كتب حلمي موسى من غزة:
تقف إسرائيل على قدميها الخلفيتين وترفس أمامها ،قبل أن تعود لتقف على قدميها الأماميتين وترفس وراءها. هذا ما تفعله اليوم، تارة مع أمريكا وأخرى مع قطر وثالثة مع البرازيل ورابعه هنا وخامسة هناك. فما من وصف للسياسة الإسرائيلية سوى تخبط على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وأمام تخفيض تصنيفها الاقتصادي من “موديز” لم يجد وزير ماليتها سوى توجيه اتهامات باللاسامية. كما أن رد إسرائيل على مخطط أمريكا لإنقاذها من جنونها سوى مزيد من التعصب والتطرف. أما مع الرئيس البرازيلي فإنها وجدت نفسها أمام إذلال سفيره في مسار قطع العلاقات بعد أن اتهمها بالإبادة الجماعية وبتكرار أفعال هتلر.
وردا على ما بات يعرف بخطة أمريكا السريعة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، أعلن نتنياهو أن إسرائيل سوف تحتفظ بالسيطرة الأمنية الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة. وجاء في بيان باسمه أصدره ديوانه أنه منذ بداية القتال، واجهت إسرائيل ضغوطا دولية، وقد ازدادت في الأيام الأخيرة من أجل “فرض إقامة دولة فلسطينية”. وأضاف أنه “منذ خمسة أشهر ونحن ندير حملة سياسية غير مسبوقة أتاحت لمقاتلينا حرية العمل لتحقيق كافة أهداف الحرب”.
وقال:”لقد تصدينا خلال هذه الفترة للعديد من الضغوط الدولية الهادفة إلى وقف الحرب قبل أن تتحقق جميع أهدافها، بينما شهدنا في الأيام الأخيرة نوعاً جديداً من الضغوط: محاولة فرض إقامة الدولة الفلسطينية علينا بشكل أحادي، ومن شأنها أن تعرض وجود دولة إسرائيل للخطر”.
وأوضح: “نحن نرفض ذلك رفضا قاطعا”، مؤكدا أنه عرض على الحكومة مشروع قرار ينص على أن إسرائيل ستعارض محاولة فرض إقامة دولة فلسطينية من جانب واحد، والذي سيتم تقديمه أيضا كمشروع قرار متفق عليه لإقراره في الكنيست.
وأضاف: “على الرغم من وجود آراء مختلفة داخل الحكومة في ما يتعلق بالتسوية الدائمة، إلا أن هذا الاقتراح تم قبوله بالإجماع وسيحظى بأغلبية ساحقة. نحن جميعا متحدون في الموقف القائل إن إسرائيل يجب ألا تخضع للإملاءات الدولية بشأن مثل هذا الموضوع الوجودي”.
وقال نتنياهو: “حتى أولئك الذين لديهم آراء مختلفة، متفقون على أنه بعد السابع من أكتوبر يجب علينا أن نتخذ القرارات المتعلقة بوجودنا ومستقبلنا بأنفسنا”. ودعا “جميع الأحزاب الصهيونية” إلى التصويت لصالح مشروع القرار. وأوضح: “في أي وضع، مع أو بدون تسوية دائمة، ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة على كامل المنطقة غرب الأردن، بما في ذلك بالطبع يهودا والسامرة وقطاع غزة. لقد أصبح الأمر أقوى بعد المذبحة الرهيبة التي وقعت في 7 أكتوبر”.
ومعروف أن صراعا يدور في الكنيست حول من سيسجل لنفسه جمع التأييد لقرار رفض الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية. وكان عضو الكنيست زئيف ألكين من المعسكر الرسمي قد تقدم قبل أسبوعين باقتراح لإقرار موقف بعد “البيانات والمنشورات في العالم بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية وضرورة الاستعداد الإسرائيلي لتحدي سياسي محتمل”. وقد قدم إلكين اقتراحه بالفعل في بداية الشهر، أي قبل حوالي أسبوعين من طرح الموضوع في جلسة المجلس الوزاري المصغر، وينص على أن “أحد أهداف السنوار كان إعادة فكرة الدولة الفلسطينية إلى الحياة. إن إقامة هذه الدولة هو بمثابة مكافأة لحماس، وسيكون خطر 7 أكتوبر في كل إسرائيل. لم يطلب أحد من الولايات المتحدة أن توافق على إنشاء دولة لتنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر، وينبغي لدولة إسرائيل أن تعطي إجابة واضحة للغاية – لا مطلقة، ولا ينبغي لنا أن ننتظر، بل يجب أن نستعد لحملة دولية اليوم. “
وكان مقررا مناقشة الاقتراح مساء أمس إلا أن نتنياهو لم يرغب أن يسجل إقرار هذا الاقتراح في خانة أحد سواه فقرر تقديم الاقتراح باسم الحكومة.
