كتب محمد هاني شقير – خاص الحوار نيوز
بالشُجاعة وصفت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الفتاة القاصر التي ابلغت والدتها بالاعتداء الجنسي الذي تعرضت له في أحد المنتجعات منذ ايام في بيروت، وتمكنت قوى الأمن الداخلي من توقيف المجرم الذي تبين أنه من المدمنين على المخدرات.
في حقيقة الأمر فإن الشجاعة امتدت من الطفلة الى الوالدة التي أشعلت بجرأتها مواقع التواصل الاجتماعي، واستمالت مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي فضلاً عن وسائل الاعلام الى جانبها ،وتحولت قضية ابنتها الى قضية رأي عام بامتياز.
نسمع، همسًا، في أحيائنا وشوارعنا قصصا كثيرة عن اعتداءات جنسية وتحرشات، مباشرة وغير مباشرة، تطال لا سيما المرأة بشكل كبير ، كما ولا توفر الرجل في كثير من الأحيان، ولكن تبقى هذه الجرائم طي الكتمان حيث يعرض الضحايا عن البوح بها وتقديم الشكوى لدى السلطات الأمنية والقضائية المختصة. ومرد ذلك الى عوامل نفسية واجتماعية يتجنب الشخص وضع نفسه في ملابساتها لأسباب كثيرة ،ولكن أهمها ما يسمى ” الجرصة” وما تحمل هذه الصفة من معاني تجر الخزي والعار للمعنيين وبخاصة في مجتمعاتنا.
فالشعور بامتهان الكرامة، وانتهاك حرمة الجسد، وعدم احترام آدمية المرأة، يولد مرارة في الذات الانسانية.. هذا وغيره ما تشعر به كل من تتعرض للتحرش، وتضطر للصمت وابتلاع الإهانة لعدم قدرتها على الإبلاغ عن المجرم الذى استحل عرضها، فهي أضعف من أن ترد له الإهانة ولو بالسباب أو الصراخ ، فقد لا يغيثها أحد وقد يهرب المجرم فلا تستطيع أن تلاحقه، غير أن الصمت بحسب مدير مكتب الشكاوى للمرأة في مصر أمل عبد المنعم بالابلاغ عن المتحرشين يشجع ويؤدى لتكرار نفس السلوك بمزيد من العدوانية والجرأة ،وأن الفتاة هي المجني عليها ولا يوجد ي مبرر لتعرضها للتحرش، والمجتمع بأكمله منتفض لحق الفتيات والسيدات ويدعمهن بكل السبل لاسترداد حقهن كضحايا ولاسترداد حق المجتمع نفسه .
ومن شأن عدم الإبلاغ عن هذه الاعتداءات، أن يساعد المجرمين على التمادي بجرائمهم، وهم عندما يرتكبون جرائمهم تلك ولا يتعرضون للارتداع والمحاسبة وفاقًا للقانون، فإنهم يستسهلون القيام بعملياتهم وربما زيادتها كمًا ونوعًا.
ولكون قوى الأمن الداخلي مؤسسة أمنية تقع تحت مسؤولياتها هذه الجرائم ، فإنه يرد إليها مئات الشكاوى بمختلف الجرائم إلا أن الجرائم التي لها طابع اخلاقي و”شرفي” هي الأقل حضورًا في تحقيقات قطعاتها العملانية، ما يعني أن مسرح تلك الجرائم يتمتع بهامش أمان أكبر بكثير من مسارح الجرائم الأخرى، يساعد على اللعب فيه وارتكاب موبقاته من قبل مجرمين لا يشعرون بالخطر الداهم لتوقيفهم.
من هنا فإن شعبة العلاقات العامة ختمت بيانها بالتنويه “بفعل القاصر الشجاع التي أبلغت أهلها بالحادثة مباشرة، وقيام الاهل بالتوجه الى الفصيلة المعنية وتقديم شكوى. هذا الامر كان له الأثر الإيجابي في توقيف الفاعل، لتفادي حصول اعمال مماثلة، كما يشجّع الأشخاص الذين يتعرضون لمثل هذه الجرائم باللجوء الى قوى الامن الداخلي تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
إن تطويق هذا النوع من الجرائم ووضع حد له وكبح جماح القائمين به، يجب أن يتحول من خلال تحلي المجنى عليهم بالجرأة والإقدام بتقديم شكاوى بحق المرتكبين، الى رد اجتماعي نفسي عكسي، بحيث يصبح المرتكب هو في موضع المشهّر به بدلاً من الضحية التي تصبح في موقع صاحب الحق الذي يرتفع سلطانه ليستوفي حقه اجتماعيًا وبطبيعة الحال قانونيًا.