
الحوارنيوز – صحافة
نشرت صحيفة الأخبار في عددها الصادر اليوم تقريرين حول التقديمات الصحية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،مشيرة إلى أن المستشفيات لا تلتزم بقرارات الصندوق على الرغم من التعاميم الصادرة بتحسين هذه التقديمات.
فتحت عنوان “رفع تعرفات الاستشفاء: لم يعد الوضع إلى ما كنّا عليه!” كتبت راجانا حمية:
في 26 آذار الماضي، أعلن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي دخول التعرفات الجديدة للخدمات الطبية والاستشفائية داخل المستشفى وخارجه حيّز التنفيذ.
وأتى هذا الإعلان خلال اجتماع ثلاثي بين إدارة الصندوق ووزارة العمل ونقابة المستشفيات، أعلنت خلاله الإدارة عودة الأمور في الضمان إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، فهل هذه هي الحال فعلاً؟
بحسب جدول التعرفات الجديدة التي استندت إلى دراسة اكتوارية للخبير فاروق خطاب، قدّرت الزيادة بمعدّل وسطي يساوي 6.5 أضعاف للأعمال الطبية داخل المستشفى و4 أضعاف للأعمال الطبية خارجه.
فقد رفع الصندوق أجر السرير العادي في المستشفى يومياً من 800 ألف ليرة إلى 5 ملايين و500 ألف ليرة، وفي وحدة العناية الفائقة ووحدة عناية القلب المفتوح من 3 ملايين و100 ألف إلى 14 مليوناً، ووحدة العناية القلبية من مليون و300 ألف ليرة إلى 14 مليوناً، وغرفة العزل من مليون و150 ألفاً إلى 8 ملايين، والحاضنة من 750 ألف ليرة إلى 5 ملايين.
لم تلحظ التعديلات ارتفاع
أسعار الخدمات وتجاهلت المستلزمات الطبية
وفي ما يتعلق ببدلات الأطباء في المستشفى، عدّلت قيمة بدل طبيب الاختصاص من 350 ألف ليرة إلى 3 ملايين و600 ألف، والطبيب العام من 250 ألفاً إلى مليونين. ورفعت قيمة الفحوص المخبرية داخل المستشفى من 2300 ليرة إلى 10 آلاف وخارجه إلى ثمانية آلاف، وعدّلت قيمة الأشعة 3750 ليرة إلى 15 ألفاً داخل المستشفى و14 ألفاً خارجه، والأوكسيجين من 12700 ليرة للساعة إلى 100 ألف.
هذه «التسعيرة» تعود للمستشفيات المصنفة A، فيما حدّدت بأقل من ذلك في المستشفيات المصنفة B وC (أجرة السرير العادي 4 ملايين ونصف مليون ليرة في المستشفيات المصنفة B، و4 ملايين في تلك المصنفة C).
ما إن دخلت التعرفات الجديدة حيّز التنفيذ، حتى أصدرت دائرة العلاقات العامة في الصندوق بياناً أكّد سرعة التماس المضمونين لمفاعيلها الإيجابية، «حيث عاد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليغطّي تدريجيّاً حوالى 90% من فاتورتهم الاستشفائيّة»، وهو ما «زاد الثقة بالصندوق وبالمدير العام الدكتور محمد كركي الذي دائماً ما اعتمد مبدأ الشفافيّة ومكاشفة الرأي العام بواقع الأوضاع في الضمان وحقيقتها». لكن السؤال: هل عاد الصندوق إلى سابق عهده في التغطية فعلاً؟
واقع الأمر أنه باستثناء «البيان الوردي»، كما يصفه أهل الصندوق أنفسهم، لا شيء يوحي بأن الوضع عاد كما كان.
وأول التعليقات في هذا السياق هو ما خرجت به اللجنة الاستشارية الطبية العليا التي أحيل إليها اقتراح الإدارة بالزيادات في 5 آذار الماضي، إذ اعتبرت أن «الأسعار المقترحة لا تلامس الواقع». وإلى ذلك، يقرّ أعضاء في مجلس الإدارة بأن هذه الزيادات «قاصرة جداً عن الوصول إلى ما كنا عليه باستثناء ما حصل في الأدوية التي كانت نتائجها مرضية».
ويلفت العارفون إلى أن جلّ ما فعلته الإدارة هو تعديل الدولار من 1500 ليرة إلى 90 ألفاً و100 ألف ليرة في بعض المواضع.
