العالم العربيدراسةسياسة

المرأة الفلسطينية من رجاء.. الى دلال (محمد صادق الحسيني)

 

محمد صادق الحسيني – الحوار نيوز

لاشك ان الدور النضالي الطليعي ، الذي تضطلع به المرأة الفلسطينية في المرحلة الحالية من ثورة الشعب الفلسطيني وما يمارسه الفدائيون الفلسطينيون في كل ارجاء فلسطين من النهر الى البحر ، والصمود الاسطوري للمرأة الفلسطينيه ، ليس الا استمراراً لنضال المرأة الفلسطينية ، من اجل تحرير وطنها فلسطين .

 

اي ان هذا الدور الطليعي ، للمرأة الفلسطينيه  ، هو دور متجذر حتى  قبل حقبة الاحتلال البريطاني لفلسطين ، ثم اقامة الكيان الصهيوني الغاصب على ارضها . وهو النضال الذي لم ينسلخ يوماً عن نضال امته العربيه ، الهادف الى الانعتاق من نير السيطرة الاستعمارية على الوطن العربي .

 

وقد تجلت وحدة موقف المرأة الفلسطينية العروبي ، وطليعتها في النضال ضد الاستعمار ،  في الكثير من الاحداث والتطورات ، التي شهدها العالم العربي بعد اقامة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين  سنة ١٩٤٨ ، في المشاركه النسائية الواسعة النطاق في النشاطات المعاديه لمشروع حلف بغداد  ، الصهيو-اميركي اواسط خمسينيات القرن الماضي ، وهي النشاطات التي كان ابرزها التظاهرات الجماهيريه العربيه الحاشدة ، في مختلف اقطار العالم العربي ، ومن بينها فلسطين / الضفة الغربيه ، التي كانت خاضعة آنذاك للحكم الملكي الاردني المتحالف مع دول الاستعمار القديم والولايات المتحده ، ضد التيار العروبي والنهضة القوميه ، التي كان يقودها الزعيم العربي المصري جمال عبد الناصر ، والتي كان يروج لها الغرب الاطلسي ، بما في ذلك تركيا العضو في هذا الحلف ،  على انه حلف ضد الخطر الشيوعي الذي يهدد الشرق الاوسط .

 

وفي هذا الاطار شهدت الضفة الغربية الفلسطينية ، الى جانب شرق الاردن ، تظاهرات حاشدة ضد هذا الحلف ، الذي كان يهدد سورية ومصر معاً ، باعتبارهما الدولتين المعاديتين لمشروع حلف بغداد ، في المنطقة .

 

وعلى الرغم من الدور الكبير ، الذي لعبته الاحزاب السياسيه المختلفه آنذاك في ( الاردن / شرق النهر وغرب النهر ) ، فان القيادة الميدانية ، الاكثر فعالية لهذه التظاهرات في مدن الضفة الغربيه ، كانت تديرها وتنظمها المناضله الفلسطينيه ، الشهيدة رجاء ابو عماشه.

فمن هي هذه المناضله الفلسطينيه الطليعيه ؟

 

–  هي رجاء ، ابنة  عائلة ابو عماشه الفلسطينيه ، التي هُجِرت من قريتها سَلَمَهْ ، قضاء يافا ، سنة ١٩٤٨ ، وسكنت مخيم عقبة جبر  ، منطقة اريحا ، في الضفة الغربيه .

–  من مواليد سنة ١٩٣٨ في سلمه / قضاء يافا .

–.  تلقت علومها الابتدائيه في يافا ، وتابعت تحصيلها للمرحلة الاعداديه والثانويه في مدرسة المأمونيه في القدس ، التي كانت تخضع للحكم الاردني في حينه .

–  كانت من ابرز النشطاء الطلابيين في الاردن (  المملكه الاردنيه شرق وغرب النهر ) ومن مؤسسي اتحاد الطلبه الاردنيين .

 

الاستشهاد

بتاريخ  ١٩/١٢/١٩٥٥ قادت تظاهرة معادية لحلف بغداد في القدس وتوجهت بها الى القنصلية الاميركية  واقتحمتها ورفعت العلم الفلسطيني على سارية العلم ، بدلا من العلم الاميركي (. تعرف الآن بمسمى القدس الشرقيه ) حيث تصدى جنود النظام الملكي الاردني للمتظاهرين مطلقاً عليهم وابلاً من الرصاص ، حيث اصيب العشرات ، بينما كانت اصابة الشهيده رجاء ابو عماشه اصابةً قاتلةً  ، ادت الى استشهادها .

