“التسليم” أقوى درجات الهزيمة (عماد عكوش)
بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
التسليم حالة نفسية، والشخص الذي يعتمد مبدأ التسليم الدائم قد يرى النصر من منظور مختلف تمامًا ، فهو قد يرى أن النصر الحقيقي يكمن في القبول بالحياة كما هي ، وأن الهزيمة هي في مقاومة الواقع بلا جدوى . لكن هذا الموقف يمكن أن يكون إشكاليًا إذا تحول إلى تبرير للركود أو التخاذل .
مفهوم الهزيمة والنصر في سياق الحياة اليومية
الهزيمة والنصر ليسا مجرد مفاهيم حصرية مرتبطة بمعارك عسكرية ، بل هما حالتان نفسيتان تتعلقان بتفاعل الفرد مع نفسه ومع الحياة ، ويمكن لأي شخص أن يشعر بالهزيمة أو الانتصار حتى دون أن يشارك في معركة عسكرية ، إذ أن المعيار الحقيقي لا يعتمد دائمًا على المواجهات ، بل على التفاعل الداخلي مع المواقف والصراعات الشخصية بعض الاحيان .
كيف ينهزم شخص لم يشارك في معركة؟
– الاستسلام للأفكار السلبية: عندما يتبنى الفرد رؤية سوداوية للعالم أو لنفسه ، ويعتقد أن الجهد لن يؤدي إلى نتيجة، فإنه يكون قد هُزم داخليًا دون خوض أي معركة. هذه الهزيمة ناتجة عن الانفصال عن الإرادة والقدرة على السعي.
– الخوف من المحاولة: قد يُهزم الإنسان بسبب تردده في اتخاذ الخطوات الأولى نحو تحقيق أهدافه خوفًا من الفشل. هذا الخوف هو معركة خاسرة مسبقًا لأنه يمنعه من اكتشاف إمكانياته.
– التسليم الدائم: عندما يعتمد الشخص مبدأ التسليم المطلق لكل الظروف دون أي محاولة للتغيير أو التحسين، فإنه يضع نفسه في موضع الهزيمة المستمرة. هذا التسليم ليس تسليمًا إيجابيًا ينبع من القناعة، بل هو استسلام ناتج عن شعور بالعجز.
ان التسليم في مواجهة عدو متغول يطمع في أرضك ومياهك قد يبدو خيارًا يهدف إلى تقليل الخسائر الفورية ، لكنه غالبًا لا يُعتبر انتصارًا ، بل يُمثل قبولًا بالهيمنة أو الخضوع ، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل . ومع ذلك ، يعتمد تقييم هذا الأمر على السياق والظروف المحيطة.
التسليم هو هزيمة في العادة لأنه يُظهر استسلامًا لإرادة العدو دون تحقيق أهداف أو حماية الحقوق ، وفي حال كان العدو متغولًا وله أطماع واضحة ، من الصعب أن يؤدي التسليم إلى نتائج إيجابية للأسباب التالية:
زيادة الطمع: التسليم قد يشجع العدو على التمادي وفرض مزيد من السيطرة، لأنه يدرك غياب المقاومة.
فقدان السيادة: التخلي عن الأرض أو المياه يُضعف قدرة الدولة على حماية حقوقها الأساسية مستقبلاً.
إضعاف الموقف التفاوضي: يؤدي التسليم إلى خسارة المزايا التفاوضية، حيث يصبح الطرف المستسلم في وضع أضعف.
كيف ينتصر شخص لم يشارك في معركة؟
– الانتصار على النفس: الانتصار الحقيقي يبدأ من الداخل ، وهو القدرة على مواجهة المخاوف ، والتحرر من القيود النفسية ، وتجاوز العقبات الذاتية . عندما يحقق الإنسان تقدمًا في فهم ذاته وتنمية قدراته ، فإنه يكون قد انتصر.
– التفاعل مع الحياة بإيجابية : الشخص الذي يرى في التحديات فرصًا للتعلم والنمو ، وينجح في تحويل الصعوبات إلى مكاسب ، يُعد منتصرًا حتى دون أن يدخل في مواجهات صريحة.
– العيش بسلام داخلي : النصر لا يعني دائمًا التغلب على الآخرين ، بل يمكن أن يعني الوصول إلى حالة من الرضا والسلام الداخلي بغض النظر عن الظروف الخارجية.
كيف يتحدث من يعتمد مبدأ التسليم الدائم عن الهزيمة والنصر؟
الشخص أو الفئة التي تعتمد مبدأ التسليم الدائم تتحدث أحيانًا عن النصر والعزيمة كوسيلة لتبرير خياراتها أو لتجنب النقد المجتمعي ، حتى لو كانت مواقفها تناقض جوهر هذه المفاهيم.
كيف يتحدثون عن النصر والعزيمة؟
إعادة تعريف النصر:
قد يُعرفون النصر بأنه تقليل الخسائر أو الحفاظ على ما تبقى ، بدلاً من تحقيق الأهداف أو استعادة الحقوق كما يصفون الاستسلام بأنه “خطوة حكيمة” أو “إنقاذ للوطن”، حتى لو كان الواقع يشير إلى عكس ذلك.
الترويج للسلام كعزيمة :
يصورون قبول الأمر الواقع على أنه شجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة، ويتجنبون استخدام مصطلحات مثل “الاستسلام” أو “الهزيمة”. وقد يقولون إن “الحفاظ على الأرواح” أولى من خوض معارك، دون النظر إلى العواقب طويلة المدى.
إلقاء اللوم على الظروف:
يُرجعون خيارهم للتسليم إلى عوامل خارجة عن إرادتهم، مثل قلة الموارد، ضعف الإمكانيات، أو تخلي الحلفاء ويبررون التسليم بكونه أفضل الخيارات المتاحة في ظل “الواقع الصعب”.
التشكيك في المقاومة:
ينتقدون فكرة المقاومة، معتبرين أن العزيمة ليست في القتال بل في “التفاوض” أو “الصبر على الواقع” ويصورون من يدافع عن الحقوق بأنه متهور أو غير واقعي.
في النهاية الهزيمة والنصر حالتان داخليتان تعكسان علاقة الإنسان بنفسه وبالعالم من حوله. لا يتعلق الأمر بالمشاركة في معارك خارجية فقط ، بل بقدرة الفرد والجماعة على التفاعل مع ظروفهم وتحدياتهم ، والتسليم ، إن كان إيجابيًا ، يمكن أن يكون مدخلًا للسلام الداخلي ، لكنه يصبح سببًا لأكبر هزيمة إذا تحول إلى مبرر للركود والتخاذل.