باستثناء ذلك، لم تلحظ التعديلات ارتفاع أسعار الخدمات. أما الأهم، فهو «تجاهل التعديلات للمستلزمات الطبية، ومنها مثلاً مستلزمات جراحة العظم والورك وغيرها مما لا يبدو أن هناك إمكانية لتغطيته في المدى المنظور».
أما الأزمة التي ستندلع لاحقاً، فتتعلق بما تسميه إدارة الصندوق «وفراً». وهنا ثمّة ملاحظتان أساسيتان، «أولاهما أنه بحسب قانون الضمان لا شيء يُطلق عليه وفر، بل هناك أموال احتياط، وما تتحدّث عنه الإدارة لا يسمّى وفراً بل حقوق مضمونين تجمّعت لدى الضمان بسبب امتناع هؤلاء عن تحصيلها نتيجة تدهور قيمتها».
والثانية أن الإدارة «ركّبت» الإنفاق على أساس هذه الحقوق، فبدل أن تقوم بدراسة واقعية وواضحة بالأرقام والتفاصيل للكلفة الحقيقية للاستشفاء، «عكست الآية، على قاعدة أن هناك أموالاً فكيف نوزّعها»، والنتيجة «شلف» دراسة اكتوارية تقدّر التكاليف ونسبتها، مستندة إلى «الوفر وإلى الموازنة الصورية التي تتوقع عبرها الإدارة تحصيل نحو 9 آلاف مليار من الاشتراكات ليصبح لديها نحو 20 ألف مليار ستستخدمها بين الدواء والاستشفاء».
وهذه، بحسب المصادر، معادلة «ملغومة»، خصوصاً أنه «لا يمكن الاتكال على موازنة بلا قطع حساب».
لذلك، هناك أسئلة حقيقية عن «أداء الإدارة، وهل ستحصّل الاشتراكات التي يفترض بها تحصيلها، وهل تدفع ما يتوجّب عليها، وهل نعرف أساساً كم تبلغ الديون على الصندوق؟».
لكل هذه الأسباب، يمكن أن تفيد هذه الزيادة «في مستشفيات الأطراف أو المصنفة بدرجات أدنى. أما في المستشفيات الكبرى، فالأمر مستبعد». ولهذا لم توافق نقابة أصحاب المستشفيات في اللقاء مع إدارة الضمان ووزارة العمل على هذه التعرفات، و«سنمشي بها لمدة مؤقتة» بحسب النقيب سليمان هارون، لأنها «توازي نصف ما نقدره في دراستنا. وقد طلبنا من وزير العمل بأن يعمل على تكليف شركة استشارية مستقلة لإعداد دراسة عن الكلفة ليُبنى على الشيء مقتضاه».
وتحت عنوان “الضمان مشغول بتوظيف الأموال لا بزيادة التقديمات” كتب فؤاد بزي:

فيما يقف المضمون حائراً على أبواب المستشفيات التي تفرض عليه أن يدفع مبالغ هائلة من جيبه للحصول على الخدمات الطبية، ينشغل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في نقاش عقيم عن توظيف 57 ألف مليار ليرة، أي نحو 637 مليون دولار، من أموال فرعَي نهاية الخدمة والمرض والأمومة.
في مطلع الأسبوع الماضي تبلّغ الضمان بمصادقة وزير العمل محمد حيدر على موازنة 2025 التي تخصّص مبالغ للتوظيف في المصارف.
وقد سبق أن خاض الصندوق هذا النقاش قبل أسابيع بين من يريد توظيف الأموال في المصارف أو في سندات الخزينة لتحصيل فوائد عليها، وبين رأي آخر يشير إلى ضرورة زيادة التقديمات، لا سيما أن جزءاً من سيولة الصندوق متأتية من ضمان المرض والأمومة الذي كان يسجّل عجوزات ضخمة في السنوات الماضية وأصبح اليوم مع حالة التقشّف و«ضبضبة» التقديمات، يسجّل فوائض.
أصحاب هذا الرأي، أي أعضاء مجلس الإدارة الداعين إلى رفع التغطية الصحية، يرون أنه لا يجوز إعادة توزيع أموال الاشتراكات على الفروع بينما يعاني المضمون من هزالة تقديمات الصندوق.
لم تُطرح أي فكرة لزيادة التقديمات الخاصة
بفرع المرض والأمومة
فالصندوق ما زال قاصراً عن إعادة التغطية إلى النسبة التي كانت عليها قبل الانهيار، أي 90% من قيمة الفواتير الاستشفائية و85% من قيمة الفواتير الطبية، بشكل فعلي وليس في البيانات الإعلامية. ثمة الكثير من المضمونين الذي أبلغوا «الأخبار» أنهم لا يقدّمون فواتير الأدوية إلى الضمان بسبب هزالة التقديمات، إذ يسترد المضمون أقلّ من 15% من سعر الدواء. فالصندوق يحتسب السعر المدولر للأدوية العادية على أساس 15 ألف ليرة لكل دولار. والتغطية الاستشفائية في المستشفيات ليست أفضل حالاً.