وبحسب تشكيلة الكنيست فإن أغلبية أحزاب الائتلاف والمعارضة تعتزم التصويت لصالح القرار، وبالتالي المصادقة على قرار الحكومة الذي اتخذته أمس بشأن عدم الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية من جانب واحد، في ضوء التقارير التي تروج لها الولايات المتحدة . وقد تم الاتفاق على ذلك حتى مساء أمس، ولكن في جلسة رئاسة الكنيست التي عقدت ظهرا، تبين أن الائتلاف معني بإدخال اقتراح إلى النظام نيابة عن الحكومة التي ستصادق على قرارها الصادر عن اجتماع الحكومة أمس، بشأن موقف دولة إسرائيل من إقامة الدولة الفلسطينية.
ولذلك، تم إلغاء المناقشة والتصويت التي كانت مقررة الليلة الفائتة على اقتراح عضو الكنيست إلكين لصالح مناقشة وتصويت على اقتراح الحكومة في جلسة المقرر عقدها يوم الأربعاء. ورغم أن جميع أعضاء الحكومة يوافقون على اقتراح عضو الكنيست إلكين، إلا أنه يبدو أن الائتلاف لا يريد تقاسم الفضل مع عضو معسكر الدولة الذي كان حتى وقت قريب في المعارضة.
وكل هذا أيضًا على خلفية تصريحات رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، الذي كتب صباح اليوم على حسابه X (تويتر سابقًا): “إن اقتراح الحكومة الذي سيتم طرحه للتصويت في الكنيست اليوم، ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، ليس سوى التفاف من نتنياهو حول معارضة القرار الأحادي الجانب، لكنه في الوقت نفسه وعد والتزم أمام السعوديين بأنه كجزء من الصفقة، سيوافق على إقامة دولة فلسطينية بشكل أو بآخر”.
وكتب ليبرمان أيضًا أن “تصويت اليوم هو في المقام الأول تصويت على إقامة دولة فلسطينية في إطار التسوية مع المملكة العربية السعودية. وكما هو الحال دائماً، يحاول نتنياهو خداع الجميع. وفي كل الأحوال، فإن إسرائيل بيتنا ستعارض إقامة دولة فلسطينية إذا تم ذلك من جانب واحد وفي إطار صفقات نتنياهو المشبوهة».
ورغم إيحاءات نتنياهو بوجود إجماع داخل الحكومة إلا أن وثيقة أعدها عضو كابينت الحرب الجنرال غادي آيزنكوت تفضح هذا الاجماع. وقد نشرت القناة 12 أن آيزنكوت سلم أعضاء كابينت الحرب وثيقة تحذيرية مفادها أن إسرائيل تحقق انجازات تكتيكية وليست استراتيجية. وحسب قوله “أننا لا نتخذ قرارات مهمة وبالتالي هناك صعوبة واضحة في تحقيق أهداف الحرب. لا يوجد إنجاز كامل. كل شيء جزئي أو غير محقق”. وأوضح أن من بين أمور أخرى، أن تفكيك القدرات العسكرية والحكومية وعودة المختطفين تحقق جزئياً، كما تم استعادة الأمن لسكان المنطقة المحيطة. ومع ذلك، وبحسب قوله، فإن حالة إنهاء الحرب التي لا يوجد فيها تهديد من غزة وتعزيز الأمن الشخصي والصمود الوطني لمواطني إسرائيل لم تتحقق.
وقال آيزنكوت: “من الناحية العملية، لم يتم اتخاذ أي قرارات حاسمة لمدة ثلاثة أشهر. فالحرب تجري وفق إنجازات تكتيكية، دون تحركات كبيرة لتحقيق إنجازات استراتيجية”. وبحسب التقرير أيضًا، ادعى آيزنكوت أن هناك خمسة قرارات يجب اتخاذها الآن : الانتقال الكامل إلى المرحلة الثالثة، تنفيذ مخطط آخر لعودة المختطفين، منع التصعيد في يهودا والسامرة على خلفية معركة رمضان، وإعادة السكان إلى شمال فالدوم والترويج لبديل مدني لحكم حماس في غزة.
ورغم أن الحرب في غزة، وفق آيزنكوت، لم تحقق انجازات كاملة إلا أن نتنياهو وحكومته قرروا توسيع الصدام مع الفلسطينيين في الضفة والداخل من خلال قرارات تقييد دخول المصلين إلى الحرم القدسي في شهر رمضان. ويعتقد حتى قادة أمنيون إسرائيليون أن ذلك سيقود إلى تفجير الوضع في الضفة،9 وربما في المناطق العربية داخل الخط الأخضر.