الانتخابات الرئاسية الفرنسية:الحسم غدا الأحد ..وماكرون الأوفر حظا
الحوار نيوز
يتوجه الناخبون الفرنسيون صباح غد الأحد الى صناديق الاقتراع مرة ثانية خلال أسبوعين لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة ،بعدما انحصرت الانتخابات في الدورة الأولى في العاشر من الشهر الجاري بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.
وفي حين ترجح الاستطلاعات فوز ماكرون بأكثرية مريحة ،يرى المراقبون أن النتائج مرهونة بمزاج الناخبين الفرنسيين الذين لم يحسموا خيارهم حتى الآن،وهم نسبة غير قليلة تفوق العشرين بالمائة،في وقت دخلت البلاد منذ منتصف الليلة الماضية مرحلة الصمت الانتخابي.
وألقى كل من المرشحين أمس الجمعة، بثقلهما في معركة اليوم الأخير من الحملة، لخيار تاريخي بين مشروعين ونظرتين إلى العالم مختلفتين كل الاختلاف.
وتتفق استطلاعات الرأي في فرنسا على أن ماكرون سيتفوّق غدا الأحد، مع اختلافات حول الفارق مع منافسته. آخر استطلاع نُشر ليلاً على المباشر عبر قناة “فرانس أنفو” الإخبارية الحكومية، أعطى ماكرون فارقاً مريحاً نسبياً، حيث حصل على 57,5% من الأصوات، مقابل 42,5% لـ مارين لوبان، بحسب مؤسسة “إبسوس” (Ipsos Sopra Steria) التي تحظى اليوم بمصداقية عالية بسبب أن تقديراتها للدور الأوّل كانت دقيقة بنسبة كبيرة.
هذا الرقم هو أعلى ما وصل إليه ماكرون إلى حد الآن في سبر الآراء، إذ إن معظم الاستطلاعات السابقة (من مؤسسات مختلفة: إبسوس، أودوكسا، كلوستر 17، أوبينيون واي..) أعطته ما بين 52% و54%. وقد ظهرت نسبة 56% أوّل مرة في 19 من الشهر الجاري، ومع الاستطلاع الجديد لـ”إبسوس” يواصل ماكرون التقدّم، غير أن سبر آراء آخر أنجزته أمس مؤسسة “أودوكسا” يعطي الرئيس الحالي نسبة 53%.
عاملان يفسّران هذا التفوّق في الأمتار الأخيرة، أولهما أن معظم المنسحبين من الدور الأول للانتخابات الرئاسية قد أظهروا ميلهم إلى ماكرون، وهو ما يعني دعوة كي تذهب أصوات من صوّتوا لهم إلى الرئيس الحالي. أما السبب الثاني، فهو أن المواجهة المتلفزة التي جمعت بين المُرشّحين يوم الأربعاء الماضي قد ساهمت في ذهاب نسبة كبيرة من أصوات المترددين إلى ماكرون.
يُشيع هذا التفوّق لماكرون ارتياحاً، في فرنسا كما في الخارج، وفق ما تشير وكالة “فرانس برس”، خشية وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في دولة عظمى مؤثرة في السياسة الدولية كفرنسا؛ العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي والتي تمتلك السلاح النووي. وقد دعا قادة ألمانيا وإسبانيا والبرتغال الخميس إلى اختيار “المرشح الديمقراطي” في فرنسا.
ولا ترغب العديد من المستشاريات التي فوجئت بالنتيجة التي حققها اليمين المتطرف في الدورة الأولى في تكرار المشاهد الشعبوية التي حدثت مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
في 10 إبريل/ نيسان، صوت أكثر من 30% من الفرنسيين لمرشح من اليمين المتطرف، إذ حصلت مارين لوبان على 23,15% من الأصوات، والشخصية المثيرة للجدل إيريك زمور على 7,07%.