أحد المضمونين دفع مبلغ 700 دولار من جيبه نقداً، بعد مكوثه 18 ساعة في المستشفى وإجراء فحوصات عادية. وبلغ فارق فاتورة إجراء عملية استئصال سرطان من الغدد اللمفاوية 2800 دولار.
وسيدفع مضمون آخر مبلغ 4500 دولار بدل إجراء 8 جلسات علاج كيميائي. وبدلاً من التفكير في كيفية زيادة التقديمات، انقسم الضمان بإدارته ومجلس إدارته إلى رأيين؛ تبنّى الأول فكرة توظيف الأموال كيفما كان، سواء في المصارف التجارية أو في المصرف المركزي. ويهدف أصحاب هذا الرأي ومنهم الإدارة إلى تحصيل فوائد على الأموال بمعزل عن حجم التقديمات.
وتبنّى الرأي الثاني الممثل بسبعة أعضاء من مجلس الإدارة، فكرة إيداع الأموال في المركزي في حسابات جارية، لا فوائد عليها، خوفاً من «الاضطراب المالي المستمرّ في لبنان نتيجة للأزمة الاقتصادية».
وفي جلسة مجلس الإدارة الأخيرة، وُضع على الطاولة عدد من الآراء لم يتضمن أيّ منها فكرة زيادة التقديمات الخاصة بفرع المرض والأمومة.
ودار النقاش حول كيفية توظيف الأموال، إما عبر الاكتتاب في سندات الخزينة أو شراء سندات من المصارف التجارية. وبحسب مصادر «الأخبار»، اقترح رئيس المحاسبة في الصندوق شراء سندات طويلة الأمد من المصارف التجارية، يستحق دفعها بعد 170 شهراً، أي بعد 14 سنة، على أن يحصل الضمان على حسم قدره 10% على أسعار السندات. وإثر هذا الطرح، رفض عدد من أعضاء مجلس الإدارة دفع الضمان ثمن «سندات لا قيمة لها بسبب الانهيار الاقتصادي»، فسقط الطرح.
رعم ذلك، عاد النقاش إلى نقطة شراء سندات خزينة من المصارف التجارية بفائدة تصل إلى 20%. بعض أعضاء اللجنة المالية اعتبروا أن هذه العملية بمنزلة «شراء عام»، أي إنها تخضع لقانون الشراء العام.
وفي سعيها المستميت إلى توفير تغطية لعملية التوظيف، أرسلت إدارة الضمان إلى الهيئة تفاصيل عملية الشراء التي تنوي القيام بها الأسبوع الماضي في رسالة حملت الرقم 13. ولكن لم تلتفت الإدارة إلى أنّ أحكام قانون الشراء العام لا تنطبق على عملية شراء السندات، إذ حدّدت المادة الثالثة منه أنّ «أحكام هذا القانون تسري على جميع عمليات الشراء العام من لوازم وأشغال وخدمات»، أي إن قانون الشراء العام لا ينطبق على توظيف الأموال في الأوراق المالية.
وبحسب رئيس اللجنة المالية في الضمان بطرس سعادة، فإن المطروح «شراء سندات خزينة من المصارف التجارية بضمانة المصرف المركزي»، وبالتالي «لن نشتري سندات من دون معرفة وضعها».
ويقول: «التوظيف ليس آمناً الآن»، والمطروح «أحلاه مر»، فإما «أن توضع أموال الضمان في المركزي من دون فوائد، ما يعني خسارة مبالغ كان يمكن تحصيلها على شكل فوائد للضمان»، أو نتحمل «احتمال وقوع الخسارة في حال القبول بالتوظيف في المصارف التجارية لأنّ مخاطرها عالية».
ويذكر أنّ التوظيفات في الضمان الاجتماعي تخضع لقرارات اللجنة المالية. وفي آخر اجتماع قانوني للجنة عام 2012، أقرّت بأنّ التوظيفات ستقسم بنسبة 80% على شكل سندات خزينة في المركزي، و20% في المصارف التجارية. وبسبب الأزمة الاقتصادية، لا يصدر المركزي سندات خزينة جديدة، ما جعل من أموال الضمان المخصصة للتوظيفات موجودة على شكل ودائع في المركزي، لا يترتب عليها أي فوائد.


