د.كولشان يوسف صغلام – الحوار نيوز
بالرغم من الجهود الدبلوماسية التي تبذل من قبل أنقرة و بعض العواصم العربية للتوصّل لوقف اطلاق النار وعدم توسّع رقعة الحرب من جهة، تسعى أنقرة من جهة اخرى عبر وزير خارجيتها هاكان فيدان و بالتعاون مع طهران والدوحة في مبادرة للعمل على التوصّل لتبادل الرهائن والأسرى بين “إسرائيل وغزّة”، وهذه أولوية إسرائيل حالياً. ومع فشل مجلس الامن في اصدار قرار بوقف اطلاق النار، ما يزال قتل الاطفال و النساء والصحفيين والتدمير سيد الموقف.
هل كان خطابا اردوغان الأخيران تهديدا لإسرائيل أم تنبيها من ضياع فرصة الإستفادة من موقع تركيا الوسطي؟
ماذا قال أردوغان أمام أعضاء حزبه؟
نقلاً عن الصحافة التركية، الأربعاء الفائت، إتهم الرئيس التركي إسرائيل بشن أكثر الهجمات وحشية في التاريخ خلال حربها المستمرة على قطاع غزة، وقال إن “حركة حماس” ليست منظمة إرهابية، بل هي حركة تحرّر ومجموعة مجاهدين تكافح من أجل حماية وتحرير أرضها وشعبها.
ودعا أردوغان إلى وقف إطلاق النار بشكل عاجل وفتح ممر إنساني عاجل لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة من دون عوائق، وأشار إلى أن بلاده أرسلت مستشفيات ميدانية مع مولدات كهربائية إلى القطاع، مؤكدا أنه يجب عدم منع وصولها. كما ندد أردوغان بالدعم الغربي للحرب الإسرائيلية، قائلا إنه لا يمكن لإسرائيل الاستمرار بهذه الطريقة حتى وإن وقفت الولايات المتحدة والغرب إلى جانبها.
وتابع: “في حرب أوكرانيا هناك من أقام الدنيا واليوم يغضون النظرعما يحدث في غزة.. فالمجرمون الذين يقفون خلف المجزرة في غزة هم من يدعمون إسرائيل بلا حدود. إسرائيل يجب أن تبحث عن السلام حولها في دول المنطقة لأنها ستكون محتاجة إلى رحمة وشفقة تركيا كما كانت قبل 500 سنة، وستأتي وتبحث عنها حين يدير لها الغرب ظهره”.
وقال أردوغان إنه لا يمكن لتركيا أن تتسامح مع قتل إسرائيل للأطفال الفلسطينيين. كما قال إن بلاده لا تُدين لإسرائيل بأي شيء، وإن الأفعال الإسرائيلية تدل على أنها تنظيم لا دولة، مشددا على أن ما تفعله ليس دفاعا عن النفس بل وحشية ضد الإنسانية. وأضاف أن أنقرة ستستمر في العمل لعقد مؤتمرسلام فلسطيني إسرائيلي بحضور جميع الدول الفاعلة في المنطقة، مشيرا إلى أن تركيا مستعدة لأن تكون ضامنا للطرف الفلسطيني.
وقال أردوغان مخاطبا نواب حزبه “تركيا ستكون أول مكان يبحث فيه الشعب الإسرائيلي عن الأمن والرحمة عندما ترحل القوى التي يستقوون بها اليوم، تماما كما حدث قبل 500 عام”، في إشارة إلى استقبال الدولة العثمانية لليهود الفارين من الإضطهاد المسيحي في أوروبا.
سارعت إسرائيل بالرد والتعبيرعن رفضها لـتأكيد الرئيس أردوغان أن حركة “حماس ليست منظمة إرهابية”، حيث كتب المتحدث باسم وزارة الخارجية ليؤورعلى منصة إكس: “إسرائيل ترفض بشدة الكلمات القاسية للرئيس التركي ومحاولته الدفاع عن “منظمة إرهابية” ،وكلماته التحريضية بحسب تعبيره لن يغير من الفظائع التي شهدها العالم أجمع، وفق وكالة رويترز.
وخاطب أردوغان جمهوره بلهجة عالية، في تظاهرة جماهرية تحت عنوان “تجمع فلسطين” لنصرة غزّة في إسطنبول، حيث قدم إستراتجية ومقاربة وبلهجة جديدة في ازمة العدوان على قطاع غزة،وكان أبرز مضامين الخطاب:
1-تحميل الولايات المتحدة وأوروبا مسؤولية العدوان على غزّة، حيث أكد على أن إسرائيل ليست إلا “بيدقا في المنطقة وسيتم التضحية به عندما يحين الوقت”، و إعلانه انّ القوات التركية قد تظهر في الشرق الاوسط ، كما فعلت في ليبيا وقرباخ في أذربيجان.
