التأصيل الفقهي والفكري والسياسي للخطاب السلفي(عدنان عويّد)
د. عدنان عويّد – الحوارنيوز خاص
في المفهوم:
السلفيّة موضوع بحثنا هنا في سياقها العام، هي تيار فكريّ وسلوكيّ ذو حمولة دينيّة، أُصّل له فقهيّاً منذ القرن الثاني للهجرة، حيث اعتبر ما كان يقوله الرسول ويمارسه من قيم، وما التزم به الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من هذه القيم في القرون الهجريّة الثلاثة الأولى، هي المنطلق الوجوديّ والمعرفيّ لكل ما هو تالٍ، وبالتالي فكل جديد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبناءً على هذا الموقف الوثوقيّ، توقفت حركة الزمن, أو راحت تدور في فلك تلك القرون الثلاثة الهجريّة الأولى حتى اليوم.
الشافعي والتأصيل الفقهي للسلفيّة:
يعتبر الشافعي (أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ 150-204هـ / 767-820م) وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعيّ في الفقه الإسلاميّ، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علم التفسير وعلم الحديث، من أسس في القرن الثاني للهجرة أصول الفقه السلفيّ، في كتابه الرسالة، حيث حدد مصادر التشريع بالقرآن والحديث والاجماع والقياس، وبناءً على هذا التأصيل، حوصر العقل والمنطق وحرية الإرادة الإنسانيّة لدى الفقيه ذاته فيما بعد أمام هذا التأصيل, وبالتالي تم إغلاق باب الاجتهاد, من جهة، ثم الوقوف وبحزم بوجه كل من حاول أن يستخدم عقله في قراءة النص الدينيّ المقدس من خارج هذه المدرسة السلفيّة من جهة ثانية، وهذا ما ساهم في تجذير مدرسة النقل المعروفة في تراثنا الإسلاميّ، حتى أصبحت تفاسير وتشريعات أتباعها وخاصة الحنابلة منهم نصوصاً مقدسة لا يأتيها الباطل من تحتها أو بين يديها. وأصبح عندهم كل جديد بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
نعم إذا كان “الشافعي” قد أصل فقهيّاً، لما جئنا عليه هنا, وتبنى ابن حنبل هذا التأصيل فيما بعد، فإن “الخليفة المتوكل” قد أصل سياسيّاً لهذا التيار، بإصداره فرمانه السيئ الصيت القاضي بمنع استخدام العقل نهائيّا والعودة إلى النقل, بعد أن أخذ العقل المعتزليّ مجده في زمن المأمون والمعتصم والواثق. ومنذ ذلك التاريخ وصولا إلى زمن أبي موسى الأشعري الذي أصل بدوره لهذه المدرسة فلسفيّاً من خلال علم الكلام الذي اشتغل عليه، وجعل من العقل ذاته وسيلة لتثبيت النقل بدل العقل, وجعل العقل أداة لتثبيت النص وليس الحكم عليه، مما أعطى الفكر السلفيّ الوثوقي دوره ومكانته في الحياة السياسيّة والفقهيّة (التشريعيّة)، حتى عصرنا الحديث، هذا إذا ما أشرنا أيضاً إلى المدرسة الفقهيّة الشيعيّة وخاصة الجعفريّة منها التي انطلقت منذ جعفر الصادق، وراح يتواجد لها فقهاؤها الأصوليون. فكان من أبرز سمات هذه الأصوليّة الشيعيّة الجعفريّة هو اعتمادها على المراجع التقليديّة في المسائل الفقهيّة، وهي مصادر التشريع عند الأصوليين السنة التي اصل لها الشافعي، عدا القياس, الذي استبدلوه بالعقل، ولكن أغلب اعتمادهم في التشريع جاء على القرآن وروايات آل البيت وأحاديثهم, وكان من أبرز الفقهاء الشيعة في العصر الوسيط يأتي:
1- الشيخ المفيد (413هـ-1022م). ففي رسالته (الأصوليّة) قام بإعادة تأسيس المعارف الإماميّة، وتأصيل أصول التفريع الفقهي، وذلك بعد أقل من قرن كامل على الغيبة الكبرى. ويعدّ كتابه أوّل كتاب مسقل يتناول علم أصول الفقه عند الإماميّة.