وهو الامر الذي ادى الى اتساع نطاق التظاهرات المعاديه لحلف بغداد ، والداعين اليه، وعلى رأسهم واشنطن ولندن وانقره وبغداد ( نوري السعيد ) وعمان ( النظام الملكي الهاشمي )، واستمرارها حتى سقوط مؤامرة حلف بغداد ، بعد العدوان الثلاثي ، البريطاني الفرنسي الاسرائيلي ، ضد مصر عبد الناصر .

 

مواصلة المسيرة

 

غني عن القول ، طبعًا ، ان المرأة الفلسطينية قد واصلت نضالها ، في فلسطين المحتله سنة ١٩٤٨وفي مخيمات الشتات ، وصولاً الى انطلاق الثورة الفلسطينية المسلحه من جديد ،  بتاريخ ١/١/١٩٦٥ ،عندما نفذت حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) اولى عملياتها العسكرية ، بنسف نفق عيلبون ، في الاراضي المحتلة سنة ١٩٤٨ .

وهي الثوره التي انخرط فيها عشرات آلاف الشبان والشابات الفلسطينيون والعرب ، خاصة بعد النصر الذي حققه الفدائيون في معركة الكرامه ( مخيم شرق نهر الاردن ) التي خاضوها بدعم من الجيش الاردني واجبروا قوات  العدو الصهيوني الى الانسحاب الى غرب النهر ، بعد  ان تكبدت خسائر فادحة في الارواح والعتاد ، لا تقل عن تدمير  لواء مدرع إسرائيلي بالكامل وقتل وجرح المئات من عناصر هذا اللواء .

 

اتسع العمل الفدائي الفلسطيني وتمدد في دول الطوق ( اي الدول المحيطه بالكيان الصهيوني ) وانتشر المقاتلون في سوريا ( الجولان ودرعا ودمشق واللاذقية ومصياف وغيرها ) . وكان من بين من انضم الى صفوف الثورة الفلسطينيه ، في لبنان ، الفتاة دلال المغربي .

فمن هي دلال المغربي ؟

 

–. هي ابنة عائلة فلسطينية تم تهجيرها من مدينة يافا المحتله واستقرت في مخيم صبرا ، في بيروت .

–  من مواليد سنة ١٩٥٩ ، تلقت تعليمها في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينين ، في لبنان .

–  انضمت الى صفوف حركة فتح سنة ١٩٧٢ /  وكانت عضواً في تنظيم الثانويات الذي كان يقوده الشهيد علي ابوطوق .

–  ثم انضمت الى وحدات القوات الخاصة ، في القطاع الغربي ( جهاز الثوره الفلسطينيه الذي كان يتولى العمل داخل فلسطين المحتلة ) تحت قيادة الاخ الشهيد ابوجهاد (خليل الوزير / اغتالته إسرائيل بتاريخ ١٦/٤/١٩٨٨ في تونس ) .

 

عملية الشهيد كمال عدوان ( تسمى ايضاً عملية دلال المغربي )

وفي اطار العمليات العسكرية الفلسطينية المتواصلة ،ضد اهداف العدو داخل فلسطين المحتله ،قام  الشهيد ابو جهاد بالتخطيط لتنفيذ عملية عسكرية مميزة ، على السواحل الفلسطينيه المحتله ، حيث تم تدريب مجموعات عده على تنفيذ مثل تلك العمليات الخاصه ، في عمق العدو .

الا ان الاختيار قد وقع على ثلاثة عشر من المقاتلين ، من بين المجموعات التي تم تدريبها شمال مدينة صور اللبنانيه ، وهم :

 

ثمانية مقاتلين بقيادة الشهيده دلال المغربي ( اسمها الحركي : جهاد  ). .من بينهم اربعة مقاتلين  لبنانيين ، هم :

 

  • الشهيد حسين مراد ( أسامه كإسم حركي )مواليد١٥/١/١٩٦١ من بلدة المنصوري جنوب لبنان .

 – الشهيد عامر  احمد عامريه  ( اسم حركي : طارق بن زياد ) ، من مواليد سنة ١٩٥٣ ،  المنيه / طرابلس .

 – يحيى محمد سكاف اسمه الحركي ابو جلال ) ، من مواليد المنيه / طرابلس سنة ١٩٥٩ .

 

كما ان المجموعة القتالية قد ضمت مقاتلين يمنيين هم :

 

 -الشهيد :  محمد حسين الشمري (  ابو حسن ) . وهو من مواليد شمر / اليمن ، سنة ١٩٥٨  .

-الشهيد : عبد الرؤوف عبد السلام علي ( اسمه الحركي : مواليد صنعاء سنة ١٩٥٦ .

 -الشهيد محمد راجي الشرعان ، مواليد صيدا سنة ١٩٥٧ .