2- الإشارة بالتدخل العسكري، حيث أستعمل العبارة التي يستعملها قبل العمليات التي يقوم بها الجيش التركي ضد التنظيمات الإرهابية، “قد نأتي ذات ليلة “.
3-إعلان إسرائيل دولة مجرمة حرب، والتأكيد على أن أنقرة ستبدأ الإجراءات “القانونية” حيال هذا الأمر.
أسباب الإستراتيجية التركية الجديدة حيال أزمة غزة
في بداية عملية “طوفان الأقصى” حاولت أنقرة وضمن سياستها الخارجية التي تنتهجها مؤخراً وهي البقاء على حياد في ملفات قد تهدد أمنها القومي، حاولت أن تمد جسور التواصل مع تل أبيب لإيجاد حل في الحرب على غزة، عن طريق التهدئة ولعب دور الوساطة والدعوة إلى عدم توسيع رقعة الحرب وعدم المضي بالعملية البرية، وذلك لتجنيب المنطقة حربا قد تتحول لحرب عالمية. من جهة أخرى تملك أنقرة القدرة على لعب دور محوري وهام نظراً لقدرتها على التواصل مع إسرائيل، و في الوقت عينه قدرتها على التأثير على “حماس”، حيث حاولت أنقرة عبر الحراك الدبلوماسي الذهاب إلى الحوار وعقد مؤتمر سلام لوقف المجازر التي ترتكب بحق المدنيين. لكنها في هذا السياق ، تنتقد وتتهم واشنطن والغرب في عرقلة الحل الممكن من خلال دعم إسرائيل.
ويأتي خطاب أردوغان بمثابة جرس إنذار ورسالة تنبيه لإسرائيل والغرب، ومن يقرأ بين السطور يعلم قدرة اردوغان على أن “يضرب ضربة على الحافر وضربة على المسمار” أي لا يزال يعّول على العودة لطاولة الحوار، ولكن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل جعلت أردوغان يخرج عن وسطيته، وأصبح يهدد بالتدخل العسكري في حال أستمرّت إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني ،وهذا أمر خطير قد يحول هذا الصراع لحرب عالمية.
ويبدو هناك مساران بحسب رؤية تركيا وكان قد أعلنهما وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وهما: إما السلام التاريخي والشامل والعادل، وإما الحرب الاقليمية الشاملة، حيث تركيا تطرح نفسها كضامنة لأي إتفاق سواء بمفردها أو بالتعاون مع عواصم عربية أخرى.
أنقرة اليوم لا تكتفي بخطاب عالي اللهجة مع إسرائيل، بل تعلّق خطط التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة.وقد ألغى وزير الطاقة التركي زيارته لتل أبيب،كما ألغى الرئيس أردوغان زيارته أيضاً لتل أبيب التي كانت مقررة بهدف إيجاد حل للازمة.
السؤال هو على ماذا تعوّل انقرة؟
إن رهان أنقرة الأساسي هو كونها عضوا مهما في حلف الناتو وإحتياج واشنطن والدول الأوروبية لها، في مواجهة التحديات مع روسيا في الحرب على أوكرانيا، وتركيا هي القادرة على لعب دور محوري مع روسيا، كما مع إسرائيل.
هل تلتقي مصالح أنقرة مع إيران في الحرب على غزّة؟
بحسب أستاذ العلاقات الدولية التركي د. سمير صالحة يرى بأنه قد تفاجئ طهران المنطقة والعالم بتفاهمات جديدة بين واشنطن وطهران، حيث هناك مصالح في الملف النووي وفي مقايضات سياسية وأمنية عبر شركاء في لبنان وسوريا واليمن، وقد تكون حماس ورقة لمصالح كبرى قد تكون مربحة اقليمياً.
مع كل هذه التناقضات بين الاستراتيجيات والمصالح وبين الصفقات وبين السياسة والمجازر في الميدان، السؤال الأكبر هل الشعب الفلسطيني سينتظر مجلس الأمن والفيتو من 5 دول تقرر مصير العالم؟ أم ينتظر تقاطع المصالح لينوبه قسط من الأمن؟ أم ينتظر رحمة ألله لمصير الموت أو التهجير القسري؟
هذه الأسئلة برسم الرأي العام…