2- ثم يأتي السيد المرتضى (440هـ-1048م) الذي حدد وفصل في كتابه «الذريعة إلى أصول الشريعة» المباحث الأصوليّة التي عرّفها الشيخ مفيد، وذلك للتشويش الذي ظهر في عصره. وذكر في مقدمته أن هذا الكتاب منقطع النظير في إحاطته بالاتجاهات الاصوليّة.
3- ثم قام الشيخ الطوسي (460هـ-1068م) بتطوير المدرسة الاجتهاديّة وبدأ بممارسة الكتابة، فكتب كتاب «عدّة الاصول» وميّز فيه البحوث الأصوليّة عن الفقهية. حيث جعل مصادر الاستنباط وأدلّة الفقه أربعة: الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل.
4- وفي القرن العاشر دخل الاجتهاد عند مدرسة الاصوليّة الشيعيّة مرحلة جديدة على يد المحقق الأردبيلي (993هـ-1585م)، حيث يظهر الاتجاه العقليّ بصورة واضحة في مجال الفقه الاجتهاديّ.(1) الويكيبيديا.
إذن ما نريد التأكيد عليه هنا هو، إن الفكر الأصوليّ الفقهيّ بتياراته انعكس بالضرورة على علم الكلام والفلسفة ماضياً وحاضراً، وظل هو الفكر الأكثر حضوراً وقوة وتأثيراً على الحياة الفكريّة العامة والخاصة، لا سيما وأن كلا التيارين السنيّ والشيعيّ وجدا من يدعمهما وبقوة من قبل الحكومات القائمة وخاصة السنيّة منها التي وجدت في الفكر الأصوليّ الأشعريّ سنداً وعوناً لها في تغطية وتبرير ظلمها ومفاسدها، على اعتبار أن أصحاب هذا التيار يبررون للحاكم فساده وظلمه للرعيّة، وإن كان لدى بعضهم احتجاجاً على هذا الظلم فهم يبررون ذلك بقولهم إن مجيئ هذا الحاكم الفاسد الظالم، هو انتقام من الله للرعيّة الذين حادوا عن اتباع الدين الحنيف وفقاً لرويتهم هم له. وبالنسبة لتيار الشيعة فقد لعبت إيران دوراً كبيراً في دعم هذا التيار بعد قيام الثورة الخمينيّة، والعمل على نشر الفكر الجعفريّ في المحيط العربيّ والإسلاميّ.
أما كيفيّة تجاوز هذا الفكر المتغوّل في عقول ونفوس المسلمين من جهة، ووجود من يدعمه سياسيّاً من جهة ثانية.
نقول: إن من يتابع الواقع الثقافيّ السائد في الساحة الثقافيّة العربيّة بشكل عام، ويتعرف على أبرز سماته وخصائصه، سيجد أن الثقافة السائدة هي الثقافة الشفويّة. والثقافة الشفويّة في سياقها العام، هي مجموعة الآراء والأفكار والمبادئ والرؤى والقصص والحكايا والأمثال الشعبيّة، دينيّة كانت أو وضعيّة, التي يتداولها الناس في أي مجتمع من المجتمعات بشكل يوميّ، وبكل ما تتضمنه هذه الثقافة من مواقف سلبية أو إيجابية تجاه علاقة الإنسان بنفسه أو ما يحيط به داخل المجتمع والطبيعة معاً. يضاف إلى ذلك أنها ثقافة أُنتج معظمها في الزمن الماضي، وأصبحت متوارثة، ولم تزل تُجتر ويتداولها الناس فيما بينهم للتعبير عن قضياهم الحياتيّة اليوميّة المباشرة في الفكر والممارسة، على اعتبارها أصبحت تشكل قيماً (معياريّة) ناجزة اختزلت التجربة الإنسانيّة وراحت تضبط وتوجه في عصر إنتاجها حياة الفرد والمجتمع، مثلما هي قادرة عند حملتها الاجتماعيين اليوم على تحقيق هذا الضبط والتوجيه حاضراً ولاحقاً، كونها جزءاً من الفردوس المفقود اولاً، وأن معطيات الواقع المتخلف تساعد كثيراً على إعادة إنتاجها ثانياً.
