![](https://al-hiwarnews.com/wp-content/uploads/2025/02/444-780x470.jpg)
بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
أعطى قانون التعريفة الجمركية لعام 1789 (Tariff Act of 1789) الكونغرس الأميركي صلاحية فرض الرسوم الجمركية على الواردات لحماية الصناعات الأميركية وجمع الإيرادات . وقد كان الهدف الرئيسي من القانون هو تمويل الحكومة الفيدرالية ، حيث كانت التعريفات المصدر الأساسي للإيرادات قبل فرض الضرائب الفيدرالية المباشرة ، وحماية الصناعات المحلية الناشئة من المنافسة الأجنبية، خاصة ضد المنتجات الأوروبية الرخيصة .
قانون التعريفة الجمركية لعام 1930 سموت-هاولي Smoot-Hawley Tariff ، رفع الرسوم الجمركية على أكثر من 20,000 سلعة مستوردة بنسبة تصل إلى 60%. وكان الهدف حماية المزارعين والصناعات المحلية خلال الكساد الكبير، أدى ذلك إلى حرب تجارية عالمية ، حيث ردت الدول الأخرى بفرض تعريفات على الصادرات الأميركية ، ما فاقم الكساد الكبير بدلاً من علاجه.
في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، كانت التعريفات الجمركية تمثل أكثر من 90% من إيرادات الحكومة الفيدرالية ، اليوم تمثل أقل من 2% من إجمالي الإيرادات الفيدرالية ، حيث أصبحت الضرائب (الدخل، الشركات، الرواتب) المصدر الرئيسي .
بعد هذه الحرب الطاحنة،لجأت الولايات المتحدة كقوة دافعة الى إنشاء الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT) عام 1947، التي تطورت لاحقًا إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) عام 1995 ، وكانت أهداف هذه الاتفاقيات هي خفض الحواجز الجمركية وتعزيز التجارة الحرة ، وتحفيز النمو الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية ، مواجهة الحمائية الاقتصادية التي ساهمت في الكساد الكبير ، لكن الهدف الاكبر كان محاولة ادخال منتجات الولايات المتحدة الصناعية كون مصانعها خرجت سليمة بعد الحرب العالمية الثانية ولديها فائض انتاج كبير فاستطاعت المنتجات الاميركية ان تغزو معظم الاسواق العالمية عبر اتفاقيات التجارة الحرة .
منذ العام 1976 بدأ العجز التجاري الأمريكي يظهر في الاقتصاد الاميركي ، حيث لم تشهد الولايات المتحدة فائضًا تجاريًا منذ ذلك الحين، وكان من أهم أسباب نشوء العجز التجاري زيادة الواردات حيث شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا كبيرًا في واردات السلع الاستهلاكية ، مثل السيارات ، والأجهزة الإلكترونية ، والملابس ، مما أدى إلى زيادة الإنفاق على المنتجات المستوردة ، والسبب الثاني نقل الصناعات إلى الخارج حيث قامت العديد من الشركات الأمريكية بنقل عملياتها التصنيعية إلى دول ذات تكاليف إنتاج أقل ، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على الواردات ، والسبب الثالث قوة الدولار الأمريكي حيث ان ارتفاع قيمة الدولار جعل المنتجات الأمريكية أقل تنافسية في الأسواق العالمية ، ما أثر سلبًا على الصادرات وزاد من جاذبية الواردات ، اما السبب الاخير فكان ارتفاع الاستهلاك المحلي حيث يميل المستهلكون الأمريكيون إلى الإنفاق أكثر مما ينتجون ، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع المستوردة.
هذا التوسع في عجز الميزان التجاري اوصل العجز في كانون الاول من العام 2024 الى 98.4 مليار دولار أميركي، وهو اعلى مستوى له منذ اذار 2022 ،وقد بلغ العجز الاجمالي خلال العام 2024 حوالي 918.4 مليار دولار اميركي بزيادة قدرها 17 بالمئة قياسا بالعام 2023 ، وقد سجلت اكبر العجوزات مع كل من :
- الصين قيمة العجز التجاري معه بلغ 295.4 مليار دولار .
- الاتحاد الاوروبي قيمة العجز بلغ 235.6 مليار دولار .
- المكسيك قيمة العجز بلغ 171.8 مليار دولار .
هذا الامر دفع الولايات المتحدة الى اعادة النظر في كل الاتفاقات الدولية التي وقعتها مع شركائها التجاريين، ولا سيما شركاؤها الكبار ومنها الاتحاد الاوروبي ، الصين ، كندا ، والمكسيك .
لقد لجأ ترامب الى استخدام بعض المواد القانونية التي تسمح له بتعديل الرسوم الجمركية حفاظا على الامن القومي، ومنها المادة 232 من قانون التجارة الاميركي لعام 1962 والذي يعطي الرئيس صلاحية تعديل بعض الرسوم لحماية بعض المنتجات التي تخص الامن القومي، وبالتالي لجأ الى فرض الرسوم الجمركية بنسبة 25% على بعض الواردات ، بما في ذلك الفولاذ والألمنيوم من كندا والمكسيك، لأسباب اقتصادية واستراتيجية ، حيث زعمت واشنطن أن القدرة الإنتاجية المحلية للفولاذ والألمنيوم ضرورية للأمن القومي، مثل الصناعات العسكرية.
كذلك فعل مع الصين حيث بدأت الولايات المتحدة ، تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب ، بفرض الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من المنتجات الصينية منذ عام 2018 ، بهدف حماية الصناعات الاستراتيجية وتعزيز الأمن القومي ، وقد شملت هذه الرسوم قطاعات متعددة منها ، التكنولوجيا المتقدمة حيث فرضت قيودًا على تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة إلى الصين ، بهدف الحد من تقدمها في هذا المجال الحيوي ، ثم السيارات الكهربائية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين ، لحماية صناعة السيارات الأمريكية وتعزيز تنافسيتها ، ثم الخلايا الشمسية بنسبة 50% على الخلايا الشمسية المستوردة من الصين ، بهدف دعم الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات ، وبعدها الفولاذ والألمنيوم بنسبة 25% على الواردات ، لحماية الصناعات الأمريكية المرتبطة بهذه المعادن.
هذه السياسة ستستمر في الولايات المتحدة الاميركية مع الرئيس ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة، وان كان يمكن ان يحصل بعض التراجعات لأسباب سياسية واقتصادية مع بعض الشركاء. فالولايات المتحدة لا يمكنها ان تغلق على نفسها كون الإغلاق سيرتد عليها عكسيا، سواء على المستهلك مع ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية بشكل كبير ، او على الشركات الاميركية والتي تستثمر بأرقام كبيرة خارج الولايات المتحدة ما يؤثر على قيمتها السوقية في الاسواق المالية .