د. عدنان عويّد* – الحوارنيوز خاص
السلطة لغةً:
جاء تعريف أو معنى السلطة في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي
سُلطة:(اسم). والجمع: سُلُطَاتٌ، سُلَطٌ. والسُّلْطَةُ: التَّسَلُّطُ والسيطَرَةُ والتحكُّمُ.
السلطة اصطلاحاً:
هي التأثير برأيي على سلوك وطريقة تفكير الأفراد في المجتمع بإستخدام القوّة الشرعيّة أو اللاشرعيّة، هذه القوّة التي تمنح حواملها الاجتماعيين أو السياسيين، كاريزميّة كانت أو حزبيّة أو قوى طبقيّة معينة بناءً على موقعها في هرم السلطة الإداريّة أو السياسيّة في مرحلة تاريخيّة معيوشة، إصدار القرارات القانونيّة أو التشريعيّة بغية ضبط آليّة توازن الفرد والمجتمع والدولة، وغالباً ما تكون هذه القرارات أو التشريعات مغاطاه بعباءات أيديولوجيّة معينة، دينيّة كانت أو وضعيّة.
هذا وتُعدّ السلطة غير شرعيّة في حال استخدامها تطبيق قراراتها من خلال الإجبار، والإكراه والعنف، لأنّ أساس السلطة وجود سند شرعيّ لها يحدد طبيعته دستور الدولة الذي تحددت مضامينه السلطويّة بعقد اجتماعيّ متفق عليه، لذلك من واجب السلطة ممثلة بحواملها الاجتماعيّة، أن تحترم الحقوق الإنسانيّة الطبيعيّة والمكتسبة للأفراد، وتضمن تطبيق العدالة على كافة المجالات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة في الدولة أو المجتمع.
التكوين التاريخيّ للسلطة:
إنّ المتابع لتشكل (السلطة) عند الكتاب والمفكرين والفلاسفة سيجد الاختلاف في وجهات النظر حولها. فهي في مشروع “الحاكميّة لله” كما طرحها الخوارج وفيما بعد أبو “الأعلى المودودي” ومن تبنى فكرته سياسياً، هي السلطة التي تقر بأنّ السلطة من عند الله وحده، وما شرعه الله في هذا الاتجاه لا راد لحكمه ولا تعديل أو حذف أو مراجعة له. وبالتالي فإنّ تبني أيّة سلطة من خارج الحاكميّة مهما تكن، هي خروج على إرادة الله وشرعه، وهذه السلطة المقدسة، هي غيرها مثلاً عند الفيلسوف الانكليزي “توماس هوبز” الذي ميّز بين حالتين يكون عليهما المجتمع الإنسانيّ وسلطاته.
الأولى: وهي الحالة الطبيعيّة للمجتمع، وتتجلى في مجمل العلاقات الإنسانيّة القائمة في هذه الحالة، حيث يتصرف الناس وفقاً لقانون (حفظ البقاء)، الذي يحق لكل فرد هنا الاستئثار بما يستطيع أن يأخذه أو يستولي عليه من الطبيعة المحيطة به، وهذا الحق في الاستئثار عند هوبس يعني القوّة أو (السلطة)، الأمر الذي ستتحول فيه العلاقات الاجتماعيّة في هذه الحالة الطبيعيّة بالضرورة إلى حالة حرب، الكل ضد الكل. بيد أنّ هذه الحرب تظل محكومة (بتنازع حفظ البقاء)، مما يدفع الناس لحفظ هذا البقاء إلى طلب السلم، وهذا بدوره يتطلب في نهاية المطاف أن يتنازل كل فرد عن قسم من حقه المطلق في تملك كل شيء، ويتم هذا التحول التاريخي في الحقوق وتالياً السلطة، من خلال انتقال المجتمع من الحالة الطبيعيّة إلى الحالة الثانية وهي:
السلطة المدنيّة: وهي التي تقوم على سلطة مركزيّة تعبر عن إرادات المجتمع ممثلة بسلطة الدولة، وهذا ما سنشير إليه بعد قليل عند حديثنا عن نظريّة “العقد الاجتماعي” عند فلاسفة عصر التنوير. (1)
أما سلطة – (الدولة) – وتشكلها عند روسو ومعظم فلاسفة عصر التنوير فتأتي في صيغتها الحديثة من خلال نظريّة «العقد الاجتماعيّ» وهي من أكثر النظريات انتشارًا عن مفهوم الدولة الحديثة، التي بنى عليها كثير من فلاسفة عصر التنوير نظرياتهم، مثل “توماس هوبس” و “جون لوك” و”جان جاك روسو”، الذي ألَّف كتابًا عام 1762 بالاسم نفسه. “العقد الاجتماعيّ” وهو صيغة عليا من التفاهم، يعتبر اتفاقاً (صريحًاً كان أو ضمنيًّاً) بين الشعوب وحكامها. إذ يتخلى الشعب وفقه عن جزء من حريته وأملاكه مقابل الحماية التي يوفرها له أو لهم الحاكم، والذي يعمل على تشريع وفرض القوانين التي تحكم بما تقتضي المصلحة العامة.