إذن بتعبير آخر نقول: إن الثقافة الشفويّة الأصوليّة اللاعقلانيّة في معظم حمولتها الفكريّة، تظل في جذورها وأصولها وامتداداتها، ثقافة الأجداد (الأسلاف) الذين لم يتركوا شيئاً للأخلاف إلا وقالوا به، وحددوا الحلال فيه والحرام، أو الصح والخطأ، ومارسوا جرحهم وتعديلهم على نمط شخصياتهم السلبيّة منها والايجابيّة فكراً وممارسة، ليس لعصرهم فحسب، بل ولكل العصور اللاحقة حتى زمننا المعيش، أي اعتبار ما قالوا به ومارسوه هو المنطلق الوجوديّ والمعرفيّ لكل ما هو تال.
إن أي متابع لجذور هذه الثقافة، سيجدها تمتد في عمق تاريخنا، وأن فروعها وأغصانها ظلت تمتد عبر السنين اللاحقة، وخاصة بعد ظهور الدعوة الإسلاميّة التي شكلت عقيدتها وقيمها الأخلاقيّة المعياريّة المساحة الأكبر في وعيّ المواطن العربيّ بشكل خاص والإسلاميّ بشكل عام. حيث استطاعت هذه الثقافة الشفويّة ممثلة هنا في قسمها الأكبر بالوعيّ الدينيّ (الفقهيّ) أن تعرش على وعيّ أبناء هذه الأمّة حتى اليوم. علماً أن الدعوة الإسلاميّة جاء في صلب ما جاءت من أجله، هو إنهاء هذه الثقافة الشفويّة وتحويلها (من ثقافة الفم إلى ثقافة القلم) مع أول آية نزلت على الرسول وهي: (اقرأ)، من جهة أولى، ووضع حدً لتمسك الناس بأفعال آبائهم بِعُجْرِهَا وبُجْرِهَا من جهة ثانية. إلا أن قوة الماضي ممثلة بما كان يفكر ويفعل آباؤنا ظلت مسيطرة وفاعلة تحت شريعة (هكذا وجدنا آباءنا يفعلون). مع تأكيدنا هنا على الدور الذي مارسته السلطات الحاكمة عبر تاريخ الدولة العربيّة السياسيّ ماضياً وحاضراً, في تسييد هذا النمط من الثقافة الماضويّة الوثوقيّة التقديسيّة، بهدف تجهيل الناس والحجر على عقولهم، حيث وجدت القوى الحاكمة المستبدة في سياسة التجهيل، سر بقائها واستمراريتها في السلطة. الأمر الذي دفع هذه السلطة عبر تاريخها الطويل إلى محاربة الثقافات الإبداعيّة التي وجدت فيها خطراً يهدد مصالحها، إن كان أثناء قيام الدعوة الإسلاميّة من قبل كبار كفار مكة الذين وجدوا في الدعوة الإسلاميّة آنذاك تهديداً لمصالحهم، أو من قبل الكثير من الخلفاء ومشايخ السلطان عبر تاريخ الدولة العربيّة الإسلاميّة لا حقاً الذين اتخذوا من الدين المرجعية الدستوريّة والتشريعيّة لهم, واعتبر بعض في تاريخ دولنا العربيّة المعاصرة أحد المراجع الأساسيّة للحياة الدستوريّة والتشريعيّة.
