رأي

الانظمة الديمقراطية تعرّض مصداقيتها للخطر بتدخلها في عمل المحاكم الدولية(زياد علوش)

 

د. زياد علوش* – الحوار نيوز

 

ممارسة الضغوط السياسية على عمل المحاكم وعدم الفصل بين السلطات سمة الانظمة الشمولية. المفارقة ما تتعرض له الآن محكمتا العدل الدولية والجنائية الدولية من ضغوط وتدخلات وتهديدات صادرة عن انظمة يعتقد انها ديمقراطية، او يعتقد انها عريقة في هذا المضمار مثل امريكا وبريطانيا والمانيا وايطاليا …

 شيئ غير مقبول وهو بالتأكيد يقوض مصداقية تلك الدول في ادعاءاتها المتعلقة بالنزاهة والعدالة والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان ،خاصة بعد انكشاف ديماغوجيتها وازدواجية معاييرها عندما يتعلق الامر بفلسطين،تبدى ذلك عند المقارنة بين ما حدث ويحدث في اوكرانيا وفلسطين خاصة غزة، بحيث تظهر مثل هذه الدول، لا سيما الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، انها بصدد التضحية بسمعتها ومصالحها من أجل اسرائيل وما ترتكبه كدولة محتلة من مجازر في فلسطين.

سخافة الضغوط اياها والتهديدات تأتي بهدف التأثير على مجريات عمل المحكمة وحكمها النهائي، بما يخالف القرائن والأدلة القائمة على خلفية ان اسرائيل يجب ان تستمر كدولة فوق المحاسبة، وانه لا يجوز مقارنتها بأي كيان آخر بغض النظر عما ترتكبه او اي اعتبارات دامغة تدين تل ابيب فقط لانها اسرائيل.

الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية بوجوب وقف الهجوم الحالي على رفح كان يفترض تعميمه على كل غزة، لكن ربما الحكم الاخر بضرورة حفاظ اسرائيل على الادلة وعدم العبث بها إضافة الى وجوب تسهيلها عمل المحققين الدوليين ربما يفيد بعينه وبشكل غير مباشر باعتقاد المحكمة ان اسرائيل ارتكبت كل الجرائم التي اتهمتها بها جنوب افريقيا.

رغم ان عمل المحاكم بما تتطلبه من وقت طويل وامكانية استخدام امريكا حق النقض الفيتو في مجلس الامن عندما ترفع الإدانة لدية ، هو بمثابة احلام مؤجلة على المدى القصير للفلسطينيين الذين يريدون وقف فوري لمعاناتهم التي لا تطاق.

اسرائيل ردت على قرار العدل الدولية بتكثيف عملياتها العسكرية وزيادة مجازرها في الميدان، لا سيما في رفح، ومن ناحية اخرى تعمل تل ابيب بالتعاون مع واشنطن للتحايل على قرارات المحكمة والتقليل من اهميتها بالادعاء انها اصبحت كيانا معاديا للسامية.

مع ذلك تدرك جنوب افريقيا صاحبة الدعوى ضد اسرائيل ويدرك العالم اجمع ان رياح التغيير والاعتراف بدولة فلسطين ضمن خطة عربية اوروبية أوسع، لن تتوقف عند ثلاثي “إسبانيا والنرويج وإيرلندا ” ، وبأن تهديدات نتنياهو الجوفاء التي طالت الجميع بصورة انفعالية لن تغير من ضرورة استكمال مسيرة العدالة التي انطلقت، وهي تتوسع في العالم اجمع عاموديا وافقيا، وان سوط معادات السامية المسلط بدأ يفقد تأثيرة لفرط استخداماته المضللة.

المجازر التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة على مدى سبعة اشهر كرد غير متناسب على عملية “طوفان الاقصى”، لم يعرّ فقط الاحتلال الاسرائيلي على مدى 76 عاما، بل عرّى الادعاءات الديمقراطية الغربية ذاتها في المسألة الانسانية عامة والقانونية خاصة ، ما دفع الشخصية الانسانية الاعتبارية العالمية الفردية المتحضرة لإعادة التقييم الذاتي في إطار  نقدي ملهم نحو الهتاف بصوت واحد “فلسطين حرة”. وقد انفضحت السردية الصهيونية وتأكدت التغريبة الفلسطينية بحيث بدت غزة انها تحرر العالم من قيود واوهام الصهيونية حتى داخل اوطان الافراد انفسهم.

الاحتجاجات الشعبية والطلابية لا سيما في الدول التي لا زالت تدعم استمرار الحرب على غزة، تشير بقوة الى انفصام الخيارين الشعبي والسياسي، بما ينذر بتغيرات كبيرة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وقد تدشن “لندن” ذلك التغيير مع إعلان  “ريتشي سوناك” موافقة الملك تشارلز على الانتخابات المبكرة.

من مهازل الديمقراطية الغربية وقد بلغت الحضيض، ان امريكا تجادل في وجوب وقف قتل المدنيين بوقف اطلاق النار، وانها لا تعترض على مبدأ القتل، انما تذهب بما ترفضه اسرائيل الى ضرورة تقنين ذلك القتل كتكتيك اجرامي، بحيث لا يدفع اصحاب القلوب الرحيمة في العالم لثورة تطيح بما تود فعلا واشنطن وتل ابيب القيام به، وهو المزيد من القتل وارتكاب المجازر.

التاريخ لا ولن يرحم المجرمين، فإن قصرت يد العدالة اليوم فستطالهم غدا. ولأن طوفان الوعي العالمي بدأ بالتشكل، فليحذر من يستطيع القفز من سفينة الصهيونية الغارقة ولم يفعل.

*كاتب صحفي ومحلل سياسي لبناني

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى