البُعد الدولي لنتائج الانتخابات الأوروبية : الخاسرُ والحائر والرابح (جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي – الحوار نيوز
فوز اليمين ( والذي يصفهُ البعض بالمتطرف ) ، يُنبئ ،من الآن ، وقبل ان تتولى أحزابه ادارة الحكم في فرنسا ،وفي ألمانيا ،بخارطة العلاقات الدولية والسياسات الخارجية . و أخص في الذكر هاتيّن الدولتيّن ،لأنهما العمود المُرتكز للاتحاد الأوروبي .
نعم ،خارطة جديدة للعلاقات الدولية وللسياسات الخارجية ،بعد ان تتولى احزاب اليمين الحكم في فرنسا وفي ألمانيا .
و دعوني أُعرّف وباختصار ، قبل عرض الخارطة ، مَنْ هو الرابح ، ومَنْ هو الخاسر ، و منْ هو الحائر ، مِنْ نتائج الانتخابات الأوروبية .
الرابح هو الرئيس الروسي بوتين ، والرابح ايضاً هو الرئيس الأمريكي السابق ،و لربما القادم ترامب .اما كبير الخاسرين هو الرئيس الفرنسي ماكرون وحزبه ،و الشونزليه الأماني أولف شولز و حزبه . أما الحائر فهي اللوبيات الصهيونية في فرنسا وفي ألمانيا ، وسأشرح الأسباب .
بين الرئيس بوتين والسيدة مارين لوبن ،رئيسة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا ،والفائز الأول في الانتخاب الأوروبية بالنسبة للأحزاب الفرنسيّة ،علاقات صداقة ومواقف سياسيّة متطابقة او جداً متقاربة .
في العام الماضي ،و بتاريخ 24 مايو ، استدعيت السيدة مارين لوبن ،باعتبارها رئيسة لحزب التجمّع الوطني ، وعضو في الجمعية الوطنية ، ( الجبهة الوطنية سابقا ) ، أمام لجنة تحقيق من الجمعية الوطنية ( مجلس النواب ) لاستماع أقوالها عن علاقتها بروسيا وعن قرض طلبته من روسيا عام 2014 ، وجوابها كان ” بسبب رفض البنوك الغربية منحنا قرض ، كان لدينا خيار وإمكانية الاقتراض من الصين وإيران وروسيا ، فقررنا اختيار القرض من روسيا ،دون ايّ مقايضات او ضغوط سياسيّة ” .
تجدرُ الإشارة ،بهذا الخصوص ، لموقفين سياسيين : الأول هو ان السيدة مارين لوبن سبقَ لها وان تبنّت تصريحات مؤيدة لضم روسيا لجزيرة القرم عام 2014 ، وبعدها بأسابيع ،حصلَ حزبها على القرض الروسي ! و عندما سُئِلَ حزبها عن هذه ” الصدفة” بين وقت التصريح و الحصول على القرض ، كان جوابه أننا نعرفُ جيداً تاريخ جزيرة القرم .
الموقف الثاني ، هو انَّ أعضاء الكتلة البرلمانية الموالية لحزب الرئيس ماكرون ، هم الذين قرروا استجواب السيدة مارين لوبن ، كما انَّ الرئيس ماكرون قام باستغلال هذا الاستجواب في مناظرته التلفزيونية مع السيدة لوبن بين جولتي الانتخابات الرئاسية لعام 2022.
اليوم ،على مايبدو ، جاءت ساعة عتاب وحساب و ثأر للرئيس بوتين وللسيدة مارين لوبن مع الرئيس ماكرون .
لَعِبَ الرئيس ماكرون دور قائد التعبئة والتحشيد للحرب في أوكرانيا و ضّدَ روسيا . لم يفّوت حدثا سياسيا او عسكريا ،شهدته الحرب الروسية -الأمريكية الغربية ، ومنذ اندلاعها في شباط 2022 ، الاّ ووعدَ بسلاح وخبراء بل وجيش أوروبي للقتال ضدّ روسيا ، و بشّر بنصرٍ قريب على روسيا . فبدل ان يجسّد ” وسطيته السياسية بين اليمين و اليسار ” ، ويكون وسطياً بين امريكا وروسيا في أوكرانيا ، راحَ يحرّض ألمانيا و يحشّد اوروبا لدعم ماكنة الحرب والانصياع التام لأمريكا في خططها تجاه روسيا و أوكرانيا . اهملَ ماكرون رأي و موقف الشعب الفرنسي المعارض للحرب ،والذي عبّر عن رأيه و موقفه ،بتظاهرات مليونية ، وكانت هذه التظاهرات مناسبة و حُجّه له ( واقصد الرئيس ماكرون ) كي يتنصل عن دعمه المطلق لأمريكا في حربها ضد روسيا في اوكرانيا ، ولكنه لم يغتنم الفرصة . بعض النخب و بعض الدبلوماسيين الفرنسيين يلقون اللّوم في هذا الموقف ، و مواقف أخرى خاطئة ،اتخذها الرئيس في السياسة الخارجية ،على مستشاري الرئيس ماكرون .
ولن تكتفي السيدة مارين لوبن بهذا الانتصار ، وهو خطوة كبيرة نحو انتصار اكبر ، وبتحالف مع ” الحظ ” ، حين تتربع على كرسي الاليزيه في الانتخابات القادمة عام 2027 .
نتائج الانتخابات الأوروبية هي ايضاً مُفرِحة للرئيس الأمريكي السابق ” ترامب ” ،حيث المشتركات بين أفكاره و تطلعات احزاب اليمين في اوروبا ، من بين هذه المشتركات السعي لتفكيك الاتحاد الأوروبي والتأكيد على خصوصيَة كل دولة اوروبية ، و تقليل دور حلف الناتو ،بالاضافة إلى المواقف المشتركة تجاه الهجرة واللاجئيين ، وتجاه الحرب في أوكرانيا، والعلاقة مع روسيا .
دعونا نتعرّف على الحائر ..
الحائر هي اللوبيات اليهودية و الصهيونية الداعمة لاسرائيل ، والتي تعّول كثيراً على مواقف الدول الأوروبية وخاصة فرنسا و ألمانيا تجاه اسرائيل ، وفي هذا الظرف الخطير ،الذي تواجهه أسرائيل .
ماهي أسباب الحيرة ؟
هُمْ بين يمين منتصر ،يعتبرونه متطرفا وله تاريخ حافل بالتصريحات المعادية للساميّة ،كما يصفونها ، وبين تجمّع يساري (الحزب الاشتراكي الفرنسي و حزب فرنسا الأبية، وحزب الخضر والحزب الشيوعي ) ، والذي له مواقف صريحة ضد حرب الإبادة في غزّة ، وخاصة حزب فرنسا الأبيّة . رئيس وزراء فرنسا أعرب عن اسفه لهذا التجمع والذي يضّمُ حزباً معادياً للسامية (ويقصد حزب فرنسا الابيّه ) ، و أعابَ على الحزب الاشتراكي الفرنسي تحالفه مع حزب فرنسا الابيه .
وطبعاً عندما يصف السيد عتّال ، وهو يهودي الديانة واسرائيلي الولاء ( مثل وزير خارجية امريكا ) بأن تجمّع اليسار الفرنسي ،والذي سيدخل في منافسة انتخابية مع تجمع اليمين واليمين المتطرف ، بأنه تجمع ضّد السامية ، معناه ضّد اسرائيل ، و السيد عتّال يعبّر ،في تصريحه ،عن موقف اللوبيات الداعمة لاسرائيل .
اللوبيات الداعمة لاسرائيل تجد نفسها اليوم بين يمين متطرف ، تاريخياً وعقائدياً ضّد اليهود وغير اليهود ،وبين تجمع احزاب يسار ، وُصِفَ بانه تجمع ضدْ الساميّة .
هل للموضوع و بكامل تفصيلاته ( نتائج الانتخابات الأوروبية ،احزاب يمين متطرفه حاكمة ، إلخ …) تأثير على حرب الإبادة في غزّة ؟
لا اعتقد .. لأنَّ سؤال الحرب على غزّة ، جوابه في الميدان وفي ساحات الوغى ، وليس في ترف الديمقراطيات و رغبة و إرادة اللوبيات .
*سفير عراقي سابق. رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات
وتعزيزالقدرات /بروكسل /