربية – د. عبد الوهاب المسيري.
2- الصهيونية المسيحية. د. محمد السماك.
3- البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني. د. يوسف الحسن.
4- الصهيونية المسيحية خارطة الطريق إلى هرمجدون ؟ . ستيفن سايرز – ترجمة نقولا أبو مراد.
5- الصهيونية غير اليهودية ، جذورها في التاريخ الغربي. ريجينا الشريف ، ترجمة: أحمد عبد الله عبد العزيز.