يؤكد روسو في كتابه “العقد الاجتماعيّ” أنّ أساس هذا العقد هو فكرة الإرادة الحرّة، لذا لا يمكن أن يفرض الحاكم سيطرته بالقوّة. وإنّ أي حاكم يحصل على سلطته بالقوة، سواء عن طريق غزو البلاد أو الحروب أو الغلبة بحد السيف، فهي سلطة مشكوك في شرعيتها. ولا يمكن لهذا العقد أن يستند إلى أي سلطة طبيعيّة، كسلطة الأب في الأسرة مثلًا، إذ يعتقد روسو أن سلطة الأب تتغير بعد بلوغ الأبناء سنًّاّ معينة، ويجب أن تكون توافقيّةً. كما يرفض روسو (بحكم انتمائه للحقبة التنويريّة) أيّ سلطة قائمة على أساس دينيِّ. فلا يجوز للحاكم تولي السلطة بدعوى أحقيته في حكم شعبه امتثالًا لأوامر الرب، كما كان يجري الأمر في عدد من الدول الأوروبيّة قبل قيام الثورة الفرنسيّة، إذ كان بعض الحكام يدَّعي أنّ الله منحه الحق الإلهيّ في الحكم ليتمتع بالسلطة المطلقة على شعبه. (2).
أما تشكل الدولة، أي السلطة عند انجلز، وفق المنهج الماديّ التاريخيّ، فتأتي على أنها نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره – أي تطور قوى وعلاقات إنتاجه -. فالدولة هي إفصاح عن واقع مجتمع وقع في تناقض مع ذاتهِ بعد أن انقسمت مكوناته الى متضادات مستعصيّة هو عاجز عن حلها أو الخلاص منها، ولا يمكن حلها وفقاً للظروف الطبقيّة التي انتجت هذا التناقض، ولكي لا تقوم هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصاديّة المتنافرة بالتهام بعضها بعضاً أو إدخال المجتمع في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر وجود قوّة تقف في الظاهر فوق المجتمع وتوزعه الطبقيّ وتناقضاته، أي قوّة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود النظام. إنّ هذه القوّة المنبثقة من المجتمع والتي تضع نفسها مع ذلك فوقهُ وتنفصل عنه أكثر فأكثر هي الدولة أو سلطة الدولة. (3).
أقسام السُلطة:
تقسم السلطة إلى قسمين رئيسيين، وهما: السلطة من حيث اتخاذ القرار، وتقسم إلى التالي:
السلطة الديمقراطّيّة: هي السلطة التي تتميز بتحقيق المشاركة بين كافة مكونات المجتمع وفق آليّة عمل مؤسساتيّ يقرها المجتمع بغية اتخاذ القرارات المهمة التي تؤثّر تأثيراً مباشراً على الفرد والمجتمع.
السلطة الديكتاتوريّة: وهي السلطة التي تنفرد باتخاذ القرار، وتجد أنّه المناسب، بناءً على مجموعة من الآراء الخاصة بها، وترفض أيّة مشاورات وتدخلّات من أطراف أخرى قد تساهم في تغيير طبيعة القرار.
السلطة من حيث تطبيق القرارات، وتقسم إلى التالي:
السلطة التشريعيّة:
وهي السلطة التي تمتلك الحق في وضع الأحكام التشريعيّة بناءً على الصفة القانونيّة التي تمتلكها، ووفقاً للأحكام الدستوريّة داخل الدولة، أو جهة العمل.