على العموم, من خلال عرضنا أعلاه، نستطيع تحديد أهم سمات وخصائص هذه الثقافة:
1- هي ثقافة ماضويّة، أنتج معظمها في الزمن الماضي، وغالباً ما يطغى عليها الطابع الدينيّ (الفقهيّ) في تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة، كون الدين كان ولم يزل هو المصدر الأهم للمعرفة، وحتى الثقافات الوضعيّة التي أنتجت في ذلك الوقت وخاصة الفلسفيّة منها إضافة إلى علوم الطب والكيمياء والتنجيم وغيرها، ظلت محكومة بالدين أيضاً، على اعتباره هو من يحلل ويحرم التعامل مع هذه الظاهرة العلميّة أو الاجتماعيّة أو تلك.
2 – هي ثقافة جماهيريّة، أو بتعبير آخر، هي ثقافة ظل يعاد إنتاجها واستهلاكها من قبل الجماهير الواسعة، فغالباً ما تجد الناس في كافة مفردات حياتهم اليوميّة يستشهدون بمقولاتها وقصصها وحكاياها وأمثالها الشعبيّة ونصها المقدس، خدمة لمصالحهم اليوميّة المباشرة، أو لإعطاء الفكرة التي يقولون بها أو العمل الذي يمارسونه المصداقيّة والشرعيّة، في المنزل والسوق والجامع والدائرة وغير ذلك من أماكن تواجدهم.
3-هي ثقافة تعتمد كثيراً على إيراد نص قرآني أو حديث أو رأي صحابيّ أو فقيه، إضافة إلى إيراد قصص وحكاية الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، كونها الأكثر قدرة على غرس المعلومة المراد توصيلها للمستمع، لذلك لا نستغرب أن نجد أحد مشايخ الدين يقول: إن القصص والحكاية جنود مجندة سخرها الله لنا كي نعلم بها الناس الدين والفضيلة.
4- هي ثقافة تركز كثيراً عند حملتها ودعاتها على القيم الأخلاقيّة، وخاصة قيم السلف الصالح، الذين أسسوا بناء الدولة الإسلاميّة وحضارتها. وبالتالي شكلت هذه القيم ت عند دعاتها ومريديها الفردوس المفقود بعد أن راحت تتخلى عنها الأجيال اللاحقة، أو تجاوزها الزمن. وإذا أرادت هذه الأمّة أن تعود لمجدها وعزتها، فهي لن تعود إلا إذا عادت إلى القيم الأخلاقيّة تلك، (ولن يُصلح حال هذه الأمة بعد أن فسد أمرها إلا بما صلح به أولها.).
5- حازت هذه الثقافة على صفة التقديس، كون معظم مكوناتها مرتبط بالدين، وأكثر من أسس لها هم رجال الدين الذين ضبطوا علم الجرح والتعديل الذي وضعوه لتحديد الغث والسمين في هذه الثقافة، وبالتالي فكل خروج عن سمين هذه الثقافة هو بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
6- هي ثقافة تقوم على التراسل (العنعنة)، كون أصلها شفهيّ، وخاصة ما يتعلق منها في الحديث النبويّ وأقوال الصحابة والتابعين.
7-هي ثقافة تحاصر الإبداع والمبدعين، الذين يريدون التجديد في علوم الدين والدنيا، وبالتالي يعتبر هؤلاء المجددون بنظر دعاة هذه الثقافة منحرفين إذا ما حاولوا طرح أفكار لا تتفق مع ما هو ثابت ووثوقيّ في هذه الثقافة، إن كان لدى المذاهب أو الفرق الدينيّة، أو لدى الأحزاب ذات الأيديولوجيات الوضعيّة.
