الاستثمار في لبنان بين المؤتمرات الشكلية والشروط الضرورية (زينب عوالي)
حسن أحمد خليل" شرطان لتسهيل الإستثمارات

كتبت زينب عوالي- الحوارنيوز خلص

ضجّت الحياة اللبنانية في الآونة الأخيرة بالمؤتمرات التي تهدف إلى دعم القطاع الاقتصادي، من بينها المنتدى العقاري اللبناني الثالث الذي نظمته نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان تحت عنوان “عودة لبنان إلى الواجهة: فرص استثمارية واعدة ومبادرات إسكانية استراتيجية”، ومؤتمر بيروت 1 ،وان بعنوان “الثقة والشراكة والفرص”، والأسبوع المقبل ينطلق المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2025، الذي يُنظَّم بالتعاون بين اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب وجمعية مصارف لبنان تحت عنوان “الاستثمار في الإعمار ودور المصارف”. وتهدف جميع هذه المؤتمرات إلى فتح باب الاستثمار أمام الخارج، لا سيما من الدول الأوروبية والخليجية.
في مؤتمر بيروت 1، أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون “أن المؤتمر ليس مجرد حدث اقتصادي، بل خطوة أولى لإطلاق فصل جديد في نهضة لبنان”. لكن، ما بين الواقع والشكليات، هناك فجوة كبيرة.
للوهلة الأولى، يظن المواطن اللبناني أن البلد أمام انفتاح وتحسن كبير في القطاع الاقتصادي في المستقبل القريب، وأنه بين يوم وليلة سيتعافى الاقتصاد وتتهافت الاستثمارات على المشاريع في لبنان، وكأن لا حرب حصلت ولا أزمة مصرفية. إلا أن الواقع مختلف؛ فالقطاع المصرفي يعاني من أزمة مالية وعجز يقدر بـ 80 مليار دولار منذ عام 2019، ولم يطرأ أي تحسن جذري مع بداية العهد الجديد. الكثير من التناقضات تعوم في الأجواء، لكن قراءة ما بين السطور تكشف خفايا الواقع.
قبل ست سنوات، وبعد إعلان حاكم مصرف لبنان السابق إفلاس الدولة، عُقد نحو 17 اجتماعًا مع صندوق النقد الدولي بهدف الاستدانة وتحسين العجز. وما أفشل هذه الاجتماعات هو عدم قدرة الجانب اللبناني على احتساب فجوة الدولة المالية بدقة. أسئلة كثيرة تطرح نفسها: كيف لدولة منظمة ألا تعرف حجم ديونها؟ وكيف لها ألا تستطيع حساب ما لديها من أموال وإيرادات؟
جميع هذه الأسئلة تشير إلى جواب واضح: الفجوة الحقيقية ليست بالمصارف، بل بمن يقيّمها، و”وما أكل الضرب إلا هالمودع المعتر”.
واليوم، يظل واقع المصارف على حاله بل ازداد سوءا، إذ تُصر المصارف في الآونة الأخيرة على تحميل مصرف لبنان والحكومة كلفة خسائرها، في وقت يعطّل فيه الجمود القائم أي اتفاق محتمل مع صندوق النقد الدولي، الذي نبّه مؤخرًا إلى أن لبنان لا يزال يواجه “احتياجات كبيرة” على صعيد التمويل الخارجي.
وبين المؤتمرات المنعقدة وواقع المصارف والضغوط السياسية، يقول الخبيرالمالي والإقتصادي الدكتور حسن أحمد خليل إن الاستثمارات الخارجية، ولا سيما القادمة من الخليج العربي، لا تأتي من دون قرار سياسي أميركي. وتساءل خليل عن أي إصلاح يتحدث عنه المعنيون، مؤكدًا أنه منذ بدء العهد الجديد لم يُفتح أي ملف فعلي للتحقيق مع الفاسدين ومعاقبة المرتكبين.

وحول المؤتمرات، أوضح خليل أنها لن تؤثر بشكل إيجابي على لبنان ما دامت مجرد ندوات شكلية، مؤكّدًا أن الخطوة الأولى نحو الإصلاح الفعلي تأتي من تغيير النظام الداخلي والاتجاه نحو قضاء عادل لا يحكمه الفساد والرشاوى، وحل أزمة المصارف والودائع، ومن ثم يمكن للدولة اللجوء للخارج لتشجيع الاستثمار. ووصف هذه المؤتمرات بأنها ليست إلا تضييعًا للوقت والجهد والمال.
وفي ما يخص حلول الأزمة المالية والاقتصادية، أشار خليل إلى أنها تنقسم إلى شقين:
الشق الاقتصادي والمالي حيث شدد على وجوب إعادة تشكيل النظام المصرفي، وإعادة هيكلة إدارته ورأسماله، وضخ بنوك جديدة بطريقة تعيد الثقة للمودعين والمستثمرين.
أما في الشق السياسي فأشار إلى أنه لا يمكن حل الأزمة من دون تغيير هيكلية النظام السياسي اللبناني بشكل جذري.
يبقى الواقع الاقتصادي اللبناني محاطًا بالتحديات الكبيرة، والمؤتمرات الاقتصادية رغم أهميتها الرمزية، لا يمكن أن تعوّض غياب الإصلاحات الجوهرية. فالتعافي المستدام يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، إصلاح مصرفي شامل، وحوكمة عادلة تضمن الشفافية والمساءلة، وإلا فإن أي جهود خارجية ستظل محدودة التأثير أمام تعقيدات الواقع الداخلي.