السلطة القضائيّة:
هي السلطة التي تحرص على تطبيق كافة النصوص القانونيّة، ومتابعة حصول كل فرد على حقوقهِ، وقيامه بواجباته، وفرض العقوبات على الأفراد الذين يتجاوزن القانون.
السلطة التنفيذية:
وهي السلطة التي تُنفّذ كافة القرارات التي تمّ اتّخاذها من قبل السلطتين السابقتين بناءً على فترة زمنيّة، أو اتفاق يتم تحديده مسبقاً.
هذا وتوجد سلطات أخرى ذات مهام خاصة لا تقل أهميتها عن السلطات الأساسيّة التي جئنا عليها مثل:
السُلطة السياسيّة: وهي السلطة التي توجد بيد حكومة الدولة، والتي تقوم بموجبها بالموافقة على مجموعة من القرارات الداخليّة، التي تحكم العلاقات الاجتماعيّة داخل الدولة المعنيّة، والخارجيّة التي تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الدول الأخرى، لذلك يرتبط تطبيق السلطة السياسيّة بوجود مجموعة من قنوات الاتصال بين كافة الأفراد المرتبطين بالسلطة السياسيّة، مثل: مجلس البرلمان، والمجالس البلديّة، وغيرهما.
السلطة الإعلاميّة: أو ما يسمى السلطة الرابعة: يُطلق مصطلح السلطة الرابعة على وسائل الإعلام عمومًا وعلى الصحافة بشكل خاص. ويستخدم المصطلح اليوم في سياق إبراز الدور المؤثر لوسائل الإعلام ليس في تعميم المعرفة والتوعية والتنوير فحسب، بل في تشكيل الرأي العام، وتوجيهه، والإفصاح عن المعلومات، التي تهم تحكم السلطة او مصالح الشعب.
السُلطة الفلسفيّة: هي من أقدم أنواع السلطة، والتي ارتبطت بالمفاهيم الفلسفيّة القديمة والحديثة منها، وترى هذه السلطة أنّ كل إنسان يمتلك سلطةً معرفيّة خاصّةً به ضمن نطاق معين، أي إنّه قادرٌ على نشر مفاهيم سلطته أو حتى تطبيقها بناءً على الصلاحيات التي حصل عليها قانونياً،(4). كأساتذة الجامعات في نشر مناهجهم ورؤاهم الفكريّة عند طلبتهم.
ملاك القول: تظل السلطة في سياقها العام تاريخيّة ونسبيّة معاً في دلالاتها ومهامها أو وظائفها، وهي نتاج المجتمع الذي يقوم بفرضها كضرورة لتحقيق التوازن بين مكونات المجتمع الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة (العرقية والطبقية) والثقافيّة، هذا ويظل العامل الطبقي هو الأكثر حضوراً في تحديد مساراتها التشريعيّة والتنفيذيّة. فالقوى الاجتماعيّة التي تصل إلى هرم السلطة، هي من يقوم بتحديد شكل ومضمون هذه السلطة وأيديولوجيتها، ديمقراطيّة كانت السلطة أو دكتاتوريّة، جمهوريّة دستوريّة كانت أو ملكيّة وراثيّة، قد تُنهب او تُستلب السلطة تاريخيّاً من قبل قوي اجتماعيّة أو فرديّة تستخدم العنف للحصول عليها أو البقاء فيها، ولكن منطق التاريخ يقف لمثل هذه السلطات وحواملها الاجتماعيّة في المرصاد. فكثيرة هي الثورات الشعبيّة التي قامت ضد سلطات الاستبداد والظلم منذ أن ظهرت هذه السلطات حتى تاريخه.
*كاتب وباحث من سورية.
الهوامش:
(1) – (موجز تاريخ الفلسفة – دار التقدم – ودار الفكر في دمشق – 1971- ص256).
(2) – للاستزادة في هذا الموضوع، (راجع كتاب جان توشار – تاريخ الأفكار السياسية –الجزء الثاني – فصل فلاسفة عصر الأنوار- ترجمة ناجي الدراوشة – منشورات وزارة الثقافة السورية – دمشق – 1984.).
(3) – للاستزادة في هذا الموضع راجع (كتاب أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة – إصدار دار التقدم – موسكو – 1971.).
(4) – للتعرف أكثر على أشكال ومهام السلطات راجع موقع (موضوع) حول مفهوم السلطة.