وعشية انتخابه عام 2017، وعد إيمانويل ماكرون “بأن يفعل كل شيء” لكي لا يكون للناخبين “سبب للتصويت للمتطرفين”.وهو لم يفشل فحسب، بل إن “الجبهة الجمهورية” التي تجمع تقليدياً بين اليمين واليسار التقليديين في مواجهة اليمين المتطرف في الانتخابات فقدت زخمها وباتت اليوم تنافسها جبهة أخرى هي “أي شيء باستثناء ماكرون”.
يثير الرئيس عداءً شديداً بعد ولاية من خمس سنوات تخللتها أزمات من الحركة الشعبية لـ”السترات الصفراء” إلى كوفيد-19.ووفقًا لاستطلاع أجراه مركز البحوث السياسية في جامعة العلوم السياسية المرموقة في باريس، اختار 38% من ناخبي مارين لوبان هذه المرشحة لقطع الطريق أمام إيمانويل ماكرون، بحسب “فرانس برس”.
ويقول مؤيدو الرئيس المنتهية ولايته أن “لا شيء محسوماً بعد” للتعبئة في الأيام الأخيرة من الحملة وتجنب مقاطعة الناخبين التي سترسم حسب الخبراء نتيجة الاقتراع.
ووفقًا لمارتيال فوكو من مركز “سيفيبوف” لاستطلاعات الرأي “كلما زادت نسبة المقاطعة تقلص الفارق في نوايا التصويت”، ما يشكل “خطراً حقيقياً على إيمانويل ماكرون”.
بين الدورتين، سعى المرشحان للبحث عن ناخبي مرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون الذي جاء في المركز الثالث في الدورة الأولى بحصوله على ما يقارب 22% من الأصوات.
ولجذبهم، وعدت مارين لوبان بحماية “الفئات الأكثر ضعفاً” في حين أجرى إيمانويل ماكرون تحولاً إلى اليسار واعداً بجعل الملف البيئي الأولوية القصوى لسياسته.
وأبرزت الحملة التي طغت عليها الأزمة الصحية ثم الحرب في أوكرانيا والمناظرة التلفزيونية الأربعاء الاختلافات العميقة بين المرشحين.
من أوروبا إلى الاقتصاد والقدرة الشرائية والعلاقات مع روسيا والرواتب التقاعدية والهجرة: لا يتفق المرشحان على أي شيء تقريباً.يبدو أنهما يجسدان أكثر من أي وقت مضى وجهين لفرنسا: من ناحية ما يسميه الخبير السياسي جيروم فوركيه “فرنسا الثلاثية”، “فرنسا الجذابة” و”تلك التي تجعل الجميع يحلمون” ومن ناحية أخرى “فرنسا الظل” و”النفور” و”التي لا تجعلك تحلم”.
وبغض النظر عن الفائز، فإن الانتخابات التشريعية التي ستلي الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران ستكون أشبه بـ”دورة ثالثة”. وأظهر جان لوك ميلانشون طموحه إلى أن يصبح رئيساً للوزراء وبالتالي يفرض تعايشاً، مراهناً على تصويت كبير لصالح نواب حزبه “فرنسا المتمردة” في حين أن مارين لوبان ستواجه كما إيمانويل ماكرون صعوبة في تأمين أغلبية.
في المقابل، قد تحسم دورة ثالثة أخرى في الشارع، على نموذج الاحتجاج الشعبي لـ”السترات الصفراء” في 2018-2019. ويدعم إيمانويل ماكرون بشكل خاص مشروع إصلاح رواتب التقاعد الذي لا يحظى بشعبية ومن شأنه تأخير سن التقاعد. وقال مسؤول في الغالبية “أعتقد أنه ستكون ولاية في غاية التعقيد”.
إذا وصلت مارين لوبان إلى قصر الإليزيه، فمن المحتمل أن يتغير المشهد كلياً اعتباراً من مساء الأحد، مع الدخول في المجهول اليوم التالي.