التركيبة والنظام والمؤسسات اللبنانية في ميزان الفكر السياسي:الاصلاح الحقيقي هيكلي وليس في السياسات(علي يوسف)
كتب علي يوسف – الحوار نيوز
يصعب عليك وانت تنظر الى لبنان ان ترى وطنا نهائيا لجميع ابنائه كما يحلو للجميع ان يدعي ويكرر ،ان من باب ابراء الذمة من اتهامات التبعية او من باب المزايدات الوطنية الفارغة ..فما يزال لبنان في احسن احواله، كيانا يضم فئات تتوافق على القطعة(ارطة عالم مجموعين .. كما قال زياد الرحباني يوما )وهذا التوافق على القطعة لا يتناول فقط السياسات الاجرائية والتي يمكن ان تكون مبررة لدواع عدة مختلفة، بل يتناول ايضا السياسات الوطنية التي تتناول الامور الهيكية والامن الوطني الذي يحدد الهوية والانتماء والتاريخ والحاضر والمستقبل لما يُفترض ان يُسمّى الوطن ونظامه وانظمته وسياساته..
و سنقتصر في البحث هنا على الاشارات التي تدلل وتُظهر ما نقول ،لان البحث التفصيلي يحتاج الى مئات الصفحات التي يُفترض ان تُفتح على مستوى النقاش الوطني في حوار جدي لا يُشبه ابداً شعار الحوار المطروح الذي يهدف فقط لتكريس “توافقات القطعة “…
ولنقل بصراحة ومن دون اي مواربة انه لا بديل عن بناء وطن، ان بالحوار اذا امكن او بطرق اخرى سوف نتناولها لاحقا .
بالعودة الى اشاراتنا نبدأ بالدستور .. فالدستور يرتكز الى ما يُسمى وثيقة الوفاق الوطني ،والى محاصصة رئاسيات مرجعيتها الوحيدة ودلالتها الوحيدة اعتبارات طائفيةتنطلق من التوازنات الطائفية التي ارساها الانتداب في تكوين لبنان وتطوراتها ..ولا حاجة هنا لكثير من الذكاء لاكتشاف اننا عندما نقول الوفاق الوطني نختزن سلفا الاقرار بوجود الخلاف ومن ثم التوافق على حل للخلاف الذي تمثله هذه الوثيقة التي اقرت في آخر نسخها الهزيلة في الطائف .. وكان يمكن ان تأخذ الوفاق بالمعنى الايجابي لولا ان التوزيع الحصصي الطائفي يأخذك الى ان كلمة الوطني هنا مستعارة، وان الوفاق هو في الحقيقة وفاق طوائفي يرتكز الى التوازنات الطائفية ومُهيّأ للانفصال بحسب توازنات الطوائف ومصالحها وليس بحسب المصلحة الوطنية الواحدة … ولا يكفي هنا الادعاء ان المصلحة الوطنية هي واحدة وبالتالي لا مبرر لاختلاف الطوائف حولها، لأنه لو كان ذلك صحيحا لما شهدنا الحروب الاهلية ولا شهدنا هذه الانقسامات العامودية الطائفية ،ولا شهدنا هذه الاولوية في التبعيات الخارجية ،ولا شهدنا اعادة الكلام عن ضرورة الحوار عند كل استحقاق اجرائي، من الانتخابات المتنوعة الى التعيينات الى السياسات الخ …..
وللانتقال الى المؤسسات نبدأ برئاسة الجمهورية حيث يُفترض ان يكون الرئيس حكما ورمز وحدة الوطن ،وتحول مع تراجع صلاحياته تدريجا وصولا الى مرحلة فقدان المرجعية الفارضة، الى موقع ماروني يشكل رمز خلافات الوطن .ثم تفاقم الامر مع كاريكاتور الرئيس القوي الى رمز انقسامات الوطن، وتعودنا على ازمات انتخابات الرئيس التي تجعل من اي رئيس بعد انتخابه حواريا أوبالقرارات والايحاءات الخارجية ،مشروع حل لبدء مشاريع ازمات تعبر دائما عن واقع الكيان الذي لا يجمعه الا “الموسم السياحي” وانبساطاته اللبنانية شكلا وديكورات بشرية ،والتي يحلو للبعض ان يُسميها ثقافة الحياة ،من باب تأكيد الجهالة الفكرية التي تعطي مفاهيم لانشطة ظرفية وسطحية …
وبالانتقال الى مجلس النواب تصبح الغربة اكثر وضوحا. فبدل ان يكون المجلس مؤسسة التشريع لقوننة تحصينات الوطن الهيكلية وتطويرها وقوننة السياسات والبرامج الحكومية بما يتناسب والهوية الوطنية ،وبدل ان يكون المكان الذي تتم فيه محاسبة الحكومة على مدى الالتزام ببرامجها وبما يعزز التنمية على انواعها و يُطور الافضليات التي تسمح بتعزيز موقع لبنان .. تحول المجلس الى مكان توزيع المغانم في تركيب المؤسسات وفي السياسات والتمويلات ،بحيث فقد دوره التشريعي الوطني وفقد دوره الرقابي.. إلا على صعيد تأكيد عدم التلاعب في الحصص المتفق عليها .. ووصل الامر في التدحرج الى اعتقاد بعض من يُسمون انفسهم معارضة “هزلاً” وآخرين اعطوا لانفسهم صفة “صنف نيابي” واطلقوا عليه اسم “التغييريين ” ،وصل بهم الامر الى الخلط بين دورهم في ما يُسمى المؤسسات غير الحكومية وبين دورهم في المجلس النيابي، فيحاولون جادين تحويل التشريع من قوانين الى شعارات للادانات او لتسجيل النقاط او لاكتساب رضا اكبر عند المعلمين ..و تلاقت هذه المحاولات مع محاولات “زعيم الحقوق “المعجزة المتذاكي الدائم العالي الصوت بالشروط المشروطة املا في استعادة الجمهور ،فتعطل المجلس مضمونا ودورا، انسجاما مع واقع انقسامات مجموعات الكيان الذي تحول الى دولة فاشلة ..
ونصل الى مجلس الوزراء الذي تنطبق عليه كل الصفات إلا صفة المجلس .فبحسب الطائف تجتاح التناقضات تركيبة هذا المجلس ،فهو الذي يُفترض ان يكون موقع رسم السياسات انطلاقا من هوية وطنية ثابتة وانطلاقا من برنامج البيان الوزاري ،الا انه وبحسب الطائف الوزير سيد وزارته وبالتالي هو الذي يحدد السياسات وينفذها ومجلس الوزراء، هو عملية جمع للوزراء والذي يتحول غالبا الى موقع انقسامات الوزراء وانفصالهم ،وبالتالي تحول البيان الوزاري الى مشروع بيان شعارات يوضع في الخزائن منتهيا الصلاحية بعد الاقرار .. كما تحول مجلس الوزراء الى مجلس استجابة وتعاملات ظرفية مع المشكلات بعد استفحالها ،وغابت السياسات وما تعنيه اسبابا ومفاعيل وتطورا وتنمية ،وبتنا امام حكومات تسقط فعليا بعد اول اجتماع لها بعد نيل الثقة وتستمر شكلا وخدمة للمافيات ومواقع السيطرة الى الاستحقاق على طريقة” اقرب الاجلين “….
ولعل ما يُسمى اجهزة الرقابة والقضاء هي الصورة الاوضح لواقع الكيان الحصصي الانقسامي المولد للازمات .. فعملها يرتبط نشاطا ودورا ونتائج في القضايا الحساسة (التي لا تتعلق بالذين لا صوت ولا دعم لهم )بالانقسامات والتوازنات التبعية والسياسية والطائفية ،وكل الرقابات والعدالة تصبح وجهة نظر مهما كانت فادحة حتى لوكانت تتعلق بالخيانة الوطنية ..!!!
في مثل هذا اللبنان الكيان لا عجب من اصرار البعض على انتخاب رئيس للجمهورية “بالشعارلت والاتهامات والصراخ “،مع علمه باستحالة ذلك من دون وفاق…. على القطعة … ولا عجب من اصرار البعض الاخر على الحوار للوفاق من ضمن تاريخ الوفاقات التي نتمتع يوميا بالاستهزاء منها ونبكي على واقع كيان منهار قام على استنساخ تجاربها المريرة ….
بعد هذا العرض لواقع السلطات اللبنانية الثلاث ،وحتى لو ازعج البعض ما سنقول … نقول ؛ تعالوا الى حوار لبناء هوية وطن كفيلة بتحديد انظمته وسياساته .. و إلا فلا مفر من قوة رائدة تفرض هوية مقنعة ورائدة انطلاقا من الجغرافيا السياسية والانتماء ورؤيا للمستقبل … وبعدها سيقتنع العاجز عن رؤية مصالحه، بصوابية الفرض للوصول الى “وطن ودولة ومصلحة وطنية ” …