8- هي ثقافة تعالج تناقضات المجتمع وصراعاته الطبقيّة القائمة على الاستغلال، من منظور أخلاقيّ، يقوم على مناجاة الضمير والوجدان لدى هذا الفرد أو الجماعة، عندما يمارس أو يمارسون عملاً صالحاً، والعكس صحيح. فهم يطالبون الأفراد والمجتمع بضرورة التمسك بأخلاق التضحيّة ونكران الذات والإثار والمحبة والتسامح، كما مارسها السلف الصالح الذين حققوا بها العدالة والمساواة بين الناس كما يدعون، وغالباً ما يتخذون من بعض الرموز الدينيّة قدوة للحاكم والرعيّة أيضاً في نشر العدل بين الناس، دون أن يضعوا في حساباتهم خصوصيات كل مرحلة تاريخيّة من حيث ظروفها الموضوعيّة والذاتيّة ومكوناتها الاجتماعيّة وحدودها الجغرافيّة، ودرجة تطور المجتمع فيها أو تخلفه, وطبيعة القيم الأخلاقيّة السائدة فيها .
9- هي ثقافة تدعو إلى التسليم والامتثال لكل ما أنتج من معارف أقرها السلف في القرون الهجريّة الثلاث الأولى، أو ما حدده فقه (الحاكم) في الأنظمة السياسيّة الحديثة، وخاصة في الدولة الشمولّيّة، وبالتالي هي تعمل على محاربة الحريّة الفرديّة والإرادة الإنسانيّة والرأي الآخر.
10- هي ثقافة ذات توجهات أيديولوجيّة مغلقة، تعتبر الحقيقة قد أعطيت مرة واحدة وإلى الأبد، وعلينا أن نعمل دائماً على إعادة إنتاجها، وليّ عنق الواقع كي ينسجم معها. أي هي ثقافة ضد النسبيّة والحركة والتطور والتبدل.
ملاك القول: ما نريد قوله في هذا الاتجاه بالنسبة للثقافة الشفويّة: إنها ثقافة فرضت عبر تلك السنين الطويلة من سيادتها، العقل الإيمانيّ والتسليميّ على المواطن العربيّ، بحيث لم يزل النص المقدس وأقوال الأئمة والفقهاء وكبار مشايخ السلفيّة والقادة السياسيين، تشكل المرجعيات المعرفيّة والسلوكيّ للفرد والمجتمع مع غياب فاضح للضبط المنهجيّ وللرأي الآخر. أي هي من يشكل اَلْحُكُمَ أو المعيار على أقوال الناس وسلوكياتهم وبالتالي استغلاله والاحتماء به دوماً. هذا إضافة لاستغلال وتوظيف ثقافة الخوارق والخرافة والأسطورة، وتطبيق الخاص على العام، أو الجزء على الكل في التعاطي مع أحداث التاريخ والواقع، وكذلك الانخراط بالموروث والمحافظة على الشكليات فيه، كالدعوة إلى التمسك بالرحمة والتسامح، وعند الضرورة لا بد من التمسك بالجهاد أيضاً انطلاقا من التكليف بمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا ما ساهم في خلق حالات من الفوضى والتناقض في هذه الثقافة الشفويّة وبخاصة الجانب الفقهيّ فيها على سبيل المثال لا الحصر، كون هذا الجانب يتعامل مع مسائل الوجوب والإباحة والمحرم، والعقل والنقل وطريقة الحصول على المعرفة.
من خلال عرضنا هذا لطبيعة الثقافة السائدة في عقولنا وتجذرها، لا بد لنا من ثورة ثقافيّة حقيقيّة لكشف أبعاد هذه الثقافة ومكوناتها وآليّة عملها والقوى التي تشتغل عليها وتساعد على استمراريتها وتعميقها وإعادة إنتاجها في عقول الموطنين بغية تحقيق أهداف يوجد وراءها قوى اجتماعيّة لها مصالحها الأنانيّة الضيقة. بيد أن هذه الثورة الثقافيّة التي نقول فيها، بأنها ليست ثورة مجردة من مكوناتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، بل هي ثورة مركّبة من كل هذه المكونات.
*كاتب وباحث من سوريّة.