 

يوم المرأة الفلسطيني

فجر يوم الثامن من آذار ١٩٧٨ (  ٨/٣/١٩٧٨ ) ، انطلقت الباخرة التي حملت المجموعة الفدائية ، من قاعدة بحرية فلسطينية شمال مدينة صور اللبنانية ، وعلى متنها الفدائيون وتجهيزاتهم العسكرية ، من ذخائر ومدافع مضاده للدروع وغير ذلك من اللوازم القتالية ، بالاضافة الى زوارق مطاطيه لها دور في تنفيذ العمليه .

ابحرت بهم السفينة الى عرض البحر  ، متجهة جنوباً ، في اجواء نو بحري شديد الهيجان ….. وصلت بهم السفينه الام الى النقطة المحدده ، حسب خطة العمليه ، بتاريخ ١١ ٣/١٩٧٨ ، حيث قاموا بتجهيز القوارب المطاطيه ، التي كانت مهمتها ايصالهم الى شاطئ تل ابيب ، حيث كان يجب ان ينفذوا المهمات التي تم تكليفهم بها على الارض(  مهاجمة اهداف معينه واخذ رهائن) .

الا ان الاحوال الجويه لم تسمح لهم بتنفيذ العمليه حسب الخطه ، وذلك بسبب الصعوبه الناتجه عن شدة الرياح وارتفاع موج البحر ، الامر الذي جعلهم يجرون تعديلات ميدانية على الخطه ، وينزلون من قواربهم شمال تل ابيب  ويشتبكون مع دوريات العدو ، على الطريق السريع حيفا / تل ابيب .

سيطر الفدائيون العرب الفلسطينيون على حافلة عسكرية ، محملة بالجنود  ،  وخاطبتهم الفدائيه دلال المغربي  ، فور دخولها الى الحافلة ،قائلةً :

نحن لا نريد قتلكم وانما اخذكم كرهائن كي نتمكن من الافراج عن اخواننا الاسرى في سجونكم ….. ثم سألت : هل بينكم من يتحدث العربيه ؟ فاجابت احدى النساء بانها من اصل يمني وتتكلم العربيه ،لتتولى بعد ذلك عملية الترجمه …..

فور علم وزارة الحرب الصهيونيه بالعمليه ، اصدر رئيس اركان الجيش انذاك إيهود باراك أمراً مشددا بايقاف الحافله والسيطرة عليها ، بكل الوسائل.

بدأت وحدات مدرعة اسرائيليه بالوصول الى ، منطقة تسمى  “كانتري كلوب” ، شمال تل ابيب ، ما دفع بالفدائيين الى الاستيلاء على حافلة  اخرى وتجميع ركاب الحافلتين في حافلة واحدة ، لاسباب تكتيكية تتعلق برؤيتهم وقراءتهم لاحتمالات مسار المعركة مع قوات الاحتلال ، او  لاحتمال بدء مفاوضات مع سلطات الاحتلال بهدف انجاز عملية تبادل أسرى .

الا ان وصول رئيس اركان جيش العدو آنذاك ،الجنرال ايهود باراك  بنفسه ، الى مسرح  العمليات ، على رأس قوات مؤللة ومجموعات من القوات الخاصه ولواء المظليين ، قد جعل الفدائيون يتيقنون من ان العدو  لا ينوي الدخول في مفاوضات معهم وانما هو قرر مهاجمتهم والقضاء عليهم ، الامر الذي جعلهم يتوزعون داخل الحافلة بشكل يسمح لهم بالاشتباك مع قوات العدو ، خارج الحافله ، في كل الاتجاهات .

قاتل الفدائيون بشراسة الى ان استشهدوا او جرحوا  جميعهم ….. قام ايهود باراك باستنطاق احد الفدائيين الجرحى وسأله عن قائد العمليه ….فابلغه الجريح انها دلال المغربي واشار اليها ، بعد ان كانت قد استشهدت ، فاصيب باراك بموجة هستيرية جعلته يتجه نحو جثمانها راكضاً وامسك بشعرها وسحلها من شعرها …..

 

هكذا احتفلت دلال المغربي بيوم المرأة الفلسطينيه ، بالتوجه الى فلسطين المحتله وخوض معركة شرف قاسية ضد قوات الاحتلال ، حيث تمكن الفدائيون من قتل ثلاثين جنديًا صهيونياً وجرح ثمانين آخرين ، حسب البيانات الرسميه التي اعلنها جيش الاحتلال آنذاك .

وما زالت المرأة الفلسطينية توجه بوصلتها نحو فلسطين وهي تودع ابناءها الشهداء في نابلس وجنين وفي كل شبر من ارض فلسطين .

 ٨ /٣/٢٠٢٤ كما في ١٨/١٢/١٩٥٥ وفي ١١/٣/ ١٩٧٨ .

هذا هو يو م المرأة الفلسطينية.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى