الإيديولوجيا وموت الحرّيّة
تعرّي الإيديولوجيا الفرد، نازعة عنه بعده الإنساني، تاركة له خواءه الروحي، محيلة (الإيديولوجيا) شفافيته إلى غباش وغموض وخفاء، رغم وضوح كلماته (الفرد)، في غالب الأحيان، مضمِرة للآخر المختلف، (ثقافة، فكرا، دينا، مذهبا، منطقة، لونا، إثنية، لغة…الخ)، سوء المصير، لاحتمالها (الإيديولوجيا) الإضمار، والسّكوت عما يُرسَم، في اعتداد مغلّف بالخير، والنّماء، لكنّه حمّالٌ للموت – برمزيته أو واقعيته – في آنٍ معا.
كلّ صراع ينشأ بين إيديولوجيتين أو أكثر، يصنع حبلا، يُلفّ على خناق المتصارعين، يضيّق حركة الأنا، يسلبها حرّيتها، وحسّها النقدي، وشكّها، يحيل معتقداتها إلى يقينيّات، لا التفاتة منها للأخلاقيات، أو التشارك، تضفي مشروعيّة مطلقة للفعل الواقعي، وللنّظام القائم، والدفاع عنه، مستلّة سيف أفكارها، شاهرة له، بوجه كلّ مغاير عنها، او مختلف.
والإيديولوجيا بطبائعها هادفة إلى تحريف الواقع – إيجابا أو سلبا – وإضفاء الشرعية لأنظمة السلطة – مطلق سلطة – والاندماج في العالم المحسوس، المعاش، العام، عن طريق الأنماط الرّمزية، كاللغة والخطاب، والمعتقدات، والسّكن، والزّيّ وغيرها… المصاحبة للفعل؛ وهنا تتحوّل الإيديولوجيا إلى حارسة للهويّة المجتمعيّة، فتصبغها بالهشاشة، والضّعف، على الرّغم من وصمة التعالي الذي تتركه (الإيديولوجيا) على الأفراد المؤدلَجين، ونظرتهم الدونية لغيرهم من الجماعات والأفراد.
الخطير في الأمر، هو ان تتحوّل الإيديولوجيا أداة طيّعة للسلطة، خادمة وتبريريّة لها، هادفة لإضفاء الشّرعيّة عليها، ما يترك تبعاته على الفرد والجماعات، على الأنا – الفرد، والنحن – الجماعة، وعلى نحن – هم (جماعة تقابل جماعة)، فتغدو السّلطة أداة طيّعة بيد جماعة – إيديولوجيا معيّنة، ما يؤدّي إلى التنافر مع الجماعات – الإيديولوجيات الأخرى، وتبتعد السّلطة (كوظيفة) عن تسيير العلاقة بين أفراد المجتمع، فتغيب المسافة الطبيعيّة بين الحكّام والمحكومين، وتحلّ الصراعات محلّ الاستقرار، ويخوض الأفراد صراعات ليست صراعاتهم، وحروب ليست حروبهم، ويتغافلون عن مشكلاتهم الأساسيّة، ويتحوّلون إلى حيواتٍ مدجّنة، جلّ همهم هو الاعتقاد بشرعيّة السّلطة وحكّامها، ويتحوّلون إلى حشود، وأرقامٍ انتخابيّة، ومن ذات مفترضُ أنّها مفكّرة، قادرة على الاختيار، حرّة، إلى كائنات مؤرشَفة في حواسيب السّلطة، حسب الأرقام التسلسليّة لبطاقات الهويّة.
إنّ أهمّيّة الإنسان – الفرد تكمن في قدرته على تجاوز الإيديولوجيا، وإفساح المجال لكينونته، حرّيته، للقدرة على الفعل، والحركة، لا على الانفعال، فالقدرة على التغيير كامنة فيه، ما عليه سوى إطلاقها، وجعل عقله يسبح في المدى اللامتناهي لإنسانيته، وتحقيق كينونته الخاصّة، دون وجل، أو ضعف وهوان، وإزاحة العقبات من طريقه، والاقتراب من الآخَر – الإنسان، فهو نظيرك، فرّق بينكما شارع، او حيّ او منطقة، أو طائفة، او دولة؛ وكما يقول سارتر “قدّر على الإنسان ان يكون حرّا، وقدّر عليه أن يختار، من يكون وكيف يكون"، فلا تجعل الإيديولوجيا قاتلة لك ولغيرك.